الخطارات.. نظام مائي مغربي فريد يعمل من تحت الأرض منذ ألف عام (صور)
تعتبر الخطارات واحدة من أعرق أنظمة السقي التقليدية والذكية بالمغرب والعالم، حيث تمتد لأزيد من ألف سنة وتتواجد بكثرة في مناطق الجنوب الشرقي، خاصة بقرى جهتي درعة تافيلالت ومراكش آسفي.
وتقاوم هذه الأنظمة المائية المتفردة خطر الانقراض، بعدما توقفت المئات منها عن العمل منذ الثمانينات بسبب تطور تكنولوجيا استخراج ونقل مياه السقي.
والخطارات تقنية تحت أرضية في مجال السقي التقليدي تعتمد في المناطق القارية، وهي عبارة عن قناة مائية باطنية تحت الأرض يتراوح طولها حوالي 45 كيلومترا، وعلوها ما بين 15 و20 مترا وبعرض 3 أمتار، ويختلف ذلك حسب موقع ومنطقة كل خطارة.
وتستعمل لجلب المياه من المرتفعات لسقي الأراضي السفلى عبر نظام الجاذبية، بينما تتقطع القناة بمئات الآبار تتباعد عن بعضها ما بين 5 إلى 25 مترا.
وتشير أرقام غير رسمية بأن هناك حوالي 600 خطارة نشيطة بالمغرب حاليا، يسيتفيد منها بشكل مباشر أو غير مباشر حوالي 300 ألف شخص، فيما توقفت مئات الخطارات الأخرى عن العمل.
جريدة “العمق” دخلت إحدى الخطارات بمنطقة الجرف بإقليم الرشيدية، والتقت حميد جكاني، أحد المسؤولين عن الخطارات بهذه المنطقة، والذي أوضح أن حفر هذه القنوات المائية على طول 45 كيلومترا تم عبر مئات السنين، مشيرا إلى أن المنطقة التي يتواجد بها تضم عددا من الخطارات قرب بعضها.
وأشار إلى أن الآبار الموجودة في الخطارات، تشكل سلسلة من القناطر على طول الخطارة، وقد شيدها الأقدمون كمنافذ للتهوية ولمساعدتهم في عمليات الحفر ونقل المياه للساكنة، إضافة إلى أنها تساعد على إصلاح الخطارات في حالة امتلائها بالحصى، حيث تشكل هذه الآبار مقاطع تقسم الخطارة إلى أقسام متساوية.
وأضاف المتحدث، أن كل قبيلة كانت تملك خطارة، وتستعملها في السقي وفي الاستعمالات المنزلية، فيما القبائل التي لا تملك خطارة، تقوم بشراء فترة زمنية في اليوم لاستعمال أحد أقسام الخطارة عبر بئر من الآبار، وذلك مقابل مبلغ مالي لأصحاب الخطارة.
وتعتبر مياه الخطارات من أكثر مياه القنوات المائية الطبيعية نقاوة، حيث تسمح الخطارات بنقل مياه صافية من الأتربة نظرا لنوعية التربة في المنطقة المعروفة بغياب الأوحال وعدم نمو النباتات فوقها، هذه الأخيرة كان يستعملها سكان القبائل في تطبيب الأشخاص الذين تعرضوا لكسور، فيما كشفت دراسات علمية أجريت على المنطقة، أن نسبة تبخر المياه داخل هذه الخطارات كانت ضعيفة جدا، وهو ما يجعلها من أفضل القنوات المائية.
وبخصوص توزيع مياه الخطارات، كشف حمادي جكاني أن ذلك يخضع لقانون عرفي صارم يسمح بالتوزيع العادل للمياه، حيث يتم توزيع المياه على كل مستفيد وفق ما بذله من جهد في أشغال حفر الخطارة وبناء آبارها، وذلك عبر حصص متساوية بين تلك القبائل، فيما أوضح المتحدث، أن سبب تسميتها بالخطارة يرجع إلى كلمة “خطر”، نظرا لخطورتها على مستعمليها، خاصة وأن عمليات الحفر والتشييد أودت بحياة الكثيرين.
غير أن العمل بنظام الخطارات بهذه المنطقة منذ العام 1985، يضيف المتحدث ذاته، وذلك بسبب فترة الجفاف التي ضربت المغرب حينها من جهة، وبسبب ظهور أجهزة حديثة لاستخراج ونقل المياه، خاصة بالطاقة الكهربائية والنفطية والشمسية من جهة ثانية، وهو ما جعل سكان تلك المناطق يتخلون عن هذه التقنية التقليدية تدريجيا منذ الاستقلال، إلى أن توقفت نهائيا عن العمل في العام المذكور.
ورغم توقف نظام الخطارات بهذه المنطقة، إلا أن سكان تلك المناطق يستعملونها حاليا في أنشطة السياحة، حيث يقول الجكاني في تصريحه للجريدة: “لقد هيأنا هذه القنوات بوسائل للتنقل داخل النفق، وخصصنا مداخل خاصة بها من أجل جلب السياج الأجانب، كما وضعنا معالم تاريخية قديمة داخل الخطارات على شكل معرض، ونقدم شروحات للوافدين”.
ويعتبر خبراء وباحثون، أن الخطارات تشكل معلمة تاريخية واقتصادية واجتماعية وتراثا إيكولوجيا للمغرب، نظرا لعبقرية عملها في نقل المياه وما تتيحه من نظام عادل لتوزيع الماء، مشيرين إلى أن الفضل في تواجد واحات النخيل بالمنطقة يعود إلى هذا النظام التقليدي لتعبئة ونقل المياه من المرتفعات عبر نظام الجاذبية.
وفي سنة 2019، شرع المغرب في إعداد ملف ترشيح “المهارات والمعارف التقليدية المرتبطة بالخطارات”، بغية إدراجها لدى منظمة اليونسكو ضمن لائحة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل، في إطار تفعيل اتفاقية اليونسكو لسنة 2003 الخاصة بصون التراث الثقافي غير المادي والتي صادق عليها المغرب سنة 2006.
المصدر: العمق المغربي