اخبار المغرب

الدبلوماسية المغربية: دينامية متجددة في عالم متحول

في عالم يشهد تحولات جذرية في موازين القوى والعلاقات الدولية، تبرز الدبلوماسية المغربية كقوة فاعلة قادرة على التكيف مع التحديات المتسارعة، متسلحة برؤية ملكية رصينة تقوم على الوضوح، والالتزام بالمبادئ الوطنية، والانفتاح على الشراكات المتوازنة. لقد رسّخ المغرب نهجًا دبلوماسيًا يجمع بين الحزم والمرونة، يتجلى بوضوح في مواقفه تجاه القضايا المصيرية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، حيث شكل الاعتراف الأمريكي بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، ثم الموقف الفرنسي الداعم في يوليوز 2024، منعطفًا استراتيجيًا يعكس عمق الجهود الدبلوماسية التي جعلت من الشرعية التاريخية والواقعية السياسية منطلقًا لحسم هذا الملف.

إن هذه الإنجازات ليست وليدة الصدفة، بل هي ثمرة رؤية استشرافية عبّر عنها الملك محمد السادس بقوله السامي: “إن مغربية الصحراء حقيقة ثابتة، لا نقاش فيها، بحكم التاريخ والشرعية، وبإرادة قوية لا تتزعزع”، وهي رؤية جعلت المملكة تتبنى أسلوبًا دبلوماسيًا يقوم على المبادرة والتفاعل الإيجابي، بدلًا من الاكتفاء بردود الفعل، مما عزز مكانتها كشريك موثوق في الساحة الدولية.

وعلى الصعيد الإفريقي، أثبت المغرب أنه فاعل رئيسي في رسم معالم التعاون جنوبجنوب، حيث لم يتعامل مع القارة من منطلق الاستغلال الاقتصادي أو الهيمنة السياسية، بل بادر إلى إرساء نموذج شراكة متكافئة قائمة على التنمية المشتركة والاستثمار طويل الأمد. ولعل مبادرة الأطلسي، التي أطلقها لتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، تمثل خير دليل على نهج الدبلوماسية المغربية في تقديم حلول عملية لمواجهة التحديات الإقليمية. فالمغرب لا ينخرط في الخطابات الشعبوية ولا يسمح بأن تتحول قضاياه الوطنية إلى ورقة للمساومات، بل يضع أسس التعاون على أرضية المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، كما أكد الملك محمد السادس خطابه الذي القاه جلالته بأديس ابابا أمام المشاركين في القمة 28 للاتحاد الافريقي: ” …. إن هذا الوضع يكرس صواب التوجه الإفريقي للمغرب. فبلدي اختار تقاسم خبرته ونقلها إلى أشقائه الأفارقة. وهو يدعو، بصفة ملموسة، إلى بناء مستقبل تضامني وآمن. “.

ولم يقتصر الحضور المغربي على الساحة الإفريقية فحسب، بل امتد ليشمل دعم قضايا الأمة العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث كان الموقف المغربي دائمًا واضحًا وحاسمًا في مساندة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. فقد تَجسّد هذا الدعم في مبادرات ملموسة، من بينها المساعدات الإنسانية المستمرة، والدور الذي لعبته الدبلوماسية الملكية في رفع الحظر عن أموال السلطة الفلسطينية، وهي خطوات تعكس حرص المغرب على تعزيز الاستقرار في المنطقة، بعيدًا عن أي توظيف سياسي أو مقايضات ظرفية. فكما قال جلالة الملك في رسالة موجهة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف،: ” وهي مناسبة لتجديد التأكيد على موقف المملكة المغربية الراسخ من عدالة ومركزية القضية الفلسطينية، باعتبارها مفتاح السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، في إطار حل الدولتين المتوافق عليه دوليا، تكون فيه غزة جزءا لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المستقلة “، وهو ما يجعل المغرب شريكًا صادقًا في الدفاع عن القضايا العادلة.

أما في ظل المشهد الجيوسياسي المعقد، فقد أثبت المغرب قدرته على الجمع بين الانفتاح الدبلوماسي والحزم في حماية مصالحه الوطنية، حيث لم يسمح لأي طرف بفرض رؤى تسييسية أو تحالفات مصلحية تتناقض مع مبادئه. فرغم الضغوط الدولية والتحديات الإقليمية، واصل المغرب تعزيز موقعه كقوة إقليمية مسؤولة، تدافع عن سيادتها دون الانزلاق في سياسات المحاور أو الانغلاق على الذات. إن هذه الرؤية المتوازنة جعلت منه شريكًا موثوقًا للقوى الكبرى، سواء تعلق الأمر بالولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الصين وروسيا، حيث أصبحت المملكة نموذجًا للدولة القادرة على إقامة علاقات متوازنة دون المساس بثوابتها الوطنية.

ولأن الدبلوماسية في عالم اليوم لم تعد تقتصر على البعد السياسي، فقد أدرك المغرب أهمية تعزيز موقعه الاقتصادي، وجعل الدبلوماسية الاقتصادية رافدًا رئيسيًا في علاقاته الدولية. فمن خلال توقيع اتفاقيات استراتيجية، وتحويل البلاد إلى مركز للاستثمار والتجارة بين إفريقيا وأوروبا، استطاع المغرب أن يرسخ مكانته كفاعل اقتصادي إقليمي، يقدم نموذجًا عمليًا للتكامل والتعاون التنموي، بدلًا من الاكتفاء بالعلاقات التقليدية القائمة على الاستفادة الأحادية.

إن ما يميز الدبلوماسية المغربية اليوم هو قدرتها على التكيف مع التغيرات، دون التخلي عن المبادئ، وعلى تحويل التحديات إلى فرص، بفضل نهج يرتكز على الحقائق والإنجازات الملموسة.

وأخيرا، وعلى اعتبار أن المغرب كان وسيظل بلدًا منفتحًا، يعمل على بناء المستقبل، ويحرص على تقوية مكانته كشريك موثوق في الساحة الدولية، يجعل من الدبلوماسية المغربية اليوم نموذجًا يُحتذى به في تحقيق التوازن بين الأصالة والحداثة، وبين الحفاظ على الثوابت والانفتاح على المستقبل.

 

 

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *