اخبار المغرب

الراحل عباس الجراري علّامة مجدد و”عميد الأدب المغربي” باستحقاق

قال سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق، إن الراحل عباس الجراري “استحق وصف “العلّامة” بمائة مؤلَّف عددا، ومن حيث العمق والجودة والجدة والتجديد، فإن أستاذنا بز وسبق فيه غيره”، كما أن “إطلاق لقب عميد الأدب المغربي عليه، لو بحث فيه الباحثون ونقب فيه المنقبون لوجدوا فيه أكثر من عشرين وجها وسببا لهذا الاستحقاق”.

جاء هذا في ندوة تأبينية للفقيد، الذي أسّس بالجامعة المغربية درسَ الأدب المغربي، وقاد جهود حفظ الأدب المغربي والأندلسي أيضا مع الراحل محمد بنشريفة، بمعناه الواسع الشامل للعطاء الفكري والشعري والعلمي، بما في ذلك الأدب الشعبي. وهو موعد نظّمه، مساء الجمعة، بشراكة مع المكتبة الوطنية للمملكة، أعرق ناد ثقافي مغربي هو “النادي الجراري”، الذي كان يقوده الأكاديمي والمستشار الملكي وعضو أكاديمية المملكة المغربية الراحل.

وذكر العثماني، الفقيه والطبيب النفساني الذي كان بدوره من حضور ومحاضري النادي المذكور، أن الجراري كان “العالم الفقيه، والمثقف الحصيف، والداعية المخلص، والخطيب الموفق، والأديب الرصين، والمعلم المربي، والأديب المبدع، والمؤرخ المدقق، والمؤلف المكثر، وباختصار: العلم الذي اجتمع فيه ما تفرق في غيره”.

وتابع قائلا: “أطلق عليه النقاد لقب عميد الأدب المغربي الذي يستحقه فعلا، فبحوثه غزيرة ومتنوعة في إحياء الأدب المغربي منذ أطروحته “القْصيدة.. الزجل في المغرب”، مع مؤلفات مركزة على فن من الأدب المغربي ظل ضعيفا ومحدودا هو الملحون، بأعمال عديدة، من بينها “معجم المصطلحات الفنية للملحون” (…) فضلا عن إشرافه على “موسوعة الملحون”، وهي غزارة لا تعطى لأي أحد”.

وأضاف أن من مؤلفات الفقيد البارزة “الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه”، الذي قدّر أنه صنو “النبوغ المغربي” للفقيه ومؤرخ الأدب المغربي عبد الله كنون.

رئيس الحكومة السابق، الذي استهل نعيه للفقيد بأبيات: “ما مات من زرع الفضائل في الورى/ بل عاش عمرا ثانيا تحت الثرى.. فالذكر يحيي ميتا/ ولربما مات الذي ما زال يسمع أو يرى”، قال إن “عزاءنا أنه ترك علما وفكرا وذكرا طيبا وسيرة حسنة، وهذا كله يجعل الميت كأنه حي، وهذه هي الحياة الحقيقية”، بعدما “ندب حياته (الدنيا) للعلم والأدب والدين وبثِّ كل ذلك في الناس”.

واستطرد قائلا: “لقد فقدنا قامة علمية فذّة ورمزا من رموز الأدب والثقافة المغربيين. كان رجلا ألمعيا لمع نجمه في العديد من ميادين العطاء النافع (…) كان أستاذنا سباقا ورياديا في الاهتمام بالأدب الشعبي المغربي، والتراث الموسيقي المغربي والأندلسي، وهو أول من فتح في الجامعة المغربية خلال السبعينيات باب تسجيل البحوث للطلبة الراغبين في البحث في حقل الأدب المغربي والشعر الأمازيغي، وهذا ما يحسب له في وقت لم يكن يتحدث عن الأمازيغية والأمازيغيين أحد كما اليوم”.

واستعاد العثماني صلته القديمة بالعلَم الراحل “نظرا لاهتمام والده العلّامة عبد الله الجراري بشعر عمي محمد العثماني، ومنه قصيدة “أين اللواء” في عهد الحماية”، كما “أشرف أستاذنا عباس الجراري على أطروحة حول شعر محمد العثماني للطالب إبراهيم إدمنصور، وصحح معه العم شعره قبل وفاته بأسابيع قليلة سنة 1996، وهذه منقبة أخرى للأستاذ؛ فحوالي 50 بالمائة من الشعر المنشور بهذه الأطروحة انتشل انتشالا من خطر الضياع، ولم ينشر في مكان آخر قبل ذلك، وهذه خدمة أخرى أسداها أستاذنا للأدب المغربي”.

هذا المثال يدل، وفق الشاهد، على أثر الجراري في حفظ الأدب المغربي “جمعا وتوثيقا وتدوينا، عبر عشرات الرسائل التي أشرف عليها وأطرها، ولولا التنقيب عنها وجمعها لضاعت بعد وفاة أصحابها”.

وتذكر العثماني حضوره “النادي الجراري” عدة مرات، قائلا: “كان محفلا علميا متنوعا، ولعله أقدم ناد ثقافي بالمغرب، فعمره 94 سنة، ومن وفاء أستاذنا لوالده العمل على استكمال مشروعه العلمي والثقافي (الذي أسّسه سنة 1930)، في عالَم اتجه الناس أكثر إلى الماديات والتنافس فيها، وانصرفوا عن المعنويات، والثقافة منها”.


كما استحضر “أمسيات رمضانية منتظمة في بيت رشيد الرينكة، رحمة الله عليه، بسلا، كان يحضر فيها أستاذنا عباس الجراري، وكان يحث فيها على الخير والصالحات”.

وعبر هذه المحطات، شهد العثماني على ما لمسه في الفقيد من “أخلاق رفيعة، وجم تواضع، وسهولة معشر، وهدوء طبع، وسمح معاملة”. وأردف قائلا: “أستاذنا كان أكثر الناس صدَقة لملازمته التبسّم الذي كان على محياه على الدوام، ولا تسمع منه إلا الكلمة الطيبة، فكان يقول الخير ويسكت عن غيره”.

وقدّر المتدخل أن المسؤوليات المتنوعة التي تقلّدها الفقيد كان مفتاحها “خلق الحكمة، والتفهم، وروح المسؤولية، والحس الوطني الراقي والعالي” الذي تحلّى به، وهو أيضا مفتاح “مكانته الفريدة في قلوب محبيه وتلامذته”، بفضل “صفات إنسانية ودينية رفيعة تنبع من الجذور، وترتكز على القيم والخصال والمواقف”.

وختم العثماني كلمته الناعية للعميد عباس الجراري بالقول إن تذكّر مثل هذا العلامة “ليس وفاء للشخص وللوطن فحسب، ولكنه أيضا درس للمستقبل، للأجيال الصاعدة، وشحذ للهمم في زمن طغت فيه المقاييس المادية لتقييم الأشخاص بدل العلم والدين والأدب والوطنية”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *