الريسوني: منع التعدد ظلم وبيت الزوجية ليس إرثًا جديدًا.. وما يجري تحريف للشريعة والقانون (حوار)
اعتبر الفقيه المقاصدي المغربي، الدكتور أحمد الريسوني، أن بعض التعديلات المقترحة في مدونة الأسرة الجديدة المرتبقة، تشكل تحريفا للشريعة والقانون، محذرا من “الظلم وتحريم لما أحله الله”، متسائلا بالقول: “هل يريدون لمدونة الأسرة أن تصبح حقلًا جديدًا للتجارب الإفسادية على غرار التعليم؟”.
وقال الريسوني في حوار مع جريدة “العمق”، إن التعدد مثلا سيصبح ممنوعا أو شبه ممنوع، في وقت هو مباح بالقرآن والسنة والإجماع، مشيرا إلى أنه كان وما زال مع التقييد والرقابة القضائية بما يضمن العدل ويمنع الشطط في التعدد، مردفا: “لكنّ منع الحقوق الشرعية ومصادرتها دون وجود شطط أو ظلم أو تعسف من صاحب الحق، هو عين الظلم، وهو تحريم لما أحله الله”.
وبخصوص إخراج بيت الزوجية من التركة، اعتبر الريسوني أن “هذا كلام غريب ليس فيه رائحة الفقه، ولا رائحة القانون”، مضيفا أن “المساواة الحجرية منها ما هو عدل وصلاح، ومنها ما هو ظلم وفساد، ويجب أن نقيم مساواة العدل والصلاح والفطرة، دون الجري وراء سراب المناصفة والمناكفة” وفق تعبيره.
وشدد الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، على أن “الإصلاح لا يمر حتما عن طريق الظلم والفساد، للإصلاح مئات الطرق والممرات التي ليس فيها ظلهم ولا إفساد. والآن للأسف جلُّ مشاريع إصلاح التعليم تمر عبر إفساد عريض، يؤول عادة إلى الفشل، وينتهي بالإقالات ولمحاكمات. فهل نريد لإصلاح نظام الأسرة أن يكون هو أيضا حقلا آخر للتجارب الإفسادية؟”.
وأول أمس الإثنين، ترأس الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بالدار البيضاء، جلسة عمل خصصت لموضوع مراجعة مدونة الأسرة، فيما كشف كل من وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، تفاصيل المقترحات التي وافق عليها المجلس العلمي الأعلى.
والتعديلات المقترحة على عدد من القضايا المثيرة للجدل بمدونة الأسرة، على رأسها الإرث والطلاق والحضانة والتعدد وتزويج القاصرات، أثارت ردود أفعال متباينة بين مؤيد ومعارضة، في انتظار الصياغة التشريعية والقانونية للمدونة الجديدة وعرضها أمام أنظار اليرلمان.
وفيما يلي نص الحوار مع الدكتور أحمد الريسوني:
1) كيف تقيمون التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة؟
* أولا وكما قلت مرارا من قبل، فأنا أشيد بالمنهجية التشاورية والتشاركية المعتمدة في تدبير هذا الملف. وهي تكفل التمهل والتوازن، وتأتي غالبا بنتائج محمودة. ولذلك فالآن كما في التعديل السابق، نجد إيجابيات عديدة، ونجد بصمات إيجابية لإشراك المجلس العلمي الأعلى، والسلطة القضائية. ولكن أيضا يجب أن نحذر من النوايا المبيتة لدى بعض الأطراف التي لا يهمها سوى تسجيل إصابات حداثية تغريبية. فلذلك يجب أن نبقى تحت السقف المحدد ملكيا وهو: (لا أحل حراما ولا أحرم حلالا) ونبقى أوفياء لهذه القاعدة.
ولكننا للأسف رأينا أن التعدد مثلا سيصبح ممنوعا أو شبه ممنوع، بينما هو مباح بالقرآن والسنة والإجماع.
نعم كنت وما زالت مع التقييد والرقابة القضائية بما يضمن العدل ويمنع الشطط في التعدد. فالشطط في ممارسة أي حق من الحقوق ممنوع، ويوجب على ولي الأمر أن يتخذ التدابير التي تمنع الشطط والظلم والطيش في ممارسة أي حق من الحقوق. لكنّ منع الحقوق الشرعية ومصادرتها دون وجود شطط أو ظلم أو تعسف من صاحب الحق، هو عين الظلم، وهو تحريم لما أحله الله. فالتعدد مباح ولكن بما يضمن العدل ويمنع التعسف، ويضمن إيفاء كل ذي حق حقه.
2) ما هي الاعتراضات التي تسجلونها بخصوص المسائل التي تمت الموافقة عليها مبدئيا في المراجعة؟
* منها ما ذكرته عن المنع التعسفي للتعدد، ومنها إلزام الزوجة بالتصريح المسبق ساعة العقد بقبول التعدد أو رفضه، وإلزام الزوج بقبول ذلك من أول لحظة. وهذا إحراج وتوريط للطرفين وللأسرتين.
ومنها ما سمي “بحق الزوج أو الزوجة بالاحتفاظ ببيت الزوجية” عند وفاة أحدهما. وهذا كلام غريب ليس فيه رائحة الفقه، ولا رائحة القانون. فما معنى “الاحتفاظ” ببيت الزوجية؟ هل يعني التملك التلقائي له؟ هل هو إرث جديد يلغي كل إرث سواه؟ وهل هو وصية واجبة؟ أم سيحتفظ به على سبيل الكراء؟ أم المراد البقاء فيه مهلة معينة؟ وماذا لو تزوجت المرأة أو الرجل بعد وفاة الزوج الآخر؟ وماذا لو كان للمتوفى أبوان أو أبناء من غير الباقي منهما على قيد الحياة، هل يرثون شيئا من “بيت الزوجية”، وهو حلال لهم، أم أنه أصبح حراما عليهم؟
ونحن نعلم أن كثيرا من الناس يصبون كل كدهم وكفاحهم وعرق جبينهم في أمنية العمر: امتلاك بيت يبنونه، أو يشترونه ويدفعون أقساطه على مدى سنين طويلة، بمعنى أن كل تركتهم هي هذا البيت وما حوى!
3) أشرتم إلى أن التعديلات قد تدفع الشباب للعزوف عن الزواج، كيف يمكن تحقيق الإصلاح دون الإضرار بمؤسسة الزواج؟
* الإصلاح لا يمر حتما عن طريق الظلم والفساد.. للإصلاح مئات الطرق والممرات التي ليس فيها ظلهم ولا إفساد. الآن للأسف جلُّ مشاريع إصلاح التعليم تمر عبر إفساد عريض، يؤول عادة إلى الفشل، وينتهي بالإقالات ولمحاكمات. فهل نريد لإصلاح نظام الأسرة أن يكون هو أيضا حقلا آخر للتجارب الإفسادية؟
وهل مشاكل الأسرة والمرأة تكمن في مدونة الأسرة أصلا؟
وأنا أتحدى المهووسين بتعديلات مدونة الأسرة أن يأتونا بدراسة علمية محايدة واحدة تتضمن الآثار الفعلية لمدونة الأسرة، وتثبت لنا أن مشاكل الأسرة المغربية نابعة منها..
4) برأيكم، كيف يمكن معالجة ما وصفتموه بـ”التسهيلات والإغراءات لحياة العزوبة والعلاقات الحرة” دون التضييق على حقوق المرأة؟
* يكون ذلك بتسهيل الزواج والتشجيع عليه، والمساعدة المادية والأدبية على إنجاحه، ثم بسد أبواب الفساد والانحلال، وبتوفير فرص العمل والسكن لكل الشباب المتزوجين..
5) هناك من يرى أن التعديلات تهدف لتحقيق مزيد من المساواة بين الجنسين، ما تعليقكم على ذلك؟
* المساواة الحجرية منها ما هو عدل وصلاح، ومنها ما هو ظلم وفساد. يجب أن نقيم مساواة العدل والصلاح والفطرة، دون الجري وراء سراب المناصفة والمناكفة..
6) كيف يمكن ضمان حقوق المرأة دون خلق شعور بالضغط أو الظلم لدى الرجل، وفق مقاربة عادلة؟
* أولا لا ننس أن كل رجل له أمٌّ هي ست الحبايب، وله زوجة هي حبيبته وأنيسته وسنده، وله بنات وأخوات وحفيدات، وعمات وخالات. وأن كل امرأة لها أب هو عندها المثل الأعلى والرجل الأغلى، ولها زوج هو حبيبها وأنيسها وسندها، {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]. ولها أبناء هم أملها ونور بصرها، ولها أشقاء أعزاء، وأعمام وأخوال..
فالمجتمع ليس صفين متقابلين متضادين: صف رجال وصف نساء.. فالمرأة تسر وتسعد بما يسعد به أقاربها الذكور. والرجل يسعد ويسر بما يُسعد قريباته ويحقق مصالحهن وكرامتهن.
والإنصاف يرحب به الرجال والنساء، على حد سواء. والتعسف يكرهه كذلك النساء والرجال.
وتحامل النسوانيين والنسوانيات على الرجال والتحريض ضدهم، يكرهه النساء قبل الرجال، لأنه يضر بأبنائهن وبناتهن معا.
فلنراع نبض مجتمعنا ومصلحته، ونبض أبنائنا وبناتنا وأمهاتنا وآبائنا، بدل العكوف على الأصنام الإيديوليوجية المستوردة، وتقديم القرابين لها..
{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 9]
المصدر: العمق المغربي