الخسائر البشرية في حرائق الأسواق تطلق دعوات للتحسيس بمخاطر الاستهتار

تحولت الحرائق التي تندلع في الأسواق الشعبية المغربية في الآونة الأخيرة إلى “ظاهرة مقلقة” تخلف خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، آخرها الحريق الذي شب في “قيسارية الدباغ” بمدينة فاس، مخلفا خمسة قتلى إلى حدود كتابة هذه الأسطر، إضافة إلى عشرات المصابين، فيما رجحت السلطات المحلية أن سببه ناتج عن “تماس كهربائي بأحد المحلات التجارية”.
حريق فاس ليس الحالة الوحيدة في هذا الإطار، فقد سبق أن اندلع حريق مماثل قبل أسابيع في سوق للمتلاشيات بمنطقة الهراويين التابعة لمقاطعة مولاي رشيد بالدار البيضاء، وقبله حريق آخر بسوق المتلاشيات بإنزكان، وحرائق أخرى في العيون ومراكش وسطات وتاوريرت… في أقل من عام واحد، وهو ما يسائل حسب مهتمين مظاهر “الإهمال والاستهتار” بحياة الأشخاص والممتلكات المنتشرة في هذه الأسواق، ويستدعي رفع منسوب الوعي لدى التجار، مع تشديد مراقبة شروط السلامة والأمن بهذه الفضاءات التجارية.
في هذا الإطار قال رشيد فاسيح، فاعل جمعوي، إن “الحرائق التي شهدتها مجموعة من الأسواق المغربية في الآونة الأخيرة، خاصة العشوائية، راجعة إلى مجموعة من الأسباب الذاتية والموضوعية، منها التي تشهد مجموعة من الممارسات التي تنطوي على كثير من الإهمال والاستهتار بحياة المواطنين وممتلكاتهم”، مضيفا أن “مجموعة من الأسواق يتم الاحتفاظ فيها بمواد قابلة للاشتعال دون أي احترام لقواعد السلامة، مع غلق منافذ التهوية، وغيرها من الممارسات التي يدفع الكل ثمنها”.
وأوضح الفاعل الجمعوي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “مظاهر الإهمال هذه هي التي توفر بيئة مناسبة لاندلاع حرائق تكبد الكثير من المواطنين خسائر مادية فادحة، قس على ذلك خسائر في الأرواح، على غرار ما وقع في فاس مؤخرا”، مشددا على أن “الأسواق غير المنظمة وغير المراقبة تظل خارج مجهودات التأهيل العمراني، وتعيق جهود التحديث والنهضة العمرانية”.
وتابع المتحدث نفسه بأن “هذه الأسواق التي تشهد أحداثا مماثلة بشكل متواتر تظل مفتقرة إلى عدد من الوسائل اللوجستية التي يمكن أن يتم من خلالها السيطرة على الحرائق، إذ لا تتوفر على مسالك للإسعاف والوقاية المدنية وآليات إطفاء الحرائق”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “حوادث الحرائق هذه تربط أيضا بضعف منسوب الوعي لدى التجار الذين ينشطون بهذه الفضاءات”.
ودعا فاسيح إلى “تشديد المراقبة على كل الأسواق المغربية، وتفعيل عمل اللجان المحدثة على مستوى العمالات والجماعات المحلية لهذا الغرض، وتسريع عملية التحول من الأسواق العشوائية إلى الأسواق الحديثة والنموذجية، مع مواكبة ذلك بعمليات تحسيسية في صفوف المعنيين، خاصة أن المغرب مدعو اليوم إلى الحسم في هذا الملف الذي يكبد الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة، دون أن ننسى أن المملكة مقبلة على تنظيم تظاهرات عالمية تستدعي بدورها تسريع معالجة كل هذه الإشكالات”.
من جانبه قال عبد العالي الرامي، رئيس الرابطة الوطنية للتنمية الاجتماعية والثقافية بالرباط، إن “نوعية وحجم الخسائر المترتبة على حرائق الأسواق تختلف حسب كل سوق، سواء أكان مهيكلا أم غير مهيكل، غير أن تأثير الحريق في هذه الأخيرة يكون كبيرا، نظرا لمجموعة من الأسباب والعوامل المترابطة”.
وأضاف الرامي، في حديثه لسهبريس، أن “اندلاع مجموعة من الحرائق في أسواق عديدة في مختلف ربوع المملكة، وفي فترة زمنية وجيزة، أمر مثير للريبة وقد يكون ناتجا عن جهل بعض التجار بشروط وقواعد السلامة أو انعدام وسائل مكافحة الحرائق أو بسبب تدخل بشري مباشر، إلا أن الأساسي هو ضرورة الرهان على التوعية والتحسيس وتنظيم دورات تدريبية للتجار في كيفية التعامل مع الحرائق، مع تشديد مراقبة مدى امتثالهم لهذه الشروط من طرف السلطات المختصة وهيئات المراقبة”.
وبين المتحدث ذاته أن “الدولة عملت في السنوات الأخيرة على تنقيل وتحديث مجموعة من الأسواق وتزويدها بكل متطلبات السلامة حتى تليق بسمعة وصورة المغرب”، مشيرا إلى أن “تبني هذا المخطط ليس من شأنه فقط أن يساهم في الحد من هذه الظاهرة المتكررة التي تقضي على سبل عيش العديد من الأسر، وإنما من شأنه أيضا ضمان ظروف العيش الكريم للمواطنين وتحسين جودة الحياة، خاصة في الحواضر الكبرى”.
المصدر: هسبريس