الرهان البريطاني على المغرب.. دلالات اقتصادية واستراتيجية لدعوة الاستثمار في الأقاليم الجنوبية

تشكل دعوة النائب البريطاني السير ليام فوكس إشارة سياسية واقتصادية بارزة تعكس تحوّلا نوعيا في موقع المغرب ضمن خارطة الاهتمام الاستثماري الدولي، لاسيما في المجالات المرتبطة بالانتقال الطاقي والتكامل الإقليمي. فقد تجاوزت النظرة التقليدية إلى المملكة كوجهة للاستقرار أو التعاون الاقتصادي، لتُقدَّم اليوم كنموذج صاعد يحتضن استثمارات استراتيجية في قطاعات المستقبل، وفي مقدمتها الطاقات المتجددة والتكنولوجيا النظيفة.
وكان السير ليام فوكس، الذي ترأس أول دورة لمنتدى الطاقة النظيفة “إينوفيشن زيرو” بلندن عام 2023، قد دعا المستثمرين البريطانيين إلى استغلال فرص الاستثمار الواعدة التي يتيحها المغرب، وخاصة في أقاليمه الجنوبية. وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، على هامش دورة 2025 من المنتدى المنعقد مؤخرا في مركز “كينسينغتون أولمبيا” بلندن، شدد فوكس على أن الشركات البريطانية الباحثة عن شراكات نوعية مدعوة إلى التفاعل مع العرض المغربي، لما يتوفر عليه من فرص واعدة بفضل الموقع الاستراتيجي للمملكة وتنوع مؤهلاتها الاقتصادية.
وأكد النائب البريطاني أن المغرب لا يشكل فقط منصة جاذبة للاستثمار، بل يُعد بوابة محورية نحو غرب إفريقيا والقارة الإفريقية ككل، لافتا إلى أن الحضور المغربي هذا العام، خاصة من جهات الجنوب، يعكس صورة دينامية عن إمكانات التنمية وعائدات الاستثمار في هذه المناطق.
وفي قراءته لدلالات هذه الدعوة، أوضح الخبير الاقتصادي محمد جدري أن المغرب تربطه علاقات تجارية واقتصادية متينة مع المملكة المتحدة، في إطار شراكة رابحرابح تعود بالنفع على الطرفين. وأضاف أن من بين المشاريع الاستراتيجية البارزة التي تجمع البلدين مشروع تزويد نحو 7 ملايين أسرة بريطانية بالكهرباء النظيفة، عبر كابلات بحرية انطلاقا من المناطق الجنوبية للمملكة في اتجاه الأراضي البريطانية.
وكانت شركة الطاقة المتجددة البريطانية “إكس لينكس” قد أعلنت عن تقدم ملموس في مشروعها الرائد لإنشاء أطول خط كهربائي بحري في العالم، يربط بين المغرب والمملكة المتحدة. وقد أطلقت الشركة مؤخرا مناقصة لإجراء المسوحات الجيوفيزيائية والتقنية الضرورية على طول المسار البحري، الذي يمتد على مسافة 3800 كيلومتر، ويعتمد على التيار المستمر عالي الجهد لنقل الكهرباء المنتَجة من مجمع ضخم للطاقة الشمسية والريحية تعتزم بناءه بمنطقة كلميم.
وأشار جدري إلى أن المملكة المتحدة، منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، باتت تبحث عن شركاء اقتصاديين جدد، ويبرز المغرب في هذا السياق كخيار استراتيجي، بفضل استقراره السياسي وتطوره في مجال البنيات التحتية، التي تضاهي تلك الموجودة في العديد من الدول الأوروبية، سواء من حيث الطرق السيارة، أو الموانئ، أو المطارات، أو الشبكات السككية والخدمات اللوجستيكية.
وأضاف المتحدث في تصريح لجريدة “العمق” أن المغرب يتوفر أيضا على رأسمال بشري متميز، ويُقبل اليوم على تنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى في مجال الطاقات المتجددة، حيث يعد من الدول القليلة في العالم التي تمتلك حقولا للطاقة الشمسية والريحية في آن واحد، ما يتيح إنتاجا مستداما للطاقة النظيفة على مدار الساعة.
وأشار إلى أن المغرب يراهن كذلك على عمقه الإفريقي، سواء من خلال مشروع أنبوب الغاز القادم من نيجيريا، الذي يمر بأكثر من 12 دولة إفريقية، أو عبر الميناء الأطلسي الجاري تشييده في الداخلة، والطريق السريع الرابط بين تزنيت والداخلة، فضلا عن المبادرة الأطلسية التي ستفتح آفاقا جديدة أمام دول الساحل.
وفي هذا السياق، يضيف جدري، تأتي دعوة البرلماني البريطاني كإشارة قوية من شأنها تحفيز تدفق الاستثمارات البريطانية نحو المملكة، بما يعود بالنفع على الجانبين، من خلال تحقيق عوائد مهمة للمستثمرين، وتعزيز تمويل المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي يراهن عليها المغرب في المرحلة المقبلة.
المصدر: العمق المغربي