اخبار المغرب

الذكاء الاصطناعي يقوض معركة النضال الديمقراطي والسخاء الاجتماعي خيار مكلف

كشف أستاذ الجغرافيا السياسية، مصطفى يحياوي، عن أسباب تراجع منسوب النقاش السياسي في المغرب مقابل ارتفاع منسوب الخطاب الشعبوي، محذرا من مخاطر التي تهدد معركة النضال الديمقراطي في المغرب وعلى رأسها التحديات التي بات يفرضها الذكاء الاصطناعي.

وقال يحياوي تعليقا على ما تضمنه المؤلف الجديد للأكاديمي والروائي المغربي حسن أوريد، “إغراء الشعبوية في العالم العربي الاستعباد الطوعي الجديد”، (قال) إننا نعيش تدبيرا سياسيا للمرحلة عالي المخاطر لن تنفع معه على المدى البعيد الحلول الظرفية التي يوجدها عادة أصحاب القرار ذوو خبرة التدبير القائم على توليد النتائج عبر خفة برمجيات الذكاء الاصطناعي.

وأوضح يحياوي أن أهم ما يستشف من مؤلف الأستاذ حسن أوريد على سبيل التأويل، هو أننا نعيش بطريقة أو بأخرى لحظة يتمازج فيها أمل الانتقال الديمقراطي مع العقد الهوبسي “الأمن أولا وأخيرا”. ولعل ذلك ما يبرر اللجوء إلى ممارسة سلطوية مسنودة إلى الشعبوية تشرعن التراجع على مسارات الديمقراطية في الدول التي عاشت ثورات الربيع العربي.

وأضاف: “في اعتقادي، هذا التحليل يقودنا إلى فهم معللات التردد السياسي السائد في مجمل الدول العربية والذي لم تستوف فيه معركة النضال الديمقراطي شروط النجاح… بمعنى آخر، لقد تولدت لدى عامة الناس قناعة عدم جدوى أن نعيش ‘ربيعا سياسيا’ غير قادر على تأمين القوت اليومي للبسطاء”.

بالمحصلة، يرى الأستاذ الجامعي ذاته، نحن نعيش حالة ترقب تسودها حيرة الخروج من عقد اجتماعي مبني على الدولة القوية إلى عقد اجتماعي مبني على المواطنة مدخلا ومخرجا لدولة جامعة حاضنة حيث الديمقراطية ليست تسمية بالسلب، وإنما مساحات ممارسة الحرية المتغذية بقواعد التنشىئة والترويض الاجتماعيين على مواطنة تكون فيها للسلطة دلالة مشروطة بالسيادة الشعبية.

وتعليقا على الرتابة التي يعيشها النقاش العمومي المغربي في الوقت الراهن، قال يحياوي: “لكي لا نعاكس الواقع الذي أفرزته انتخابات 8 شتنبر 2021 بحجة أنه غير مفهوم ولا يعكس الحقيقة السياسية لما آلت إليه إصلاحات الخريطة الانتخابية خلال العشرية الثانية من القرن 21، علينا أن نضيف إلى مصفوفة القراءة السياسية للتحولات القيمية للمجتمع المغربي عنصرين أو مؤشرين جديدين تم إهمالهما في فهم متغيرات العرض الدستوري لـ2011.

وتابع: “أولا لا دولة قوية بدون نجاعة اجتماعية؛ وثانيا لا نجاعة اجتماعية بدون كلفة حقوقية محكومة برضا المرتفق على العرض العمومي”. وأضاف قائلا: “والحقيقة، إذا ما ربطنا سببيا بين هذين العنصرين وبين الديمقراطية التشاركية والمواطنة بوصفها ركنا من الأركان الأربعة للنظام الدستوري الجديد، سنكون أمام براديغم جديد في فهم العلاقة بين الفرد والمؤسسة الحاضنة. محصلتها لا قيمة للسياسي بدون تأمين الحاجة، كما لا جدوى للديمقراطية بدون تلك الحاجة. وهنا الحاجة ذات مكنون متعدد الأبعاد: فهي من جهة الحاجة إلى الإحساس بالأمان حيث مصلحة الأنا الآن وليس غدا، ومن جهة أخرى هي العائد للاستثمار في الحياة العامة بسلوك يقدر على السلم الاجتماعي والأمن المجتمعي المفضيين إلى استقرار مصالح وهبات ووجهات المؤسسات”.

ولفت إلى أن “المغربي اليوم غير مبال بأن الزعيم لم يعد هو من يملك الخطاب المحمس للهمم، وإنما أصبح المدبر القادر على أن يرسم لنفسه صورة السياسي المخل بأدبيات المذاهب الإيديولوجية بداعي أن صنعة الخطاب تأتي لاحقا بعد العمل. الزعيم من يستطيع أن يقنع المواطن العادي بعدم فائدة البحث عن متنفس اجتماعي سياسي جماهيري. الحلقة التي تدور عليها السياسة اليوم لا تكترث بالتنظيم الحزبي أو حتى النقابي الحي، لأن الدافع للتنظيم لم يعد مقنعا”.

وزاد أيضا: “نحن محكومون بهشاشة سياسية معللة بالنجاعة الاجتماعيّة الحاملة لمخاطر عالية الكلفة على المدى البعيد. إذ الوفاء بالسخاء الاجتماعي خيار مربح على مستوى السلم الاجتماعي، ولكنه عالي الكلفة على مستوى متطلبات اشتراطات تأمين المكاسب من إملاق فقدان الثقة”.

وأوضح أن مبعث التخوف من الكلفة العالية تؤكده حصائل البرامج الاجتماعية خلال العشرين سنة الأخيرة في مختلف القطاعات المرتبطة بمحاربة الفقر والبطالة والتفاوتات الاجتماعية والمجالية وضعف مردودية القطاعات الأساسية خاصة التعليم والصحة. فالعيب البنيوي الذي اتفقت عليه مجمل التقارير الدولية والوطنية أن الإدارة العمومية والسياسات الاجتماعية المتعاقبة غير قادرة على تأمين خطط للتتبع والتقييم وتثمين اطراد إيقاعات تدارك العجز وكفايتها على مستوى إشباع الحاجة الاجتماعية، إن على مستوى الإنصاف، وإن على مستوى إنتاج الثروة.

وخلص إلى أن جزءا من هذا الخصاص يحمل على عدم توفر الإرادة السياسية الكافية لتصفية التركة المتراكمة للعجز الاجتماعي، والجزء الثاني يقدر على افتقاد النخب التقنوقراطية الرغبة في إعمال مراجعات عميقة لمناهج وهندسات التدبير المالي والمسطري التقني للسياسات والبرامج الاجتماعية. أما الجزء الثالث، فيرتبط بفعالية وديمومة آليات العمل في جغرافيات القرب الاجتماعي من جهة، ونجاعة الاستهداف الموضوعي للحاجات الاجتماعية الحقيقية بسبب ضعف الحكامة الترابية وانعدام الانسجام والالتقائية بين مختلف برامج التنمية الترابية والبرامج القطاعية من جهة أخرى، وفق تعبير الجامعي ذاته.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *