تهديد لمجانية التعليم أم وسيلة لمحاربة الفساد؟
في تحول يشي باتساع نطاق الظاهرة، تتجه جامعات مغربية إلى النسج على منوال نظيراتها التي سبقتها في فرض رسوم مالية على الموظفين والمستخدمين الراغبين في استكمال دراستهم العليا.
وبينما كانت هذه الممارسة مقتصرة على مؤسسات جامعية محدودة، أصبح تطبيقها أمرا واقعا جديدا يهدد بشكل مباشر مبدأ مجانية التعليم الذي ظل مكفولا لهذه الفئة لعقود طويلة.
ويضع هذا الإجراء حاجزا ماليا مباشرا أمام شريحة واسعة من المستخدمين والأجراء الذين كانوا يرون في الجامعة العمومية فرصة لتطوير مسارهم المهني وتحسين كفاءاتهم.
ويأتي هذا التحول في غياب أي سند قانوني واضح أو تبرير رسمي، مما يطرح تساؤلات عميقة حول مدى التزام هذه المؤسسات بالحق الدستوري في التعليم للجميع.
ومع تحول هذه السياسة من استثناء إلى قاعدة شبه معممة، تتعالى المخاوف من أن تكون هذه الخطوة تمهيدا لتوجه أوسع نحو التخلي التدريجي عن مجانية التعليم العالي.
وبذلك، يجد آلاف الموظفين أنفسهم أمام واقع جديد يفرض عليهم الاختيار بين طموحهم الأكاديمي، وبين تكاليف لم تكن في الحسبان، في ظل صمت الجهات المسؤولة عن تقديم أي إيضاحات.
وفي هذا السياق، اعتبر بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحماية حقوق المستهلك، أن فرض رسوم على الموظفين الراغبين في استكمال دراستهم الجامعية هو بمثابة “تحصيل حاصل” وإجراء يهدف إلى محاربة ظاهرة الرشوة المتفشية داخل الجامعات.
وأوضح الخراطي أن الدولة، من خلال هذا الإجراء، تسعى لاستعادة الأموال التي كانت تدفع سابقا كرشاوى للحصول على مقاعد في أسلاك الماستر والدكتوراه، حيث كشف أن بعض المترشحين كانوا يدفعون مبالغ تصل إلى 30 ألف درهم للماستر و50 ألف درهم للدكتوراه.
وأضاف المصدر ذاته أن المنطق وراء فرض الرسوم الرسمية هو أن تستفيد خزينة الجامعة من هذه الأموال بشكل قانوني، بدلا من أن تذهب لجيوب بعض الأساتذة المرتشين، متسائلا “لماذا لا تستفيد الدولة منها؟”.
وأشار الخراطي إلى أن الفساد والرشوة تفشيا في الجامعة بشكل يفوق أي إدارة أخرى، حيث وصل الأمر إلى ابتزاز بعض الأساتذة للطلبة بطرق مختلفة، وهو ما أساء بشكل كبير لصورة الجامعة المغربية وأدى إلى تراجعها في التصنيفات العالمية.
ووفقا لما أورده المصدر، فإن الهدف من هذه السياسة الجديدة هو إغلاق الباب أمام الأساتذة المرتشين، مع تأكيده على وجود أساتذة نزهاء ونعتز بهم ويقومون بعملهم بكل مهنية.
وفي المقابل، أقر الخراطي بأن هذا التوجه يمس بالحق الدستوري في التعليم ويغلق الباب أمام مبدأ الجامعة العمومية المجانية، حيث كان من المفترض أن تكون الجامعات الحكومية ملاذا لمن لا يملكون المال، بينما يتوجه الميسورون إلى الجامعات الخاصة.
وتابع المصدر أن هذا الإجراء سيجعل التعليم العالي خدمة مؤدى عنها للجميع، مما سيجعل المغرب شبيها بأنظمة دول أخرى مثل أستراليا حيث لا يوجد شيء مجاني.
وشدد الخراطي في ختام تصريحه على أنه يؤيد هذا الطرح كوسيلة لمحاربة الفساد، لكنه اشترط ضرورة وضع آليات واضحة للإعفاء من هذه الرسوم، بحيث لا تشمل الفئات التي لا تستطيع الدفع.
واقترح المتحدث أن يتم منح إعفاءات أو “منح دراسية” للموظفين بناء على معايير محددة، لضمان عدم حرمان أي شخص من حقه في متابعة التعليم بسبب وضعه المادي.
المصدر: العمق المغربي