منذ أن أطلق الملك محمد السادس الورش الوطني لبناء الدولة الاجتماعية، أصبح المشروع واحدا من أبرز ملامح السياسات العمومية في المملكة، حيث ارتبط مباشرة بتوسيع التغطية الصحية، وتعميم الدعم الاجتماعي، وتحقيق العدالة المجالية، وتثبيت كرامة المواطن المغربي في صلب السياسات العمومية.

غير أن هذا الورش الاستراتيجي الذي رُسمت له أهداف واضحة ضمن الخطب الملكية، والمسنود بأجندة زمنية محددة، يواجه في تنزيله العملي تحديات عميقة، بعضها ظرفي والآخر هيكلي، تبدأ من صعوبات التمويل ولا تنتهي عند عوائق الحوكمة والبيروقراطية.

في تقييمه لما تحقق، أوضح الباحث في القانون العام والعلوم السياسية عبد الرفيع زعنون أن المغرب “تمكن من إرساء الدعامات الأساسية لمنظومة الحماية الاجتماعية على نحو يكاد يجعل نموذجه متفردا في المنطقة العربية”، مستشهدا بإحداث السجل الاجتماعي الموحد وتقدم مؤشرات التغطية الصحية للأشخاص غير القادرين على دفع الاشتراكات، غير أن هذا التقدم، بحسبه، ما زال يواجه “مطبات تحد من فعاليته وشموليته”، سواء تعلق الأمر بمرحلة الانتقال من الدعم السلعي إلى الدعم النقدي المباشر، أو بالتحول من نظام “راميد” إلى “أمو تضامن”.

وأكد زعنون في تصريح لجريدة “العمق”، أن “الخطب الملكية حددت الخطوط العريضة لرهانات الدولة الاجتماعية ولشروط تحقيقها”، لافتا إلى أن المرحلة الأولى شهدت صياغة الإطار القانوني، وعلى رأسه القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، ما أسس فعليا لتوجه استراتيجي واضح المعالم، مشيرا إلى أن النصوص التنظيمية اللاحقة “عرفت اقترابا نسبيا من الإطار المعياري الدولي”، خاصة من حيث ملاءمتها مع توصيات منظمة العمل الدولية، وهو ما يُحسب للمشرع المغربي.

ومن بين التحديات البارزة التي أشار إليها زعنون، “صعوبات التحكم في الحوكمة الرقمية لمنظومة الحماية الاجتماعية”، خاصة في ظل ما وصفه بـ”الإقصاء الحاصل لعدة أسر هشة من التحويلات المستهدفة والتأمين الاجتماعي نتيجة أخطاء المعالجة الإلكترونية”.

وعن سؤال الإكراهات المالية والبيروقراطية، أوضح أن “المخصصات المالية لبرامج المساعدة والحماية تظل مهمة لكنها لا تتساوق مع الأهداف المعلنة”، مشددا على أنها “غير كافية لتدارك الخصاص المتراكم”، منبها إلى ضرورة “تحصين الاستدامة المالية للبرامج الاجتماعية من خلال إصلاح التمويل الجبائي وجعله أكثر عدالة وفعالية”، مع سنّ ضمانات تضمن أن الأموال الناتجة عن رفع الدعم عن المواد الطاقية تُوظف فعلا لتوسيع قاعدة التدخل الاجتماعي.

وفي السياق الإداري، دعا الباحث في القانون العام والعلوم السياسية إلى “تعزيز حكامة الفعل الاجتماعي للدولة وجعله أكثر تخصصا واحترافية”، عبر “توفير الشروط المؤسساتية لفعالية دور وكالة الدعم الاجتماعي والوكالة الوطنية للسجلات”، مع التركيز على المقاربة الترابية في التنزيل العملي للاستحقاقات الاجتماعية.

وحول تحقيق التوازن بين الطموحات الاجتماعية والإمكانيات المالية والبشرية المتاحة، اعتبر أن هذا التوازن “هو المحك الأساسي للدولة الاجتماعية”، مؤكدا أن المؤشرات الكمية يجب أن تعكس “فعلية التمتع بالحقوق الاجتماعية”، وعلى رأسها الحق في الصحة.، محذرا من تكرار سيناريوهات شهدتها دول عربية كالأردن ومصر، التي حققت نسب تغطية صحية مرتفعة، لكن دون أثر إيجابي على نفقات الأسر التي تضاعفت بدل أن تنخفض.

ويظل ضمان فعالية الورش رهين، وفق زعنون، بالمرور حتما عبر “ضخ التمويلات اللازمة لتعزيز جاذبية القطاع الصحي العمومي”، وذلك من خلال تقوية بنيات الاستقبال وتوسيع الطاقة الاستيعابية، وتعميم مؤسسات الرعاية الصحية الأولية، وتوفير المعدات والتجهيزات، إلى جانب “الاهتمام بالموارد البشرية” عبر التحفيز والتأهيل والتكوين المستمر.

ورغم الجهود المؤسسية المبذولة، يظل ورش الدولة الاجتماعية في المغرب، كما يؤكد الباحث في القانون العام والعلوم السياسية، مشروعا ملكيا مفتوحا في المبدأ، لكنه مكبّل في التنفيذ، بما يطرحه من تحديات تمويلية وإدارية، تتطلب إرادة إصلاحية قوية لضمان استدامته ومردوديته.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.