اخبار المغرب

السياسة النقدية وإنعاش المقاولات يترقبان نتائج اجتماع مجلس “بنك المغرب”

تتجه الأنظار مع انعقاد ثاني اجتماعات مجلس بنك المغرب، اليوم الثلاثاء، إلى تجدد نقاشات “خفض أو تثبيت” سعر الفائدة، في سياق اقتصادي مازال “صعباً” على العموم، وظرفية ترتفع فيها أصوات منادية بضرورة “إنعاش النسيج المقاولاتي الوطني”، من خلال إمكانية خفض سعر الفائدة بشكل يدفع باتجاه “التيسير النقدي” للقروض الممنوحة للمقاولات.

وبعد الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 3 في المائة، للمرة الرابعة على التوالي، كان آخرها في مارس الماضي (الفصل الأول)، لا يختلف المحللون والمتابعون الاقتصاديون على أن السياق الراهن متسم بـ”عامليْن” أساسييْن؛ أولهما “ارتفاع طفيف في معدل التضخم وتقلباته”، ثم “تباطؤ نمو القروض البنكية الموجهة للقطاع غير المالي” بالمغرب.

وحسب ما استقرأته هسبريس من معطيات وبيانات وما استقتْه من آراء خبراء متابعين، فإن السيناريو الراجح هو أن يتجه مجلس إدارة بنك المغرب، الذي من المقرر أن يعقد اجتماعه الفصلي الثاني لسنة 2024، اليوم الثلاثاء، نحو الإبقاء مجددا على الوضع الحالي بهدف تحقيق هدف “مواصلة ترسيخ توقعات التضخم”، الذي كان أحد أبرز “مسوّغات الحفاظ على الوضع النقدي القائم” منذ اجتماع مارس المنصرم.

احتمال “تثبيت سعر الفائدة الرئيسي عند 3 في المائة”، هو السائد أيضا في أوساط محللي الأسواق والمستثمرين، مما يعكس “اطمئنانهم الظرفي” تجاه استراتيجية استقرار الأسعار الحالية المنتهجة، على الرغم من تقلبات التضخم ووتيرة متباطئة للقروض البنكية الموجهة للقطاع غير المالي.

باستحضار “بيانات التضخم” الوطنية، سجل الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك، بحسب مندوبية التخطيط، “ارتفاعا بنسبة 0,4 في المائة خلال شهر ماي الماضي مقارنة بالشهر نفسه من سنة 2023، نتيجة لارتفاع الرقم الاستدلالي للمواد غير الغذائية بنسبة 1,7 في المائة، وانخفاض في المنتجات الغذائية بنسبة 1,2 في المائة”.

معطى الإحصاءات النقدية الأخيرة لبنك المغرب يؤكد بلوغ الكتلة النقدية (م3) 1,769 مليار درهم، متسمة بـ”تباطؤ نموها السنوي إلى 4,2 في المائة خلال شهر أبريل 2024″، وهو التطور الذي يعزى إلى “تباطؤ نمو القروض البنكية للقطاع غير المالي من 3,4 إلى 2,7 في المائة، وانخفاض صافي الديون على الإدارة المركزية بنسبة 0,4 في المائة”.

أثر محدود

أبرز نبيل عادل، باحث اقتصادي في شؤون التجارة والأعمال، أن “الاستهلاك الداخلي والإنفاق العمومي يشكلان معاً دينامية الطلب الداخلي”، وهو ما يجعل “دور السياسة النقدية في بلد نامٍ بتأثير جد محدود”.

وقال عادل، مصرّحا لهسبريس، إن “خفض سعر الفائدة قد ينعش القروض، لكنه في المقابل يدمّر الادخار… إنه إجراء يشجع على اقتصاد الاستهلاك ويؤثر سلباً على اقتصاد الإنتاج”، معتبرا أنه “حتى وإنْ تم إقرار سياسة نقدية ميسَّرة عبر خفض سعر الفائدة 25 نقطة أساس، فإن أغلب النسيج المقاولاتي المغربي يظل يعيش عوامل ضعف إنتاجية وضعف ابتكار وغيرهما من نقاط الهشاشة والضعف البنيوية/الهيكلية”.

وتابع شارحا: “في المغرب لدينا عوامل هيكلية تؤثر على دينامية الإنتاج، بينما الهدف من أدوات السياسة النقدية: الرفع من مستوى الإنتاج وحجمه، مرتبط بالطلب الداخلي”، عادّاً أن “تيسير القروض من أجل خلق طلب داخلي قد يضر بالادخار ويرفع الاستهلاك؛ لأنه وجب الاعتراف بأننا بلد ليس منتِجاً بالقدر الكافي ومازال حبيس الأدوات الإنتاجية الهشة والضعيفة؛ لأن خلق الطلب الداخلي عن طريق توزيع القروض أظهرَت الوقائع أن جزءًا كبيرا منه يذهب للاستيراد”.

ودعا أستاذ الاقتصاد والدراسات الجيوسياسية بالمدرسة العليا للتجارة والأعمال إلى “ضرورة التمييز بين السياسة النقدية التي هي سياسة ظرفية تتعامل مع المدى القصير والقصير جدا (أسابيع إلى فصول)، والسياسة الموازناتية التي تتعاطى مع المدى المتوسط (تقريبا سنة إلى 3 سنوات)”، منبها إلى أن السياقات الظرفية تتباين بشكل كبير بين البنك المركزي المغربي وغيره من البنوك في تكتلات اقتصادية قوية (أوروبا وأمريكا)، ما يجعل الأثر متبايناً.

في السياق ذاته، استدل نبيل عادل بأن “تخفيضات سعر الفائدة بالمغرب” منذ 2013 (من 7 في المائة وصولا إلى 1.5 في المائة) أبانت عن “أثر جد محدود على نسب النمو الاقتصادي” (الناتج المحلي الإجمالي للمملكة)، مستحضرا تأثير “إشكالية آجال الأداء الطويلة نسبياً وحجما ضعيفاً للسوق الداخلي”، ما يدفع عددا من المقاولات إلى الإفلاس أو الاختناق، خاتماً بأن “هناك مشاكل بنيوية هيكلية وجب حلها أولا حتى تكون السياسات الظرفية لها جدوى”، وأن “تطلعات المستثمرين واستطلاع آرائهم، (أمر) يظل معبّرا عن متمنيات أكثر منها وقائع حقيقية”.

إيجابيات وسلبيات

قال المهدي فروحي، أستاذ بكلية الاقتصاد والتدبير بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، إنه “في حالة مراجعة مجلس البنك المركزي قراره نحو خفض سعر الفائدة الرئيسي، فإن ذلك يعني مباشرة تحفيز القروض، سواء الموجهة للمقاولات بغرض الاستثمار أو تلك الخاصة بالاستهلاك، ما يعني تحفيز الاستثمار الداخلي”.

ولم يفت فروحي أن يستدعي وجود “تأثير على إنعاش وتمويل المقاولات بشكل سيشكل دفعة قوية لها في ظرفية انتعاش يَنشدُها جميع الفاعلين في المنظومة الاقتصادية المغربية” من أجل “تعزيز نمو الاقتصادي الفصلي”.

كما لفت أستاذ الاقتصاد، في إفادات تحليلية لهسبريس، إلى الأثر المرتقب إيجابياً على “انخفاض سعر فائدة قروض الأسر، سواء بالنسبة للقروض العقارية أو الاستهلاكية”، ما يؤثر في “إنعاش الدورة الاستهلاكية برمتها”.

في المقابل، أشار الباحث الاقتصادي نفسه إلى “تأثير سلبي ضمني لخفض سعر الفائدة على رفع نسبة التضخم ولو بشكل طفيف”، شارحا بأن “سهولة الاقتراض وتيسير القروض مع السيولة المالية، خاصة في ظل ظرفية الاستهلاك التي ميزت مناسبات دينية واجتماعية متوالية، فضلا عن دينامية رواج أشهر الصيف، عوامل مرجِّحة في هذا المسار”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *