اخبار المغرب

السويني يستعرض دروس “مول الحوت” في السياسة والاقتصاد والمجتمع

في البداية وجب الاعتراف بأن المغرب الحديث قام بمجهودات جبارة من أجل فتح وتعبيد الطريق نحو مصالحة المغاربة مع الاقتصاد، من خلال الاستثمارات الكبرى، ولكن المعروف عن الاقتصاد في بلدنا وفي غالبية دول العالم أنه مجال لا ينشر التفاؤل والبهجة والفرح، فطبيعة الاقتصاد أنه مجال حامل للبطالة والفقر والفوارق والمديونية والعجز والضرائب وارتفاع الأثمان، وبالتالي فالمجال الاقتصادي بطبعه سلبي، لهذا فإن الأخبار والإشارات الإيجابية التي قد يعرفها المجال الاقتصادي رغم رمزيتها تحتاج للبحث والدراسة.

وفي هذا السياق لا يمكن للباحث والمهتم بالشأن العام المغربي إلا أن يقوم بقراءة في ظاهرة “مول الحوت” وحمولتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

في أفق ترسيخ المقاولة المواطنة (البحث عن الربح دون إثقال كاهل الزبون)

كل دروس الاقتصاد تعلمنا أن المقاولة تبحث عن الربح (الربح السريع والمضمون)، لكن المقاولة في الأصل تقدم خدمة ومصلحة للزبائن ووجودها مرتبط بهذه المهمة، والربح هو النتيجة والجائزة التي يقدمها الزبائن للمقاولات التي تقدم أحسن خدمة وبثمن معقول، وبالتالي فإن المقاولين أو الموزعين الأبطال هم المقاولون أو الموزعون الذين يستطيعون فهم وتفهم الزبائن ووضعياتهم المعيشية. ولكن غالبية المغاربة (وجزءا كبيرا من باقي شعوب العالم) يكرهون المقاولة بشكل عام، هذا الكره هو نتيجة طبيعية لسوء الفهم الكبير والاعتقاد الخاطئ الذي مفاده أن المقاولة وجدت فقط من أجل الربح (وهو الرأي الذي يروجه كذلك بعض المقاولين الكبار، الرئيس المدير العام لشركة تومسون آلان غوميز يؤكد أنه يجب الحفاظ على الربح باعتباره المعطى الوحيد للحكم والقرار) ومن أجل جمع المال.

ويخبرنا عالِما الاقتصاد الكبيران هايك وشومبيتر أن اقتصاد السوق ليس غابة حيث يسود قانون الأقوى وليس مجالا جد عنيف حيث الصغار ليس لهم مكان، وأن اقتصاد السوق يمكن أن يحفظ المكان للجميع بشرط إتقان اللعبة وإتقان التخصص والانفتاح، وبذل الجهد الكبير من أجل التأقلم بدل خوض المعارك من أجل الحفاظ على المكتسبات.

لكن ارتفاع الأثمان الأخير، الذي كان في جزء كبير منه ناتجا عن تغول المنتجين والشبكات المرتبطة بهم (الشناقة)، أثبت أن المغرب ينتظره طريق طويل من أجل ترسيخ المصالح بين المنتجين وشبكاتهم والمستهلكين. وحيث إن بداية الغيث قطرة، فإن ظاهرة “مول الحوت” قد تكون القطرة التي تفتح باب المصالحة بين المنتجين والمستهلكين من أجل ترسيخ العيش المشترك.

“مول الحوت” والعمل من أجل علاقة جديدة بين الثنائي “المنتجالمستهلك” والثنائي “البائعالزبون”

قدمت تجربة “مول الحوت” درسا مهما فيما يتعلق بتقليص هامش الربح، والاكتفاء والقبول بربح معقول، هذه الاستراتيجية كانت تمهد الطريق للاشتغال من داخل مربع التقارب ما بين “المنتجينالمستهلكين”، ومن ثم تقارب معين بين “البائعالمشتري”. هذا التقارب لم يكن ليحدث لولا الخدمة الكبيرة التي قدمها المجتمع من خلال العالم الرقمي عبر العمل على توحيد جبهة المواطنين المستهلكين في مواجهة جبهة المواطنين المنتجين والموزعين والشناقة.

من المعروف أن العالم الرقمي قدم خدمة جبارة للمنتجين في مواجهة المستهلكين، لأن داخل العالم الرقمي يسود ميزان للقوى غير متوازن بين المواطنين المنتجين الذين يملكون المعلومة الموحدين بشكل جيد، والمواطنين المستهلكين الذين يتصرفون بشكل غير موحد وغير منظم (في غياب تام لجمعيات حماية المستهلك التي اتضح أن عملها صوري ولا يعطي النتائج المرجوة منه). وللأسف، فإن العالم الرقمي ليس كالعالم الصناعي حيث إن هذا الأخير يتميز بقدرته على تصحيح الأوضاع من خلال ثنائية “رجال الأعمالالنقابات”، بينما رسخ العالم الرقمي ديكتاتورية المنتجين والشناقة في مواجهة المستهلكين الذين تحولوا إلى ما أطلق عليه الباحث جون ماري كيهينو في كتابه “العولمة وتفكك العالم” “العبيد الجدد للعصر الرقمي”.

يحسب لـ”مول الحوت” أنه استعمل العالم الرقمي (من خلال البث المباشر) من أجل قيادة العبيد الجدد إلى العالم الرقمي (المستهلكين) للتمرد على الأسياد الجدد للعالم الرقمي (المنتجينالموزعينالشناقة) عبر تعبيد الطريق نحو الانتقال من مغرب صراع المنتجين والمستهلكين إلى مغرب التوافق بين عالم المنتجين والمستهلكين من خلال التسلح بالتأييد الكبير للحضور والمجتمع.

نظرية الحضور التي نظر لها الفيلسوفان الألماني هايدغر والفرنسي جون بول سارتر، حيث يعمد هايدغر إلى تأكيد الدور الإيجابي للحضور بينما يتبنى سارتر الدور السلبي للحضور.

في كتابه “الوجود والعدم”، يحلل جون بول سارتر الظاهرة ويقول عندما يكون هناك حضور وراءنا ونحس أننا مراقبون، لا نحس أننا الشخص نفسه ولا نقدر على فعل شيء، ونصير مشلولين ونصير رهائن لهذا الحضور. أما في كتابه “نقد العقل الجدلي، فيؤكد أنه عندما نفعل شيئا استثنائيا (حالة مول الحوت) نكون تحت نظر المجموعة التي تراقبنا، هذا الحضور الذي خلفنا يؤثر فينا بشكل كبير، ويدفعنا إلى تبني حلين، إما الجمود واستعمال الحصارات من خلال ترجيح فكرة “توقف العالم يراقبك”، أو الاندفاع بقوة إلى الأمام من خلال استراتيجية “هيا أسرع الكل يراقبك”.

العالم الرقمي من خلال الحضور والمراقبة والمتابعة عمل على تشجيع “مول الحوت” على الصمود والاستمرار في مقاومته، من خلال استعمال استراتيجية “إلى الأمام أسرع الكل يراقبك والكل يشجعك”، كما استعمل الحضور من خلال العالم الرقمي (ملايين المشاهدات) والشخص الرقمي استراتيجية أخرى في مواجهة تحالف المنتجين والموزعين والشناقة وأصحاب الريع والسلطة، من خلال تبني استراتيجية “كفى توقفوا العالم يراقبكم”، هذه الاستراتيجية أربكت خصوم التقارب بين المنتجين والمستهلكين وكذلك العلاقة بين الموزعين والزبائن، وشجعت معسكر التغيير ومعسكر تحالف المنتجين والمستهلكين.

مما يوضح أن ظاهرة “مول الحوت” من خلال استعمالها سلاح العالم الرقمي من أجل حشد الحضور والأشخاص الرقميين المنتميين لعالم المواطنين المستهلكين، لعبت دورا كبيرا في حشد وتجميع وتنظيم عالم المستهلكين في مواجهة تحالف المنتجين والموزعين والشناقة، وعملت بالتالي على خلق ميزان للقوى جديد بين المنتجين والموزعين والشناقة من جهة، وعالم المستهلكين من جهة أخرى.

ميزان القوى الجديد كان يستهدف الانتقال من مغرب ديكتاتورية عالم المنتجين والموزعين والشناقة إلى مغرب جديد يرسخ تعايش المواطنين المنتجين جنبا إلى جنب مع المواطنين المستهلكين، مما يفتح الطريق أمام ترسيخ أسس العيش المشترك.

تجربة “مول الحوت” تعزز معسكر “بنك التفاؤل والحلول” في مواجهة معسكر “بنك الغضب”

ارتفاع الأثمان بشكل دراماتيكي كان تاريخيا النقطة التي تفيض الكأس، وخصوصا عندما يمس هذا الارتفاع المواد الأساسية. مسيرة الملح في الهند التي قادها غاندي ضد الضريبة على الملح التي شرعها المحتل الإنجليزي فعلت أول موجات العصيان المدني في الهند. في فرنسا، تظاهرات السترات الصفراء كانت نتيجة لارتفاع ثمن البنزين، حيث استمرت هذه التظاهرات لمدة تفوق السنة ورفعت من سقف المطالب بشكل تجاوز المطالبة بتخفيض ثمن البنزين (في استطلاع للرأي بفرنسا أجري سنة 2012، عبر نصف السكان عن أن ثمن البنزين محدد في اختيار الرئيس الفرنسي القادم، مما دفع فرانسوا هولاند إلى تضمين مقترح تسقيف ثمن البنزين ضمن المبادرات العشر الأساسية لمرحلة حكمه). لهذا، فإن الباحث في الشأن العام بالمغرب وأمام عدم اهتمام المغرب الأغلبي والمغرب الحكومي بمشكلة ارتفاع الأثمان وعدم اعتبارها أولوية بالنسبة له (والمغرب على أبواب الشهر الفضيل)، كان يتوقع أن تتحرك المواقع التي تتقن الاستثمار فيما يطلق عليه “بنك الغضب”. مصطلح “بنك الغضب” هو مصطلح أطلقه الفيلسوف الألماني بيتر سلوتردايك عند سقوط الاتحاد السوفييتي ومعه بعض الأحزاب اليسارية، حيث يوضح أنه كما يوجد أبناك توضع فيها الأموال من أجل الادخار والاستثمار، فإن بعض الأحزاب والنقابات تعمد إلى إنشاء أبناك تتخصص في تجميع رأسمال الغضب ورأسمال الحقد وتعمل على تخزينه وادخاره والعمل على تشغيله واستثماره واستغلاله في مرحلة الأزمات.

مبادرة “مول الحوت” الفريدة من نوعها والمتابعة النوعية التي عرفتها (ملايين المشاهدات)، أثبتت للمتتبع أنه في مرحلة الأزمات، الشعوب لا تحتاج للمستثمرين في “بنوك الغضب” بل تحتاج إلى أصحاب “بنك الحلول والتفاؤل”. التشجيع الكبير الذي لاقته مبادرة “مول الحوت” (ملايين المشاهدات في مواجهة المستثمرين في بنك الغضب الذين يتوفرون على آلاف المشاهدات فقط) على مواقع التواصل الرقمي دليل على أن في مرحلة الأزمات أصحاب بنك الحلول والتفاؤل قد يتفوقون على أصحاب بنك الغضب.

مبادرة “مول الحوت” والتشجيع الكبير الذي لاقته من جمهور الشخص الرقمي والشخص الاقتصادي وخصوصا (المستهلكين)، أثبتت للمتتبع والباحث في الشأن العام أن غالبية المغرب الحقيقي والمغرب الواقعي عند وجود الحلول والمبادرات الإيجابية تتلقفها وتتبناها، وبالتالي فإن غالبية المغاربة يفضلون ويطمحون إلى الاستثمار في “بنك التفاؤل والأمل والحلول”، مع العلم أن الاستثمار في بنك التفاؤل والأمل هو استثمار في البحث عن الحلول وعن البدائل والإبداع في ذلك، كما أن الاستثمار في “بنك الأمل والتفاؤل” هو تعبير عن أن غالبية المغرب الحقيقي والمغرب الفعلي لا يريد أن يتموقع تحت مربع الأزمة ومربع اليأس ومربع الغضب ومربع الحقد، وهكذا وجه المغرب الحقيقي رسالة مفتوحة إلى المغرب القانوني ومؤسساته، سواء الأغلبية البرلمانية أو الحكومة، أنها تنقصها “إرادة الفعل باسم الأغلبية” وإرادة الإبداع والعمل من داخل مربع المصلحة الوطنية، وأنها عندما تعجز عن الاستثمار في بنك الحلول وبنك التفاؤل والأمل، فإنها تغدي وتشجع ضمنيا المستثمرين في “بنك الغضب”.

تجربة “مول الحوت” تؤكد أن المجتمعات التي تعجز عن “فتح الأبواب من فوق” يفرض عليها الواقع الخضوع لـ”فتح الأبواب من تحت”

المعارك الانتخابية في المغرب رسخت وجود نواة صلبة من الأحزاب المغربية تشكل العمود الفقري للأغلبية السياسية (الأحرارالأصالة والمعاصرةالاستقلالالحركة الشعبيةالعدالة والتنميةمع تغييرات طفيفة) التي تؤثث المشهد الحكومي، ومن سلبيات استمرارية النواة الصلبة نفسها في المشهد الاغلبي والحكومي، أنها ترسخ استمرارية القوى نفسها في المناصب العليا وفي المناصب التي تشكل قلب الدولة وفي مجالس الإدارات في القطاع العام وحتى في جزء من القطاع الخاص؛ خطر هذه الاستمرارية في التجارب الدولية أثبت إمكانية تحول هؤلاء من خدمة المصلحة العامة إلى الاهتمام أكثر بالسلطة والمال.

استمرارية الأشخاص أنفسهم في احتلال مناصب قلب الدولة والمناصب العليا والتواجد في مجالس الإدارات، سواء في القطاع العام أو في جزء من القطاع الخاص، يعمل كذلك على إبقاء شبكات الزبونية نفسها وشبكات المصالح نفسها التي تتحول إلى لوبيات تخدم مصالحها ومصالح المقربين منها من خلال البحث عن المزيد من السلطة والمزيد من الثروة والمزيد من المال.

البقاء الطويل في المناصب يعمل كذلك على تعزيز وتوسيع وتنويع الحدائق الخلفية والشبكات الخلفية التي تساند هذه القوى، مما سيدفع الكاتب والصحافي والتاريخاني بيير فيانسون بونتي إلى القول: “الدولة لها حدائقها المحروسة، وشبكاتها الضمنية”، وكتب كذلك أن الدولة لها محمياتها. أما الكاتب فانسونجوبير فسيؤكد في كتابه الذي يحمل عنوان “مافيا الدولة” أن خدام الدولة وشبكاتها هم اليوم أكثر ارتباطا واهتماما بالسلطة والمال، وبالتالي لم يعد همهم الأساسي مرتبطا بتحقيق المصلحة العامة.

تغيير النواة الصلبة للأغلبية البرلمانية، من خلال المعارك الانتخابية يعمل على تغيير المناصب العليا وقلب الدولة ومجالس الإدارات وكذلك الشبكات والحدائق الخلفية المرتبطة بالأغلبيات السابقة، ويعيد عداد التجديد إلى البداية ويفتح الباب نحو العودة إلى الأساسيات ويرسخ الطريق كذلك نحو العودة إلى خدمة المصلحة العامة.

بقاء الأغلبية البرلمانية والحكومة لمدة طويلة بالوجوه نفسها والأشخاص أنفسهم والأفكار ذاتها والشبكات والحدائق الخلفية عينها قد يفتح الباب أمام تغول هذه التحالفات وهذه الشبكات وتغول المنتجين والموزعين والشناقة المرتبطين بها وتكبر الشهية للسلطة والمال والريع أكثر فأكثر ويبتعد الهدف المرتبط بخدمة المصلحة العامة (لهذ،ا فإن الديمقراطيات في حاجة دائمة إلى مرحلة الصفر وفي حاجة دائمة إلى الممسحة من خلال ترسيخ التجديد عبر المعارك الانتخابية، حتى لا تفقد المعارك الانتخابية مركزيتها في بناء الديمقراطيات).

مركزية المعارك الانتخابية تتمثل في قدرتها على ترسيخ التناوب وفرز الأغلبية الجديدة، لأن وحدها الأغلبية الجديدة قادرة على دفع المجتمع إلى العودة إلى الأساسيات وقادرة على إلغاء الحدائق الخلفية والشبكات القديمة وفرز شبكات وحدائق جديدة.

قدرة المعارك الانتخابية على فرز أغلبية جديدة ونواة صلبة سياسية جديدة تفتح الطريق نحو قدرة الدول على فتح الأبواب من الداخل (التغيير من الداخل)، وتفتح كذلك الأمل نحو إمكانية فتح الأبواب من فوق من خلال البديل التي تأتي به الأغلبية البرلمانية الجديدة والحكومة المنبثقة عنها، وكذلك من خلال السلوك الجديد للحدائق الخلفية والشبكات المرتبطة بالأغلبية الجديدة.

بقاء الأغلبية نفسها والنواة الصلبة السياسية والشبكات والحدائق الخلفية نفسها المرتبطة بالأغلبية، يغلق الباب أمام التغيير من فوق ويفتح الباب أمام التغيير من تحت، والخطورة الكبيرة لفتح الأبواب من تحت تكمن في أن هذا التغيير قد يكون سلميا أو عنيفا، وبالتالي تكون فاتورته مكلفة بالنسبة للبلد.

ونحمد الله في المغرب أن تجربة “مول الحوت” جاءت ضمن فتح الأبواب من تحت، ولكن من خلال مربع “بنك الحلول” و”بنك التفاؤل” و”بنك الأمل”، وليس مربع “بنك الغضب”.

صعود نجم المواطن دافع الضرائب و”مول الحوت”

في كتابه الذي يحمل عنوان “فرنسا الأخبار الجيدة”، يقول الكاتب ميشلكوديت إنه يهتم بالقدرات الشخصية التي تمكن من خلق الأنشطة ومن خلال الأنشطة تخلق الثروة، بعيدا عن الاتفاقات الجماعية والدعم العمومي وبعيدا عن الدولة والمال العام؛ إنها النجاحات الشخصية بعيدا عن القانون والدولة.

في تجربة “مول الحوت” نجد تجربة متقاربة مع النجاحات الشخصية التي يتحدث عنها الكتاب الفرنسي والتي اعتبرها أخبارا جيدة لفرنسا، حيث إن هذا الأخير وفي نظام ضريبي غير متغير ودون أن يطلب أي دعم من ميزانية الدولة، عمل بشكل طوعي على تخفيض هامش الربح وتكسير الاتفاقات الضمنية لبائعي السمك؛ نموذج “مول الحوت” هو نموذج للمقاول دافع الضرائب الذي يقدم خدمة للمجتمع ويقنع بربح ضئيل، ربح لا يؤثر على القدرة الشرائية للمستهلك.

ووجب التذكير بأن ارتفاع المداخيل الضريبية في سنة 2024 كان تتويجا للمواطن دافع الضرائب كبطل للسنة. ارتفاع المداخيل الضريبية، وخصوصا مداخيل الضريبة على القيمة المضافة بشقيها الداخلي والخارجي، يذكرنا كذلك بمخترع الضريبة على القيمة المضافة، وهو موريس لوري، المهندس اللامع والاقتصادي وموظف المفتشية العامة للمالية الذي ولد في مدينة مراكش (وبالتالي يعتبر مغربيا بالولادة) بتاريخ 24 نونبر 1917، والذي اخترع الضريبة على القيمة المضافة في فرنسا من خلال قانون 10 أبريل 1954، وهي أكبر ضريبة على الاستهلاك النهائي قبل أن يتم تعميمها على باقي دول العالم (حيث إن أكثر من 172 دولة تعمل بها)، وتشاء الصدف بعد واحد وسبعين سنة أن يأتي اليوم مراكشي آخر يدعى عبد الإله ليبدع هو الآخر في الرد على شبكات الجشع والتوافقات الضمنية ويفتح الباب لإمكانية تكسير الارتفاعات غير المبررة في ثمن السمك، وبالتالي يتضح الدور الكبير الذي يلعبه المواطن دافع الضرائب كذلك في ترسيخ وتحسين شروط العيش المشترك من خلال الرفع من المداخيل الضريبية.

الخلاصة

الخلاصة التي يلقنها لنا درس “مول الحوت”، هي أن المغرب بلد متنوع ومن مصلحته ألّا يكون منقسما، وبالتالي من المفروض العمل من داخل استراتيجية التوافق بين المنتجين والمستهلكين بما يخدم المصلحة العامة والعيش المشترك، وأثبتت لنا هذه التجربة كذلك أن المغاربة شعب يحبذ الاستثمار في بنك الحلول وبنك التفاؤل وبنك الأمل، وأنه لا يفضل الاستثمار في بنك الغضب، وقد يعمد إلى فتح أبواب الأمل من تحت عندما تعجز الطبقة السياسية بأغلبيتها وحكومتها عن إيجاد الحلول وتقف متفرجة وعاجزة عن الفعل.

* باحث في العلوم السياسية والمالية العامة

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *