اخبار المغرب

السعيد: زحف الذكاء الاصطناعي يهدد الديمقراطية ويغذي وباء “التضليل” الرقمي

حذر  أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة فاس، من التحديات الوجودية التي تواجه الممارسة الديمقراطية في عصر تتشابك فيه التحولات الرقمية مع الذكاء الاصطناعي، مؤكدا أن العالم يعيش مرحلة “انحدار ديمقراطي كبير” أو “تراجع ديمقراطي” مقلق يتجاوز الأزمات السياسية التقليدية. وأشار إلى أن النقاش حول علاقة الديمقراطية بالهندسة السيبرانية والذكاء الاصطناعي لم يعد ترفا فكريا، بل ضرورة لفهم مستقبل الحكم والمشاركة السياسية في ظل متغيرات تكنولوجية متسارعة تعيد تشكيل أسس المجتمعات والدول وتطرح أسئلة عميقة حول حياد الأدوات الرقمية وتأثيرها.

جاء ذلك خلال لقاء أكاديمي استضافته كلية العلوم القانونية والسياسية التابعة لجامعة الحسن الأول بسطات في إطار سلسلة “ضيف على الماستر”، التي يشرف عليها برنامج “ماستر الحكامة الأمنية والهندسة السيبرانية” تناول فيه السعيد موضوع الديمقراطية في زمن الهندسة السيبرانية والذكاء الاصطناعي.

وأضاف أنه بعد أن سادت موجة من التفاؤل في مطلع العقد الماضي حول قدرة وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية على تعزيز المشاركة والمساءلة وإسقاط الأنظمة الاستبدادية، كما لوحظ في أحداث “2011”، انقلبت الصورة اليوم بشكل كبير. فالدراسات والتقارير الدولية الحديثة، يوضح أمين السعيد، تكشف بشكل متزايد كيف أصبحت هذه الأدوات نفسها تستخدم كسلاح لتقويض الديمقراطية، وتعميق الاستقطاب، ونشر الفوضى المعلوماتية، بالتزامن مع موجة التراجع الديمقراطي التي تشهدها حتى أعرق الديمقراطيات الغربية.

وأشار الأستاذ الجامعي ذاته، في محاضرة ألقاها أمام طلبة الماستر إلى الخطر بشكل مباشر على العمليات الانتخابية، إذ إن البنية التحتية الرقمية للانتخابات، بدء من تسجيل الناخبين وصولا إلى فرز الأصوات ونشر النتائج، أصبحت عرضة لهجمات سيبرانية معقدة قد يصعب تحديد مصدرها بدقة. ويزيد من خطورة الوضع، لافتا إلى الاعتماد المتزايد على شركات تكنولوجية خاصة عملاقة، يطلق عليها أحيانا “بائعو الانتخابات”، لتأمين هذه البنية الحساسة، وهي شركات تفتقر غالبا للرقابة الكافية وتتفوق تقنيا ولوجستيا على قدرات الدولة نفسها.

ولعل التهديد الأشد فتكا الذي تواجهه الديمقراطيات اليوم هو وباء “التضليل” الرقمي، الذي يتغذى على أدوات الذكاء الاصطناعي والهندسة السيبرانية. فمن خلال الأخبار الزائفة، وتقنيات التزييف العميق (Deepfakes) التي تنتج فيديوهات أو تسجيلات صوتية مفبركة يصعب تمييزها عن الحقيقة، والحملات الممنهجة التي تديرها “الروبوتات” أو الحسابات الآلية، يتم التلاعب بالرأي العام وتشويه سمعة المرشحين وتوجيه سلوك الناخبين، مما يؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات وفي العملية الديمقراطية برمتها، وخلق بيئة معلوماتية سامة، على حد تعبير أمين السعيد.

وقال المتحدث ذاته،  إن الأنظمة السلطوية تستفيد بشكل خاص من هذه الأدوات لترسيخ هيمنتها، وقمع المعارضة، ومراقبة المواطنين، وتصدير نماذجها القمعية، متحالفة أحيانا مع شركات تكنولوجية كبرى ترى في غياب القيود الديمقراطية فرصة لتحقيق أرباح طائلة. وفي المقابل، تشهد الديمقراطيات نفسها صعودا مقلقا لليمين المتطرف والتيارات الشعبوية التي أثبتت براعة فائقة في استخدام المنصات الرقمية لتأجيج الاستقطاب، ونشر خطابات الكراهية ضد المهاجرين والأقليات، وتعبئة الأنصار عبر استغلال مشاعر الخوف والسخط، والالتفاف على النقاش العقلاني.

ويتجاوز تأثير الهندسة السيبرانية والذكاء الاصطناعي، حسب أمين السعيد، مجرد التأثير على الانتخابات، ليمتد إلى جوهر الممارسة الديمقراطية نفسها، مهددا بالدخول في مرحلة “ما بعد الديمقراطية”. في هذه المرحلة، قد تستمر الإجراءات الديمقراطية الشكلية، لكن صناعة القرار الحقيقي تنتقل إلى نخب اقتصادية وتكنولوجية ضيقة، ويتم إفراغ النقاش العام من مضمونه عبر فيض المعلومات المضللة، وتتراجع قدرة المواطنين والممثلين المنتخبين على التأثير الفعلي في السياسات العامة، مما يؤدي إلى اغتراب المواطن وتعميق أزمة التمثيل.

وختم أمين السعيد مداخلته بالتأكيد على أن مواجهة هذه التحديات المعقدة تتطلب جهودا جبارة تتجاوز الحلول التقليدية، داعيا إلى وضع ضوابط قانونية صارمة على الشركات التكنولوجية، وتعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر التضليل الرقمي، وتطوير القدرات التقنية للدفاع عن البنى التحتية الحيوية. ورغم ذلك، يبقى مستقبل الديمقراطية في العصر الرقمي محفوفا بالغموض، ويتطلب يقظة مستمرة ونقاشا مجتمعيا عميقا، خاصة في المجتمعات التي قد تفتقر لأدوات التحقق والتحصين ضد التلاعب.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *