تمهيد:
لقد تغيرت قواعد الصراع في هذا العصر، ولم تعد قوة العضلات لها الأسبقية، نقف الآن على أعتاب صراع الأدمغة في حروب إلكترونية، يلعب فيها الذكاء الرقمي مستقبلا الدور الحاسم،
الحرب اليوم على دين الإسلام أصبحت أكثر تطورا، ولم تعد بشكل مباشر و بليد كما كانت فيما مضى، حيث شنت الكنيسة حروبا شعواء على المسلمين في ما سمي بـ( الحروب الصليبية)، وفي بداية القرن الماضي و تحديدا مع نجاح الثورة الشيوعية، حيث كان الدين بشكل عام هدفا للتدمير، و بالخصوص دين الإسلام الذي اتهم بعرقلة التقدم “العلمي” …، نموذج علمانية متطرفة في دولة الخلافة العثمانية، يقودها البليد (كمال اتاتورك) و قلده الكثير من حكام العرب، خاصة القوميون من التيار ( الماركسي اللينيني)،
وفي تسعينات القرن الماضي كانت صور اضطهاد المسلمين واضحة، و بالألوان حيث تفنن الشوعين في البوسنة والهرسك، في ذبح علماء الإسلام وأئمة المساجد وحرق كتبهم وهدم مساجدهم، أما الحرب غير المباشرة فكانت بواسطة مفكرين و أدباء علمانيين ملاحدة، طعنوا في القرآن والسنة وهم على نهج أسلافهم من المستشرقين النصارى، وآخر صيحة تشكيك في هذا الاتجاه التخريبي، هي ظهور”قرآن” جديد تحت إسم ( قرآن بورغواطة )، الذي نزل على الشيخ “بو زرواطة” وفي رواية أخرى” بو خباطة”، يحدث هذا في بوابة الغرب الإسلامي المغرب، فإذا كان مسيلمة الكذاب ادعى النبوة في عهد محمد صلى الله عليه وسلم، وجاء بـ”قرآن” جديد في المقابل ظهر عندنا في المغرب ما سمي بـ (قرآن بورغواطة)، وهذه فقط البداية فأنا أنتظر مؤلفات جديدة في هذا المجال، لأن المادة المنشطة متوفرة ولله الحمد، وخاصة بعد تقنين القنب الهندي، حيث تبقى مسألة تأليف “قرآن” جديد، رهينة بتوفير مادة ( الكيف) من النوع الجيد، ثم الإكثار من الشقوفا (لمدرحين) على الريق فقط، مثلا فقد يظهر قريبا “قرآن” ( بوخرباقة ) و يليه “قرآن ” ( بو سنطيحة و هلم جرا …)،
_ الحرب الرقمية على الإسلام انطلقت يا بالمعطي :
يا أيها العلماء الأفاضل لقد تغير الزمان بشكل كبير، تحرروا من جلابيبكم و جباتكم و سلاهمكم و عمائمكم فإنها معيقة للحركة..!!، و انطلقوا يرحمكم الله إلى تجمعات الجماهير في كل الساحات، اقتحموا الملاعب و المسارح ودور الشباب والسينما والمقاهي و الأسواق و المخيمات، و ادخلوا عليهم باب الذكاء الرقمي فإذا دخلتم فأنتم الغالبون، لقد كان الفقيه العالم المناضل عبد الباري الزمزمي رحمه الله، موفقا عندما استبق حرب” الفتوى ” و أنشأ موقع(فقه النوازل)، قبل دخول شيخ الفتوى الرقمية العلامة ( أبو الذكاء الاصطناعي ) على خط الإفتاء، لكن بدل أن يلقى تشجيعا من القيمين على الشأن الديني، تمت محاربته بطرق مباشرة وغير مباشرة لتبقى الفتوى مركزية، في أيادي أمينة تعض عليها السلطات بالنواجذ، وذلك كما يقولون : حفاظا على ( بيضة ) الإسلام خوفا عليه من بعبع الفتن، واليوم مع الأسف يتم تكرار الخطأ نفسه بـ ( تأميم ) خطبة الجمعة، وجعلها موحدة مركزية خوفا من الفتنة وكما هي العادة دائما حفاظا على”بيضة” الإسلام، استفيقوا يرحمكم الله الإسلام ليس “دجاجة ” تبيض، إنه “ديك” بلدي أصيل يا بالمعطي..!!، لقد تجاوزكم الشيخ ( أبو الذكاء الاصطناعي ) بسنوات ضوئية…
_ الشيخ أبو “الذكاء الاصطناعي” يسجل النقاط :
إن عقلية جلوس العالم في صومعته العاجية، وانتظار الناس كي تطرق بابه طلبا لما عنده من علم غزير خطأ فادح، و هذه العقلية أصبحت اليوم متجاوزة وغير صالحة، يحكى أن الخليفة هارون الرشيد طلب من الإمام مالك، أن يأتيه إلى القصر كي يحدث بما فتح الله عليه من علم في كتاب “الموطأ”، فكان جواب الإمام رحمه الله : ( “العِلم يُؤتَى ولا يأتي”.. )، على الفقيه أن يغادر كرسي الإفتاء الثابت، و يتحرك فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا )، وهذه دعوة لتكون الأرض كلها مكان لنشر هذا الدين، كما هي الصلاة و تبعا لذلك التدافع يشمل الأرض كلها، بدل التمترس في المساجد وانتظار زبناء الفتوى أن يأتوا طائعين، انظروا إلى تصرفات الشيخ ( أبو الذكاء الاصطناعي ) وطرق اشتغاله، إن خطورته تكمن في سلاسة التواصل معه و قربه من الناس، لا يحتاج طالب الفتوى منه إلا أن يدنو من”الأيفون”، وكأنه يريد تقبيله و يهمس له بلطف أريد حكم فعل كذا وكذا..، ثم يجيب العلامة أبو ( الذكاء الأيفوني ) بكل رفق و أدب، وبكل اللغات وفي أي وقت ليل نهار لا يغضب من كثرة السؤال، لا يتردد مهما كان السؤال محرجا وفي كل المواضيع، نماذج من تعامله مع من يسأل : تفضل”صديقي” ثم يجيب ( هذا حلال لا شيء عليك..!!)، تفضلي أختي الكريمة ثم يجيب ( إنه أمر مباح لا ذنب فيه..!!)، الخطير في الأمر أن نصل إلى درجة الإدمان على طرق بابه في كل صغيرة وكبيرة، وربما بعد عقد أو عقدين قد يكسب ثقة الشباب، حيث يمكنه أنا ذاك انتزاع حق الإفتاء من العلماء الرسميين و المستقلين معا، إن التحدي كبير و المعركة لازالت في بدايتها و يمكن تصحيح الوضع، لهذا يجب على الدولة تحرير المنابر، و خطبة الجمعة بالخصوص من البيروقراطية القاتلة، ومنح مزيد من الحرية والاستقلالية للعلماء المجتهدين، ليلامسوا هموم المواطنين و الإقتراب منهم أكثر، من أجل قطع الطريق على فتنة فتاوي الشيخ ( أبو الذكاء الأيفوني )، و الدخول معه على خط المنافسة الشرسة بشكل جدي، لن ينفع تحذير الفقهاء للشباب بـ( تحريم ) طلب الفتوى منه، لأنه ببساطة أكثر تطورا من الفقهاء الرسميين و التقليديين، لن يدخل معك في نقاش حياتك الخاصة و تفاصيلها، فهو لن يسألك مثلا هل أنت على وضوء ..؟ هل تصلي..؟ بل حتى السؤال التقليدي هل أنت مسلم لا يطرحه، فقط يجيبك على قدر سؤالك بينك وبينه كأنه صديق حميم… ( والله يا بالمعطي إلى هاد الذكاء الإصطناعي، ارفع السقف على الفقهاء، مسخوط الوالدين صافي..!! )، إن الأمر جد وهذا تحذير : _ إذا استمرت الوزارة المكلفة بالشأن الديني، في نهجها بحصار العلماء والأئمة المستقلين، و اعتبارهم مجرد ( خوارج ) فإن فتاوي الشيخ أبو “الذكاء الإصطناعي”، ستحدث كوارث في المستقبل المتوسط و البعيد…
_ خلاصة :
الدين الوحيد الذي يواجه الهيمنة و العولمة اليوم، هو الإسلام لهذا ليس مستغربا أن يتلقى المسلمين ضربات مباشرة، في غزة و لبنان و سوريا و اليمن… مع إشعال حروب طائفية و أهلية في السودان، وأخرى غير مباشرة تستهدف دين الإسلام في حد ذاته، هناك مصاحف مزورة مع فتاوي الشيخ أبو الذكاء”الأيفوني”، ثم تشجيع دين ( الإبراهمية) وقد يتبعه دين ( الحمدوشية) و دين ( لالة عيشة البحرية)، وكذلك هناك دعم قوي لموجة الإلحاد عند الشباب، الذين أصبحوا يعتبرون الفقيه التقليدي مجرد قفل مغلق، لا تسمع منه إلا كلمات : ( لا يجوز _ لا ينبغي _ مكروه _ غير مقبول _ حرام..)، بينما يجدون الصدر الرحب و الحنون عند الشيخ أبو الذكاء الاصطناعي، يعطيهم الوقت الكافي والاهتمام البالغ، يستمع لمشاكلهم و يمدهم بالحل و الجواب الشافي، لا تسمع منه إلا كلمات لطيفة متسامحة مثل : ( يجوز _ مباح ممكن _ مسموح به _ لا بأس من فعل كذا _ لا مشكل إن لم تفعل كذا_ لا ذنب في فعل كذا. سير على الله أرݣب أرݣب…)، إن الصورة التي ارتسمت في دهن الشباب عن الذكاء الإصطناعي، وعن الفقهاء هي أن هؤلاء الأخيرين مجرد ضوء أحمر، في المقابل الذكاء”الأيفوني” هو ضوء أخضر يسمح بالمرور، لقد ضاع الشباب المغربي إذن بين متشدد منفر، و مفرط متساهل بلا حدود ولا قيود، وهكذا بدأ الشباب ينسلخ شيأ فشيأ و يبتعد عن دين الإسلام، وهذه مسؤولية يتحملها الجميع كل حسب موقعه، طبعا المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الوزارة المكلفة بالشأن الديني، و المجالس العلمية التابعة لها بمختلف الدرجات و الرتب…
المصدر: العمق المغربي
