الخمليشي يوصي بترسيخ قيم العمل والمعرفة من أجل خدمة المصلحة العامة
بكلمة مقتضبة من بضع جُمل كانت مفعمة بالدعوة إلى تدعيم لحمة المجتمع، وترسيخ قيَم الجدّ والعمل والاجتهاد، ارتأى أحمد الخمليشي ختْم حفل تكريمي له نظمته دار الحديث الحسنية، التي شغلَ منصب مدير لها على مدى ثلاث وعشرين سنة، قبل أن يغادره في شهر أكتوبر الماضي.
وقال الخمليشي خلال حفل التكريم الذي حضرته نخبة من المسؤولين والقضاة والمحامين والأساتذة الجامعيين والفقهاء، أمس الاثنين، “نجدد الدعوة، لي ولكم، كل من موقعه وحسب استطاعته، في سبيل تدعيم لحمة المجتمع وتقوية أسباب الرقي والتقدم لبلدنا وأمّتنا”.
ودعا المحتفى به، الذي كان قاضيا، ومحاميا، وأستاذا للتعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، وعضوا في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلى “الحرص على ترسيخ قيم العمل والمعرفة والعلم والاجتهاد، والحرص على تكريس مبادئ الإخلاص والتضحية في العمل من أجل خدمة المصالح العامة”، حاثا الشباب والأجيال الصاعدة، بشكل خاص، على تمثّل هذه القيَم والمبادئ.
ويُعد أحمد الخمليشي “مرجعا لكل رجال ونساء القانون بالمغرب”، كما جاء في الورقة التقديمية لحفل تكريمه، وهو ما أكدته أيضا الشخصيات التي قدمت في حقه شهادات.
الحسن الداكي، رئيس النيابة العامة، قال في شهاداته في حق الخمليشي إنه “عنوان للتميز في مجاله، وقامة علمية قانونية متميزة”، معتبرا أن مؤلفاته الكثيرة في مجال القانون “تعد خارطة طريق لعموم الدارسين والمهتمين، وما زالت تحتفظ بمكانتها العلمية كمرجعيات أساسية لا يمكن تجاوزها”.
وعاد الداكي إلى السنوات التي درس فيها على يد الخمليشي خلال الدراسة الجامعية، مبرزا أن الأستاذ الجامعي الذي درّس القانون في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، “كان يمزج بين تلقين الدرس للطلبة وتحبيبهم في المادة المُدرَّسة، من خلال بشاشته وتبسيط أسلوب الإلقاء”.
وتابع رئيس النيابة العامة بأن المحتفى به تميز بسعة المدارك والنظرة المليئة بالعطف، “ولم يكن أستاذنا فقط، بل كان سندا لنا، عبر الحرص على إفهام الطلبة الدروس من خلال تخصيص وقت للشرح لهم حتى خارج ساعات الدراسة”.
الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، محمد يسف، نوّه بعطاء الخمليشي، والخدمات التي أسداها لمؤسسة دار الحديث الحسنية طيلة مدة إدارته لها، معتبرا أن تكريمه هو “تكريم لكل الذين سبقوه في خدمة دار الحديث الحسنية”، منذ تأسيسها من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، الذي عيّن على رأسها آنذاك الشيخ خليل الورزازي.
ولفت يسف إلى أن الفترة التي خدم فيها الخمليشي دار الحديث الحسنية “كانت فترة هادئة وفاعلة وعالمة، لأن الدكتور أحمد الخمليشي رجل لا يتكلم كثيرا ولكنه يشتغل كثيرا بصمت”.
من جهته، قال محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في كلمة ألقاها نيابة عنه القاضي شاكر، إن الفترة التي قضاها الخمليشي على رأس إدارة دار الحديث الحسنية، “كانت زاخرة بالاجتهاد وغنية بالإنتاج الغزير، وجعل منها صرحا أكاديميا شامخا”، لافتا إلى أن المحتفى به ترك بصمات خالدة في كل المواقع التي تولاها.
واستطرد عبد النباوي بأن الخمليشي، الذي وصفه بـ”البحر الدافق من العلوم”، يتميز برجاحة الفكر ودقة التعبير والقدرة على الإقناع.
وأردف المتحدث ذاته، الذي درس على يد الخمليشي في المرحلة الجامعية، أن أستاذه تميز بمهارة في التدريس، “حيث نجح ببراعة واقتدار في تحقيق معادلة صعبة للتوفيق بين المواقف الوجدانية والبعد العلائقي الذي يؤطر علاقته بالفصل وفق منهج خاص وأسلوب فريد في الشرح وقوة في التعبير والبساطة في الشرح والقدرة على الإقناع”.
واعتبر بد النباوي، الذي زامَل الخمليشي في المجلس الأعلى للسلطة القضائية لمدة أربع سنوات، أن اختياره عضوا في المجلس بتعيين من طرف الملك محمد السادس، في تلك المرحلة المفصلية، “شكل قيمة مضافة للمجلس، نظرا لما يتمتع به من حنكة وتجربة مهنية في مجال القضاء والإدارة والبحث العلمي ورجاحة رأي”، مشيرا إلى أنه “كان جسورا في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية”.
عبد الحميد عشاق، مدير دار الحديث الحسنية، قال عن سلَفه، إن “شخصيته الفذ امتزج فيها لِين الجانب، وطيب الخلق، من جهة، بروح القيادية المستلزِمة للتصرف بحكمة، من جهة أخرى”، مبرزا “ممارَسته للحكمة والعمل بمقتضاها من أجمل الصفات التي تحلّى بها أستاذنا حتى أصبحت مَلكة قائمة به”.
وأردف المتحدث ذاته بأن الخمليشي تميز بخلق التواضع وسمو الأخلاق، وكان حريصا على طلبة وأساتذة وأطر وموظفي دار الحديث الحسنية، “ما عزز روح الانتماء إن الدار، والمشاركة الإيجابية، والتعاون على الخير”.
وعن مكانته العلمية، قال عشاق إن الخمليشي “هو أستاذ الأجيال القانونية والحقوقية بلا منازع”، مشيرا إلى اهتمامه بقضايا الواقع ومستجداته، وهو ما انعكس إيجابا على عطائه وتجربته الفكرية، وأثر بشكل كبير في توجه المؤسسة ونشاطها، من خلال إسهامه في تعزيزه للاهتمام بالقضايا الإنسانية والاجتماعية المستجدة، والاشتباك بمشكلاتها، وتقصي الحلول المناسبة.
كما أشار مدير دار الحديث الحسنية إلى أن الخمليشي تميز بالعناية بـ”معقولية الأحكام الشرعية، فالأحكام عنده لازمة التعقل، ومطلوب فيها المعنى، وهذا ينم عن وعي عميق بقضايا الشرع ومقاصده”.
المصدر: هسبريس