اخبار المغرب

الرباط تقطع مع ازدواجية المواقف بربط التحالفات الدولية برمال الصحراء المغربية

بات واضحا أن المغرب عمل في السنوات الأخيرة على ربط مصالح مختلف القوى الإقليمية والدولية وكذا تحالفاته الاستراتيجية والاقتصادية بمسألة سيادته المطلقة وغير القابلة للتفاوض أو التنازل على أقاليمه الجنوبية، حيث أضحى الموقف من قضية الصحراء المغربية محددا أساسيا من محددات السياسة الخارجية للمملكة ومعيارا واضحا لنسج علاقاتها الخارجية أو الاستفادة من الفرص الاقتصادية أو الاستثمارية الكبرى التي توفرها.

وقد تكرس هذا التوجه المغربي بشكل جلي في السياسة الخارجية للبلاد منذ عودتها إلى الاتحاد الإفريقي في سنة 2017، ليثمر بعدها مجموعة من المواقف الدولية غير المسبوقة في تاريخ الصراع المفتعل حول الصحراء المغربية لصالح الطرح المغربي لحل هذا النزاع، أهمها الموقفان الأمريكي والإسباني، ليتكرس هذا التوجه مع تأكيد المؤسسة الملكية عليه، حيث اعتبر العاهل المغربي في خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، بتاريخ 20 غشت 2022، أن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.

ويبدو أن عددا من الدول التقطت هذه الرسالة وفهمت أن بناء أي علاقات مع المغرب إن كان على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو حتى الأمني، لا يمكن أن يتم بمعزل عن هذه القضية المركزية بالنسبة للمغاربة، وأضحت معه حتى الدول التي كانت محسوبة على المعسكر المعادي الذي تقوده الجزائر، أو تحسب ضمن دائرة شركائها الموثوقين على غرار روسيا والصين، تتبنى مواقف تتجه أكثر فأكثر نحو الاتزان والحياد الإيجابي في هذا الملف بما يضمن مصالحها الاستراتيجية في إفريقيا التي لا بد لها من المرور عبر بوابة الصحراء المغربية.

مبادئ ثابتة وعقيدة مركزية

هشام معتضد، خبير في الشؤون الاستراتيجية، قال إن “المغرب يعتمد على مبادئ وقيم ثابتة كمحددات لسياسته الخارجية، ومسألة السيادة تعد عقيدة مركزية في بناء التحالفات الاستراتيجية للمغرب ونسج هيكلته الدولية في مختلف القطاعات الحيوية التي تحفظ مصالحه القومية”، مسجلا أن “التأكيد على بند السيادة الكاملة للمغرب على كافة أقاليمه كركن من أركان التعاون الدولي أو التكامل الاقتصادي والتحالف الاستراتيجي مع فضائه الإقليمي والعالمي، أكد للمنتظم الدولي توجه الرباط السياسي وسهولة الفهم الثقافي للدبلوماسية المغربية لدى العديد من الشركاء الدوليين الذين يودون الاستفادة من المنصة المغربية من أجل الدفع باستثمارهم فوق تراب السيادة المغربية”.

وأوضح معتضد أن “الخطاب الدبلوماسي المغربي يعتمد على الوضوح والصراحة والمسؤولية السياسية. وبالتالي، فالتأكيد على مبدأ احترام السيادة كمفتاح أولي لبناء أي تفاعل مع الرباط، المُراد منها القطع النهائي مع أي خطابات تضليلية يتم ترويجها حول الوحدة الترابية للمغرب واعتماد الجدية كمؤشر استراتيجي لخلق فضاء مبني على أسس يحترم التوجهات السيادية والوطنية”.

في السياق ذاته، لفت الخبير الاستراتيجي إلى أن “الاعتماد على احترام السيادة كعقيدة دبلوماسية في الفكر السياسي المغربي ليست وليدة الثقافة المغربية المعاصرة، وإنما كانت دائما تعتبر مكونا من مكونات تواجد المجتمع والأمة المغربية تم اعتماده كمؤشر لبناء مختلف المبادلات السياسية والاقتصادية مع محيطها الإقليمي والدولي منذ بناء الدولة بمفهومها المعاصر”.

وخلص معتضد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “هذا التوجه المغربي بالتمسك بالسيادة كورقة مرور للدخول مع المغرب في مختلف أنواع التفاعلات البَنَّاءة، يعبر عن تمسك الرباط بعمق تاريخها السيادي ودفاع القيادة في المغرب عن أمنها القومي، وهو تعبير جدي عن استعداد المغاربة للدفاع عن حوزة ترابهم وفق العدالة التاريخية والحقوق الجغرافية”.

قضية متجذرة وفضاءات جديدة

من جانبه، أشار إدريس قسيم، باحث في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، إلى أن “قضية الصحراء باتت تمثل القضية الأساسية للمغرب ومحور اهتمام سياسته الخارجية، بل إنها تتجاوز كونها ملفا ضمن ملفات السياسة الخارجية بالمعنى الدقيق للكلمة”.

وقال قسيم، في تصريح لهسبريس، إن “قضية الوحدة الترابية أضحت قضية متجذرة في الثقافة السياسية المغربية داخليا وخارجيا، ذلك أنها سمحت بتشكيل عقيدة السياسة الخارجية المغربية وفق منظور مستند إلى الهوية الوطنية، وذلك من منطلق أن بناء الهوية الوطنية عبر بوابة السياسة الخارجية يمر عبر خلق تمثلات للذات وللآخر، ومن خلال تحديد اختلافات وتمييزات واضحة بين الاثنين”.

وأضاف أن “قضية الصحراء هيمنت بشكل مطلق على أجندة السياسة الخارجية المغربية، وظلت باستمرار حاضرة في خلفية علاقاته الخارجية. وعلاوة على ذلك، فإن دعم مختلف الفاعلين الدوليين للمواقف وللرؤية المغربية لهذا النزاع، يعتبر شرطا ضروريا وكافيا لإقامة علاقات جيدة مع الرباط”.

وخلص الباحث في السياسية الخارجية والعلاقات الدولية إلى أنه “إذا كان نمط العلاقات والتحالفات التقليدية للمغرب ينضبطإلى حد بعيدلدرجة خدمتها للمصالح المغربية فيما يتعلق بقضية الصحراء، فإن التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية المغربية لا تنفك تستند إلى البحث عن مجالات وفضاءات جديدة للترويج للمواقف المغربية من جهة، ومحاولة الحصول على دعم لوجهة النظر المغربية من جهة أخرى، حيث يُسجل في هذا الإطار اعتماد السياسة الخارجية المغربية على استراتيجية تنويع ارتباطاتها وتحالفاتها”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *