الحوار الاجتماعي بالمغرب بين الشكلية والفعالية: قراءة تحليلية نقدية

يشكل الحوار الاجتماعي آلية حيوية لفض النزاعات الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق السلم الاجتماعي، حيث يجمع بين أطراف العلاقة الشغلية الثلاثية: الحكومة والمنظمات المهنية لأرباب العمل والمنظمات النقابية للأجراء. هذا الثلاثي الاجتماعي يهدف إلى خلق توازن بين مصالح هذه الأطراف عبر آليات تفاوضية منتظمة.
منظمة العمل الدولية تعرف الحوار الاجتماعي بما يلي: “كل أنواع التفاوض أو التشاور بين ممثلي الحكومات والمنظمات المهنية لأصحاب العمل والمنظمات النقابية للأجراء بشأن القضايا المشتركة”
ترى ما هي الحاجة والأهمية التي يكتسيها إصدار قانون إطار ملزم لأطراف الحوار الاجتماعي؟
1 يعد الحوار الاجتماعي في المغرب “موضوعاً إشكالياً” ويطرح تناقضات بين النصوص الدستورية والقانونية من جهة، والممارسات الفعلية من جهة أخرى. فبينما تشير النصوص إلى آليات متطورة للحوار الثلاثي (حكومة، نقابات، مشغلون)، تعكس الممارسة اليومية فجوة بين الخطاب والممارسة، مما يطرح تساؤلات حول مدى فعالية وجدية هذه الآلية في تحقيق السلم الاجتماعي والتنمية المستدامة.
يستمد “الحوار الاجتماعي” مرجعيته الدستورية والقانونية من:
* الدستور المغربي لسنة 2011 خاصة الفصل 8 الذي أكد على دور النقابات والغرف المهنية في الدفاع عن المصالح الاجتماعية والاقتصادية، والفصل 13 الذي نص على إشراك الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية.
* مدونة الشغل لسنة 2003، التي تضمنت عدة آليات للحوار مثل اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة والمجلس الأعلى لإنعاش التشغيل.
* الالتزامات الدولية، حيث صادق المغرب على اتفاقيات منظمة العمل الدولية مثل الاتفاقية رقم 98 حول المفاوضة الجماعية (1957)، والاتفاقية رقم 154 (2011)، والاتفاقية رقم 144 حول المشاورات الثلاثية (2013).
2 بعض مظاهر شكلية الحوار الاجتماعي بالمغرب:
* مضامين ومواضيع الحوار الاجتماعي التي لا ترتبط بالسياسات الكبرى للبلاد وتقتصر على قضايا الأجور دون معالجة قضايا جوهرية في العمق كالسياسات الاجتماعية والهشاشة والحماية الاجتماعية.
* إشكالية التمثيلية بالحوار الاجتماعي والتي تتمثل أساسا في أزمة الشرعية النقابية (ضعف نسبة المنخرطين) وتعددية نقابية لا تعكس التنوع بقدر ماهي تشرذم (أكثر من 30 هيئة ومركزية نقابية) واعتماد الولاءات الشخصية والسياسية وغياب تمثيل حقيقي للقطاع غير المهيكل.
* غياب آليتي المتابعة والتقييم لمخرجات الحوار الاجتماعي، حيث تفتقد الاتفاقيات لآليات تنفيذ واضحة وانعدام مؤشرات القياس لمدى تنفيذ التوصيات وعدم إقرار عقوبات على التملص من الالتزام بالاتفاقيات
3 هل هناك ممكنات لتحقيق حوار اجتماعي فعال بالمغرب؟
بعيدا عن المناكفات السياسوية والنقابية لا يمكن تحويل الحوار الاجتماعي من شكلي إلى فعال إلا بإيجاد إرادة سياسية حقيقية والتزاماً صارما من جميع الأطراف، ومن العبث اختزال الحوار الاجتماعي في كونه مجرد طقس إداري فلكلوري، بل يجب أن يصبح ركيزة أساسية في بناء عقد اجتماعي جديد يقوم على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية كأولوية شعبية والمشاركة الفعلية في صنع القرار والمساءلة والمحاسبة في التنفيذ وربط الحقوق الاجتماعية بالمسؤوليات حقيقة.
4 حاجة أطراف الحوار الاجتماعي لقانون إطار ملزم:
إصدار قانون إطار ملزم للحوار الاجتماعي في المغرب يُعدّ ضرورة حيوية لضمان فعالية الحوار بين الحكومة والنقابات وأصحاب العمل، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
فمخرجات الحوار الاجتماعي غالبا ما تكون غير ملزمة ولا تترتب على ذلك أية عقوبات مما يؤدي إلى الإنتقائية في تنزيلها على أرض الواقع أوعدم تنفيذها أو تأجيلها (مثال: اتفاقيات الأجور أو تحسين ظروف العمل) ويزيد من الشكوك بين النقابات والحكومة أو المشغلين، ويُضعف مصداقية الحوار.
5 الأهمية الاستراتيجية لقانون إطار ملزم للحوار الاجتماعي:
تكمن الأهمية الاستراتيجية لقانون إطار في الشق الاجتماعي في ضمان الاستقرار وذلك بتنفيس حالة الاحتقان وتحويل الاحتجاجات والنزاعات لطاولة التفاوض بضمانات وآليات قانونية واضحة.
أما فيما يخص حماية حقوق العمال
فالقانون الإطار يعد ضمانة لتنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بالأجور، الشغل، والتغطية الاجتماعية (مثل صندوق التعويض عن فقدان الشغل).
وعلى المستوى الاقتصادي فالقانون الإطار سيكون حافزا لتحسين مناخ الأعمال، حيث أن بيئة عمل مستقرة من شأنها تشجيع الاستثمار والتقليل من المخاطر المرتبطة بالنزاعات العمالية.
ختاما، بناء على ما سبق تبقى الحاجة لقانون إطار للحوار الاجتماعي، ليس فقط كوثيقة قانونية للتباهي واستعراض صورة للاستهلاك الداخلي والخارجي، ولكن كعقد اجتماعي يضمن حقوق الشغيلة دون الإضرار بالمصالح المشروعة لأرباب العمل، ويحقق استقرار الاقتصاد عبر منع تقليص الصراعات العمالية، ويؤسس لشراكة حقيقية بين الدولة والنقابات والمشغلين.
وفي غياب هذا القانون، سيظل الحوار الاجتماعي ضعيفًا وشكليا وفلكلوريا ومناسبة لأخذ صور تذكارية للزعامات لا أكثر، مما يهدد السلم الاجتماعي والتنمية ويزيد حالة الاحتقان الاجتماعي.
المصدر: العمق المغربي