السينما الأمريكية تستغل الصور النمطية للاستشراق في تشويه المسلم
قال الأكاديمي المغربي محمد طروس إن الاستشراق والسينما يلتقيان في بنية كونية عميقة تقوم على المقابلة بين الأنا، وهو الغرب بالخصوص، والآخر، وهو كل ما ليس غربيا، ولو أن هناك “اختلافات على مستوى الأدوار، فالاستشراق ينتج الصور النمطية من خلال آلياته المعرفية والإيديولوجية، والسينما لا تنتج الصور النمطية، بل تستغلها لبناء خطابها وصورها”.
جاء هذا خلال مشاركة أستاذ الأدب والخطاب السمعي والبصري في لقاء مع الإعلامي ياسين عدنان في برنامج “في الاستشراق”، الذي تعرضه “منصة مجتمع”، وبين فيه أنه على مستوى التلقي “الاستشراق نخبويٌّ يتجه إلى فئة محددة هي السلطات والمؤسسة المتحكمة في الشرق، والسينما جماهيرية تصل إلى أكبر عدد من المتلقين، وأكثر تأثيرا، وهي ما يجعلها أداة أكثر تفاعلا مع المتلقي بشكل عام”.
وتابع قائلا: “حينما نعود إلى بناء الآخر في السينما، فإن زاوية النظر تأتي من أعلى وتأخذنا إلى عالم خال من الناس، بنظرة علوية غير ذاتية، تخفي المؤسسة الهوليودية بشكل عام، فيما الطرف المقابل يستهلك صورا دون تفاعل؛ أناس بدون هوية يلبسون اللباس نفسه، في خيام مثلا، وشخصيات بدون ملامح لا تنظر، والعالم مؤطر من قبل القائم على الفيلم”.
وفي الفيلم “نتحول إلى عالم غير موجود حقيقة”، ولا يوجد إلا في الشاشة، وهو ما رصده، وفق المقدّم ياسين عدنان، الناقد اللبناني الأمريكي جاك شاهين في كتابه “الصورة الشريرة للعرب في السينما الأمريكية”، محصيا ما يزيد عن 900 فيلم إلى غاية سنة 2001 قدمت صورة تشوّه العربي، منذ عهد السينما الصامتة، باستثناء 12 فيلما فيها صورة إيجابية أو غير سلبية.
وعلق الناقد طروس على هذا المعطى بالقول: “مجهود شاهين جبار، لكنه أحصى الأفلام دون تفكيك البنية الثاوية خلف الأنماط والصور النمطية (…) فالسينما في المطلق نمطية، وخصائصها هي الخطية التي تسير بسلاسة من البداية إلى النهاية، ومحاولة الاستيلاء على المتلقي دون تشويش بمادة حكائية مسترسلة لا تزعج المشاهد فيستيقظ من التنويم. وتسمح هذه الخطية بالتماهي السلبي مع الشخصيات والأحداث لِيَستضمرها المتلقي ويتبناها في نظرته ومواقفه، كما أن الأفلام تعمل على الإبهار”.
وأوضح أن “صورة العربي في السينما الهوليودية مرت عبر مراحل: مرحلة الغرائبية الأنثروبولوجية التي بحث فيها السينمائي عمّا لا يشبهه وعن العربي الهمجي البدوي باشتغال على المظهر الخارجي ونمط العيش، والمرحلة الوسطى كانت فيلم “لورنس العرب”، وقد أظهرت بداية وعي سياسي قبلي، وسيأتي لورنس ويدخل عالم الصحراء الجميلة وهنا نتحدث عن عربي بقبائل لا عن شرق بإطلاق، وهو وعي يحتاج تأطيرا وتدريبا وقيادة غربية. أما المرحلة الثالثة فالعربي المسلم، بعد ظهور البترول وظهور إسرائيل، صار له موقف ورأي، لكنه همجي وقاتل”.
النساء بدورهن كن في هذه الأفلام وصيفات جميلات، ومتعة جمالية إضافية للفيلم، كما صارت المرأة في المجتمع القبلي منعدمة الوجود الفردي، ترتدي السواد وتوجد في مرتبة ثانية بعد رجل يضطهدها، ثم قدمت صورة النساء المتشابهات الصموتات، وفي “كليوباترا” صارت المرأة ساحرة ومشعوذة.
هذه المدفعية السينمائية التي وجّهت ضد الهنود الحمر، وضد الشيوعيين، وضد العرب المسلمين، تعكس “تكوينا عقليا للأمريكي الأبيض الذي لا يستطيع العيش بدون عدو، لأنه مهدد بالتفكك إذا لم يكن هذا العدو، ولو جاء من كواكب بعيدة”.
ومن بين ما يعتمد عليه الخطاب السينمائي في تبرير رؤيته تصوير “الفضاء خاليا من مآثر الإنسان”، أي تقديم “الأرض بكرا بدون صاحب، ويعمّرها القادم، مثل الصحارى، في وظيفة إيديولوجية هي إبادة الآخر”.
ويوضح الناقد طروس أن واشنطن وهوليود وَوُول ستريت “ثلاثي يتبادل التأثير”، وأن “السينما لها نجاعة مثبتة في إعادة بناء العالم، وهي قوة ناعمة تبرر الوجود الاستعماري والهيمنة (…) ولا يمكن للبنتاغون العيش دون قوة ناعمة، كما لا يمكن لهوليود العيش بدون داعم لوجيستيكي”.
ولا تستهدف هذه الأفلام الخارج فقط، بل إن “المتلقي الداخلي الأمريكي هدف (…)، ينبغي طمأنته بانتصارات وهمية، وباستعراض القوة العسكرية ودفعه للمشاركة في الصراع، وتشويه الآخر لطمأنة الذات”.
المصدر: هسبريس