الدبلوماسية المغربية تحرك المياه الراكدة مع موريتانيا في “معبر أمكالة”
حرّكت الدينامية السياسية والديبلوماسية والاقتصادية التي عرفتها العلاقات بين الرباط ونواكشوط مياهًا ركدت لوهلة بخصوص إطلاق خطّ ربط بري بين مدينة السمارة المغربية وموريتانيا، مرورا بـ”معبر أمكالة”. الخط سيكون وفق التصور شرياناً حدوديّا جديداً، لاسيما على خلفية الجهود المتواصلة لإنجاح المبادرة الأطلسيّة التي أعلن عنها الملك محمد السادس في خطاب الذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء.
المعبر كان موضوع نقاش محوري بعد تشويش عناصر من جبهة البوليساريو على معبر الكركرات سنة 2020، كما كان مطلبا ملحا لساكنة الأقاليم الجنوبية بشكل عام، وسكان إقليم السمارة بشكل خاص، لاشتماله على فرص خلق التنمية على مستوى الإقليم الجنوبي في الصحراء المغربية، لكنه مع ذلك يطرح “تحديا أمنيا”، باعتبار المنطقة كانت هشة، نظرا لقرب المعبر من مناطق مرور عناصر الجبهة الانفصالية.
“مسؤولية أخلاقية”
عبد الفتاح الفاتحي، رئيس مركز إفريقيا للدراسات والأبحاث، قال إن “الحاجة إلى خلق بنية تحتية برية بين المغرب وموريتانيا، تعدّ خطوة حاسمة في تنمية الأقاليم الجنوبية، لاسيما في ما يتّصل بتنشيط حركية التجارة”، مؤكدا أن “المطلوب الآن هو إيجاد نوع من التكاملية والالتقائية بين البنية التحتية البرية والبحرية، خصوصا بالنظر إلى المشروع الضخم المتعلق بميناء الداخلة الأطلسي”.
وأضاف الفاتحي، في تصريح لهسبريس، أن “المسؤولية السياسية والأخلاقية الملقاة على عاتق موريتانيا لإنجاح ورش الأطلسي، ستحتم عليها الإسراع في التقاط هذا التنشيط الديبلوماسي الذي يباشره المغرب تجاه نواكشوط بكل مسؤولية سياسية ممكنة”، لافتاً إلى “خروج الوضع من منحاه الثنائي الرباطنواكشوط؛ فنحن أمام تصور جيواستراتيجي كبير لمختلف البلدان المطلة على الأطلسي وغيرها، وقد كان اجتماع مراكش واضحا”.
وسجل الأكاديمي المغربي “أهمية إدراج معبر أمكالة ضمن النقاشات الثنائية، لكون الرهان هو إطلاق المنفذ البري بالنسبة لبلدان الساحل التي لا تتوفر على نافذة بحرية”، مبرزا أن “الدول المنخرطة ستقترح المشاريع التي ستسهل التواصل ضمن المبادرة الجديدة والانفتاح على العالم والتعاون القاري والعابر للقارات”، وقال: “الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فتعزيز البنى التحتية سيبقى عنصرا مطلوباً للغاية، سواء معابر أو طرق سيارة أو سريعة”.
وخلص المتحدث إلى أن “البعد التضامني المفروض على الدول المنخرطة في المبادرة الأطلسية سيخصص حيزا لتحمل المسؤولية، خصوصا وأن المغرب قدم تصورا نوعيا في ما يخص مساعدة بعض البلدان المنخرطة في تأهيل بنيتها التحتية”، خاتما بأن “مصلحة موريتانيا لا توجد خارج هذه المبادرة، وهي تقترب من تقوية التعاون مع المغرب، وستكون الثمار السياسية لذلك حاسمة في توجهاتها”.
“سخاء مغربي”
الوالي سيدي هيبة، محلل سياسي موريتاني، قال إن “المباحثات التي عرفت حيوية عالية مؤخرا بين الديبلوماسية المغربية بكل أشكالها ونظيرتها الموريتانية، تستدعي فعلا فتح النقاش بخصوص إطلاق المعبر البري الجديد، ليسهل التّواصل الجغرافي في ما يخصّ تنقّل المواطنين، وأيضاً يسهل التحركات التجارية نحو نواكشوط وباقي دول غرب ووسط إفريقيا ودول الساحل بالأساس”.
وأضاف سيدي هيبة، في تصريح لهسبريس، أن “هناك قيما مشتركة قوية بين الأقاليم الجنوبية المغربية والشعب الموريتاني، ومعبر أمكالة سيقوي الانفتاح على هذا العمق المغاربي، فالحدود يجب أن تكون مفتوحة لعبور الإنسان وعبور البضائع وتثمين الاحتكاك بين المواطنين وتقوية تبادل الرمزي والمشترك والقيمي، الذي يعد لاعبا رئيسيا في الديبلوماسية الثقافية”.
وأشار إلى “قوة المعبر في تعزيز الولوجية، لا سيما في شقها السياسي، بما أن هناك شقا باطنيا في العلاقات بين الدول لا يمكن إلا أن يكون في خدمة الشعب المغربي والموريتاني وحماية مصالح الشعوب المشتركة”، لافتا إلى “استفادة نواكشوط من هذا الأمر؛ فمعبر بري سيسهل التعاون الدّيبلوماسي، ومعبر الكركرات اكتظّ، لكون نسبة التعاون كبيرة بين البلدين، ومعبر جديد معناه الدفع بالتعاون إلى حده الأقصى”.
واعتبر المحلل الموريتاني “المبادرة الأطلسية التي أعلنها الملك محمد السادس، فرصة للتفكير في خطوة سياسية مسؤولة لخلق معبر بري، لتبيئة بؤرة جديدة للتّبادل وجعل الحدود أكثر دينامية”، مؤكدا أن “تسخير الواجهة الأطلسية لنهضة مشتركة هو طموح مهم بالنسبة لموريتانيا أيضا”، مبرزا أن “المحيط الأطلسي يعد منطقة استراتيجية، وتأكيد الملك على التعاون بين هذه البلدان هو سخاء مغربي يجب أن نلتقطه وندعم هذا المسعى من أجل التنمية المشتركة”.
المصدر: هسبريس