الحليمي يفكك متغيرات السياسة الدولية
صدر للباحث عبيد الحليمي كتاب جديد بعنوان “النظرية الواقعية في حقل العلاقات الدولية.. دراسة لمتغيرات السياسة العالمية من منظور واقعية ميرشايمر الهجومية”، جاء في 400 صفحة، حاول من خلاله تفكيك وتأصيل مفهوم الواقعية السياسية عبر الوقوف عند أبرز تطبيقاتها في النظام الدولي، خاصة سياسة القوى العظمى في العالم والتفاعلات الدولية المعقدة والمتداخلة في النظام العالمي خلال القرن الحادي والعشرين.
وركز الكتاب، الصادر عن دار “أكورا للنشر والتوزيع”، على نظرية الواقعية الهجومية في تفسير السياسة الدولية وأبعادها على مستوى السياسة الخارجية للدول الفاعلة على الساحة الدولية، منطلقًا بذلك من أسس هذه النظرية من خلال “واقعية جون ميرشايمر الهجومية” التي حاول إبراز مميزات قاموسها النظري الذي يستند إلى مفاهيم جديدة؛ مثل “الدول التعديلية، والمياه المانعة للغزو، والزيادة النسبية في القوة، والهيمنة الإقليمية، والكذب في السياسة الدولية”.
ولم يقتصر مؤلف الكتاب على عرض أبرز الإسهامات الواقعية منذ غابر الأزمان إلى يومنا هذا، في إطار سعيه إلى مقاربة التحولات التي طرأت على النموذج المعرفي الواقعي، منذ “صن تزو” و”ثيوسيديديس” في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد وصولًا إلى واقعية جون ميرشايمر الهجومية في العصر الراهن، مرورًا بإسهامات عدد من المفكرين الذين طبّعوا تاريخ المدرسة الواقعية.
ثم ينتقل الحليمي في كتابه إلى استحضار النظام والواقع الدولي عبر مناقشة الأنظمة الإقليمية الفرعية، ليسترشد بالنظرية في السياسة الخارجية للدول، متناولًا سياسة القوى العظمى في النظام الدولي وكذلك موقع القوى الصغرى في هذا النظام.
ويعتبر في هذا الصدد أن “مقاربة بنية النظام الدولي تحيل على البنية الداخلية للدول؛ وهذا النقاش النظري يرتبط منذ البداية بواقع السياسة الدولية من خلال تقديم تطبيقات لتوازن القوى والصراع على القوة والسعي نحو النفوذ والهيمنة”.
ويستحضر الكتاب مفهوم “الفوضى الدولية في الواقعية الهجومية”، والذي يعني، حسب مؤلفه، أن “النظام الدولي يتسم بالاضطراب واللاتنظيم، بقدر ما يعني أن هذا النظام الدولي لا سلطة عليا فوق الدول”. ففي حين أن الدولة القومية تملك “حق استعمال العنف المشروع”، وفق تعبير ماكس فيبر، فإن “النظام الدولي فوضوي البنية، ويجب فيه التعامل مع الدول كصناديق سوداء، بصرف النظر عن أنظمتها السياسية وطبيعة سياستها الداخلية”.
ويسجل في هذا السياق أن المؤسسات الدولية والقانون الدولي تبقى مجرد امتداد لقوة الدول التي أنشأتها، أي أنها مستوى من مستويات إبراز هذه القوة.
ينقسم الكتاب إلى قسمين وأربعة فصول، تتناول التأصيل التاريخي والفلسفي لنظرية الواقعية السياسية، وأبرز الحوارات بين مختلف التيارات التي تنتمي إلى الواقعية. ويشير في هذا السياق إلى أن “ميرشايمر أعاد الفكر الواقعي إلى الواجهة عبر نموذج يتسم بالحضور القوي في الحقل النظري للعلاقات الدولية في العصر الحالي”؛ وذلك بعد أن دار حديث في الساحة السياسية والفلسفية عن نهاية الواقعية، خاصة بعد الانتقادات التي وُجّهت إليها لعدم تنبؤها بانهيار الاتحاد السوفياتي وتفرّد الولايات المتحدة بقيادة النظام العالمي.
وركز الكتاب في جزء منه على الواقعية الهجومية بوصفها نموذجًا تفسيريًا للسياسة الدولية، من خلال التركيز على القوى العظمى الفاعلة في النظام الدولي الحالي، مثل واشنطن وبكين وموسكو. وفي الفصل الأخير، يتناول بتعمق المقاربة التي يقدمها جون ميرشايمر لصناع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية وانتقاداته للهيمنة الليبرالية على السياسة الأمريكية، خاصة من حيث تورطها في العديد من الصراعات العالمية. ويختتم بتناول السياسة الخارجية المغربية وإمكانية استفادتها، في سياقها المغاربي، من القاموس النظري للواقعية الهجومية.
ويؤكد المؤلف أن “واقعية جون ميرشايمر الهجومية تركز على الصعود الصيني، بوصفه المنافس الأقوى للولايات المتحدة في الوقت الحالي، بينما تتواجد القوى الأخرى في مرتبة أدنى من الصين. فإذا استمر اقتصاد الصين في النمو السريع، فإن قوتها الكامنة ستحولها إلى قوة عسكرية مهيبة”. وقد رجح ميرشايمر أن تسعى بكين، كما فعلت واشنطن في مناطق متفرقة، إلى الهيمنة الإقليمية على نصف الكرة الشرقي.
ودفع هذا السعي الصيني الحثيث المفكر السياسي الأمريكي جون ميرشايمر إلى دعوة صناع القرار في بلاده إلى السعي إلى فرض التوازن الخارجي من أجل تجنب الاصطدام الوشيك مستقبلًا في منطقة شمال شرق آسيا، مطالبًا في الوقت نفسه بـ”التركيز على بناء دولة قوية ومزدهرة في الداخل (التوازن الداخلي) بدل سياسة التدخل في جميع مناطق العالم”.
المصدر: هسبريس