“الحْرِيكْ” في الجنوب الشرقي يوقظ مطالب العدالة المجالية وتجويد الحياة
ما يزال الحزن يخيم على ساكنة تنجداد الواقعة بنفوذ عمالة الراشيدية، وذلك بعد أن لقي ثلاثة من أبنائها مصرعهم غرقا، يوم الجمعة الماضي، بعد أن حاولوا العبور نحو جزر الكناري انطلاقا من السواحل الأطلسية، وتحديدا من منطقة النعيلة بإقليم طرفاية، إلى جانب حوالي 45 آخرين، يصل عدد “التنجداديين” منهم إلى 15 شخصا، تدخلت البحرية الملكية فيما بعد لإنقاذهم.
ويسجل مراقبون أن انخراط شباب تنجداد والجنوب الشرقي ككل في مسلسل الهجرة السرية، يظل “تطورا نوعيا وباعثا على الخطر”، وهو ما يجب مقابلته بـ”سن تدابير فعالة تُحصن أبناء المنطقة من العصابات التي تنشط في مجال تسهيل الهجرة نحو الضفة الأوروبية عبر ركوب البحر خارج الضوابط القانونية”.
وعلى هذا النحو، أوضحت فعاليات مدنية بالمنطقة أن “ثقافة الهجرة السرية بدأت فعليا في التغلغل وسط عقول شباب المنطقة، نتيجة لتقصير الدولة في واجبها في توفير التنمية وتحسين جودة الحياة بالمنطقة والرفع من إيقاع الاستثمار بجهة درعة تافيلالت ككل”، لافتة إلى أن “الدولة بحاجة إلى تغيير نظرتها إلى المنطقة وبحث سبل الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي”.
عجلة تنمية “متوقفة”
نور الدين عبو، ناشط حقوقي فاعل جمعوي بالمنطقة، قال إن “الهجرة السرية تعد ثقافة دخيلة على المنطقة، فخلال السنوات الماضية لم نكن نسمع بهكذا ظواهر، في حين فوجئنا اليوم بتشبث عدد من شباب المنطقة بهذه الثقافة؛ ذلك أن الأمر أساسا يعد نتاجا لمجموعة من العوامل التي تتراكب فيما بينها”.
وأكد عبو، في تصريح لهسبريس، أن “الجنوب الشرقي يظل متأخرا في عدد من المسائل المتعلقة بالتنمية والعيش الكريم، ونظل إلى يومنا هذا متأخرين عن باقي المناطق المغربية، على اعتبار أن جهة درعة تافيلالت لا تتوفر على طرق سيارة ولا على مناطق صناعية من شأنها تحريك الدورة الاقتصادية، وهذه كلها عناصر ترتبط بموضوع العدالة المجالية”.
وأضاف أن “الدولة في حاجة إلى تغيير نظرتها إلى المنطقة وساكنتها، بالنظر إلى توفر مناجم وأراض سلالية لا يستفيد منها الشباب، في ظل استمرار مسلسل العزلة وضعف الاستثمار، وهو ما يقابَل بشكل أوتوماتيكي بمخططات الساكنة من أجل الهجرة وترك كل الأنشطة الزراعية التي تضررت بدورها بتقلبات المناخ”.
وبين الفاعل المدني ذاته، المنحدر من “قصر تيخفرت” بتنجداد، أن “الدولة ليس الوحيدة التي تتحمل المسؤولية فيما وقع مؤخرا، فالأُسَر، سامحها الله، باتت هي الأخرى تشجع أبناءها على الهجرة بطرق سرية خارج المملكة، وهو ما يؤكده تواجد أفراد قاصرين ضمن القارب الذي تم ضبطه من قبل البحرية الملكية”، معتبرا أن هذه الأسر “عادة ما تتبنى ثقافة المقارنة والتنافس مع نظيراتها ضمن الوسط نفسه، وهو ما يشكل حافزا للشباب لمحاولة تغيير الوضعية عن طريق الهجرة إلى أوروبا ولو سِرّا”.
في الحاجة إلى الإنصاف
يسرى بوجنان، فاعلة جمعوية، قالت إنه “على الرغم من احتلال جهة درعة تافيلالت مساحة شاسعة من التراب الوطني، إلا أن حظها من التنمية والاستثمارات يبقى دون المأمول، على اعتبار أن المنطقة لا تزال تعاني من التهميش والفقر والبطالة، وهو واقع لا يمكن إنكاره من أي طرف كان”.
وأضافت بوجنان، في تصريح لهسبريس، أن “عددا من الطلبة بتراب الجهة لا يكملون عادة دراستهم الجامعية بالنظر إلى قلة ذات اليد والبعد عن مؤسسات التعليم العالي التي تتمركز عادة بمحور مراكش الدار البيضاء الرباط، في حين إن المؤسسات التي تقع بنفوذ الجهة تقدم تكوينات محدودة”.
وأوضحت المتحدثة أن “جهة درعة تافيلالت في حاجة إلى توزيع عادل للموارد والخدمات وتوفير المراكز الصحية وتعزيز العرض التربوي بها، وهي حقوق أساسية من حقوق الإنسان”، لافتة إلى أن “الاستثمار بالمنطقة في الحضيض، الأمر الذي يدفع عددا من الشباب إلى الهجرة والاشتغال بالمدن الكبرى”.
وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة “شبابنا” المدنية: “سبق لنا أن نظمنا ندوة بالدار البيضاء سنة 2019 خرجنا من خلالها بمجموعة من التوصيات تهم الرفع من جودة الحياة بجهة درعة تافيلالت وتعزيز الديمقراطية، في وقت تقل فيه فرص التشغيل ويضطر المحليون إلى المغادرة بحثا عن حياة كريمة”، معلنة “التخطيط لتنظيم يوم دراسي جهوي حول السياسات العمومية والعدالة المجالية، ستتم فيه كذلك مناقشة مسألة الانتحار الذي باتت بعض الحالات منه تظهر تواليا”.
المصدر: هسبريس