الرميد يكشف كواليس عرقلة تجريم الإثراء غير المشروع ويطالب بزجر انحرافات التدبير العمومي
قال وزير العدل الأسبق، مصطفى الرميد، إن مجموعة من المقتضيات القانونية التي أمر دستور 2011، بأن تتجسد في قوانين خاصة، منها المنظومة الجنائية، لم ترى للأسف الشديد ولحد الآن النور، مسجلا مشروع القانون الجنائي الذي تم إيداعه لدى البرلمان سنة 2016 عرف عرقلة ممنهجة إلى أن سحب سحبا يتجاوز كل منطق وكل معقول، وفق تعبيره.
وانطلق الرميد ضمن مداخلة له، خلال مشاركته في ندوة نظمتها الجمعية المغربية لحماية المال العام، وهيئة المحامين بفاس حول “ربط المسؤولية بالمحاسبة وتجريم الإثراء غير المشروع”، الجمعة، في سرد كواليس عرقلة تجريم الإثراء غير المشروع، حيث سجل أن هذا الموضوع عرف في البداية تحايلا يرنوا إلى أن تكون المقتضيات المتعلقة به فارغة المحتوى، مبرزا أنه بعدما تم تضمين تجريم الإثراء غير المشروع بمقتضى مشروع القانون الجنائي تم مواجهة هذا المشروع بالعرقلة ثم بعد ذلك بالسحب.
وأضاف: “لماذا أقول بأنها مرحلة تحايل، لأن المغرب صادق سنة 2007 على اتفاقية مكافحة الفساد الصادرة سنة 2003، وفي الفصل 20 يمكن أن تقرأ على أنها تعطي حق الاختيار، وأنا لا أرى ذلك، وإنما تعطي الاختيار في طريقة تجسيد تجريم الإثراء غير المشروع وليس في التجريم من عدمه، لماذا؟ لأن قراءة النص قد توحي بتلك القراءة التي قلت بأنها تعطي الاختيار ولكن التعمق يقول بأن الاختيار في الطريقة بحسب قانون كل دولة، ودستورها”.
وأردف أن المغرب في سنة 2008 أصدرت ظهار التصريح بالممتلكات، وهذا أمر جيد ورائع، وأصبح المسؤولون بمستويات مختلفة ينبغي حينما يتحملون المسؤولية العمومية أن يصرحوا بممتلكاتهم داخل 3 أشهر، وبعد 3 سنوات وحينما يغادرون داخل 3 أشهر، موضحا: “لكن لما جئنا إلى القانون الجنائي جرمنا عدم التصريح، والتصريح المزيف، أو الذي يحرف المعطيات المتعلقة بالممتلكات، ووقفنا عند هذا الحد، لم نزيد عليه”.
وزاد قائلا: “بمعنى إن كنت وزيرا أو برلمانيا أو كنت واليا أو عاملا أو كنت مسؤولا في مستويات عليا من الوظيفة العمومية أو في مستوياتها الدنيا، إذا كان القانون يوجب عليك أن تصرح فصرح، لكن ينبغي أن يكون التصريح مطابقا لواقع وحال ممتلكاتك بدون زيادة أو نقصان إذا فعلت فقد قمت بواجبك وانتهى الأمر، لكن لو أنك دخلت الى الوظيفة العمومية وتحملت المسؤولية العامة وانت في حسابك البنكي صفر درهم، وخرجت بعد 5 سنوات أو أقل بالملايير فليس هناك لا مساءلة ولا تتبع ومحاسبة اليس هذا عبث هل هذا مقبول هل هذا معقول”.
وتساءل الرميد: “هل يتصور في دولة تحترم نفسها أن يكون هذا حال تشريعها، يعاقب الناس إن لم يصرحوا ونعاقبهم إذا كانت تصريحاتهم زائفة ولا نعاقبهم إن هم دخلوا في المال العام بالطول والعرض واكتسبوا ما ساءت لهم أنفسهم وشياطينهم، أن يكتسبوه من المال العام ولا تتريب عليهم ولا تتبع ولا مساءلة”، معتبرا ذلك تحايلا لأن النص المتعلق بالتصريح بالممتلكات أفرغ من محتواه وبقي غير ذي معنى.
ومضى مستطردا: “هل بهذا سنحارب الفساد، وهل بهذا يمكن أن نقول بأن لدينا تشريع معقول ومقبول ومحترم”، مضيفا أنه لو أن المطبوع الذي يتضمن الظهائر التي تنص على التصريح بالممتلكات “مذكور فيه اسم الله تعالى لأن جميع الظهائر تفتتح بالحمد لله وحده ومختوم بالطابع الشريف لجلالة الملك الذي نحترمه ونجله ونحبه لمزقته هذه الظهائر تمزيقا ولقطعتها إربا لكي أعبر عن رفضي لهذه المنهجية التشريعية التي توجد عليها بلادنا”.
بالمقابل، قال الرميد إن هناك استثناء وحيد، وهو المتعلق بالقضاة، والذي ورد بشأنهم بالفعل ظهير للتصريح بالممتلكات وهو ظهير 201.7.1 الذي عدل والقانون المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة الذي كان صدر سنة 1974، والذي ينص على أنه يتعين على القاضي أن يصرح داخل أجل أقصاه 3 أشهر الموالية لتعيينه بمجموعة أنشطته المدرة للدخل والممتلكات التي يملكها أولاده القاصرون وزوجته وكذلك المداخيل التي استلمها إلى غير ذلك.
ثم تأتي المادة 17، يضيف المتحدث “لتقول يكلف وزير العدل بتتبع ثروة القضاة وأعضاء عائلتهم، ويحق له دائما بعد موافقة المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن يقدر ثروة القضاة بواسطة التفتيش، وبالطبع لما تحملت المسؤولية كان هناك نقاش قوي بين أعضاء المجلس هل يمكن أن نعتمد هذه المقتضيات للبحث في ثروات القضاة وكان هناك رأيان، رأي يقول نعم وآخر يقول ليس هناك نص صريح وانتصر الرأي الذي يقول ينبغي مساءلة القضاة في حالة تضخم ثرواتهم بناء على أنه هناك تصريح أو تصريحات ينبغي أن يتقدموا بها أولا”.
وشدد على أن “التصريحات لا ينبغي أن تذهب هباء، إضافة إلى أن النص يشير إلى أن ويزر العدل يتتبع، وإذا تتبع الوزير وقام بفحص الوضعية المالية لقاض ووجد أنها متضخمة بشكل غير عاد فإذا ما العمل صحيح، النص لا يشير إلا في ما ورد في الفصل 13 يحافظ القضاة في جميع الأحوال على صفات الوقار والكرامة التي تقتضيها مهامهم. وقال المجلس الأعلى للقضاء بأن من جملة ما ينبغي أن يتصف به القضاة وهم يمارسون مهامهم في إطار صفات الوقار والكرامة أن لا يغتنون اغتناء غير مشروع”.
وبالفعل، يقول وزير العدل الأسبق “طبق المجلس الأعلى للقضاء هذه المقتضيات وكان يحاسب القضاة الذين يصل إلى علمهم أن ثرواتهم تضخمت بغير مشروع على ذلك، ومن ثبت عليه ما ثبت تقرر في حقه العزل، ما عاد ذلك ليس هناك شيء طبعا، لما جاء الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، خصوصا التوصية 42 حول تتبع ومراقبة الثروات والتصريح بالممتلكات مع الأخذ بعين الاعتبار إذا اقتضى الأمر مظاهر الثراء التي لا تتناسب مع الدخل المشرزع للمعني بالأمر مع مراعاة ضمانات يحددها القانون”.
ولفت إلى أنه “عندما تم وضع القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية جاءت هناك مقتضيات واضحة وصريحة، حيث تنص المادة 107 على أنه يكلف الرئيس المنتدب بتتبع ثروة القضاة، ويحق له دائما وبعد موافقة أعضاء المجلس أن يقدر ثروة القضاة وأزواجهم وأولادهم بواسطة التفتيش، ويمكن أن يكون موضوع متابعة تأديبية كل قاض ثبتت زيادة ممتلكاته خلال فترة ممارسة مهامه زيادة ملحوظة لا يستطيع تبريرها بصورة معقولة”.
في غضون ذلك، تساءل الرميد “لماذا تكون منظومة التشريعية في هذا النشاز يا إما أن هذا المقتضى يجب أن يعمم على الجميع وإما أن يحذف، أما أن يكون خاصا بالقضاة هذا جميل ولكن ينبغي أن يتعداهم إلى غيرهم من الموظفين العموميين الذين لهم حكم القضاة بحكم ما يتحملون من مسؤوليات وأمانات”.
وسجل الرميد أنه عندما اشتغل على مشروع القانون الجنائي، أحدث مادة جديدة وهذه المادة الجديدة هي المتعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع، ليس فقط لما أشار إليه القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وهو وقانون مكمل للدستور، ويجعل من الإثراء غير المشروع مخالفة تأديبية والمخالفة هي صنو الجريمة يعني التي يعاقب عليها القانون الجنائي مع أنها ليست من صنفها.
وشدد على أنه لا قيمة لكل ما سبق إذا لم يكن هناك نص يجرم الإثراء غير المشروع، لافتا إلى أن القانون الجنائي الذي سحب من البرلمان بعض الناس يعتقدون أنه يتعلق فقط بالإثراء غير المشروع، في حين أنه يجسد جميع المقتضيات الدستورية الجديدة، وكذلك الاتفاقيات الدولية، وفيه تجريم للإبادة، والاختفاء القسري، وإخفاء المهاجرين، ويتضمن أيضا العقوبات البديلة، وإعادة تنظيم الإجهاض.
وأبرز أن “الأمور كانت عادية جدا لكن لما وصلنا إلى موضوع التعديلات هنا وقع البلوكاج وكان من بعض الفرق في المعارضة مؤازرة ببعض الفرق من الأغلبية في الولاية التشريعية 2012/2016″، موضحا أنه في الوياة التشريعية 2017/2021 والتي تناوب عليها وزيران للعدل، مع الأول تمت المناقشة وانتهت وكانت العرقلة من فرق الأغلبية والمعارضة التي تعاضدت لكي لا يتم المرور إلى الحلقة الأخيرة، والتي هي وضع التعديلات والتصويت.
وفي المرحلة الثانية للوزير الثاني، أضاف الرميد، أن وزير العدل آنذاك رفض حضور أية جلسة للمناقشة والتصويت إلا إذا اتفقت الأغلبية، كلنها لم تتفق، لأن هناك أطراف داخلها لم تكن تريد أن يمر هذا القانون، وبالتالي بقي إلى أن جاءت هذه الحكومة وتم سحب مشروع القانون برمته، مخاطبا وزير العدل عبد اللطيف وهبي: “لن يستطيع أن يأتي بمشروع قانون جديد، يعالج جميع مقتضيات القانون الجنائي، كما وعد الناس، هذه مهمة شبه مستحيلة وأتحداه”.
وتابع: “هو قال سيأتي به في أبريل 2023، واليوم مر شهر أبريل 2024، ولم يظهر وجود لهذا المشروع ولن يظهر إذا أراد معالجة جميع المقتضيات خاصة تلك تثير إشكالات ونقاشات حساسة ومجتمعية”، مضيفا أن “الضحية هو الدستور والاتفاقيات الدولية والضحية هو المال العام، لأن ناهبي المال العام ومختلسيه يعيشون الآن فترة سماح يمكن أن يفعلوا خلالها ما يشاؤون فقط ينبغي أن يكون أذكياء لكي يعرفوا كيف يقومون بالاختلاسات وبالغدر وبما يقومون به للأسف الشديد”.
المصدر: العمق المغربي