الحكومة المغربية تجدد خارطة الطريق لوقف نزيف التشغيل في سنة 2025
كشفت الرسالة التأطيرية لمشروع قانون المالية 2025، التي عممها عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، على وزرائه، عن توجه نحو معالجة أعطاب منظومة التشغيل بالمملكة؛ من خلال العمل على تنفيذ خارطة طريق تتضمن مخططات عمل على مدى الخمس والعشر سنوات المقبلة، وترتكز على إجراءات عملية سيتم تفعيلها بموجب المشروع المالي المقبل وستتوجه بالخصوص إلى وقف نزيف التشغيل بالوسط القروي.
وستنطلق خارطة الطريق الجديدة من تحليل شامل لمعطيات سوق الشغل والعناصر المرتبطة بها بشكل مباشر؛ بما في ذلك آليات العرض والطلب والوسطة في التشغيل، وكذا التشريعات والإجراءات المعلقة بهذه السوق، في أفق إعادة هيكلة البرامج النشيطة للتشغيل، ودعم ومواكبة المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، مع التركيز على الدفع بالنشاط الاقتصادي للنساء إلى الأمام وضمان ولوجهن إلى سوق الشغل، خصوصا عبر الاشتغال على روافع عملية تهم توفير دور الحضانة وتعزيز وسائل النقل العمومي، بشراكة مع الجماعات الترابية.
وإلى جانب خارطة الطريق الجديدة، شدد رئيس الحكومة، في رسالته التأطيرية، على أهمية مواصلة التنزيل الفعال لميثاق الاستثمار في خلق فرص الشغل وتحقيق قيمة مضافة عالية؛ من خلال مواصلة تفعيل خارطة الطريق الاستراتيجية 20232026 الخاصة بتطوير مناخ الأعمال، والتي تستهدف تعزيز بيئة الأعمال الوطنية، عبر تجويد منظومة الصفقات العمومية والتمويل التعاوني وكذا تقليص آجال الأداء والإحداث الإلكتروني للمقاولات وتبسيط أزيد من 45 في المائة من المساطر الإدارية للاستثمار ورقمنتها وتفعيل الإصلاح الضريبي، بما يتيح رؤية أوضح للمستثمرين وبحفز فرص الشغل.
ارتفاع معدل البطالة
رسم صندوق النقد والبنك الدوليان، أثناء اجتماعاتهما الربيعية الماضية، صورة وردية بشأن النمو الاقتصادي المتوقع بالمغرب خلال 2025، حيث يرتقب أن يصل إلى 3.3 في المائة؛ فيما يرتقب أن ينتقل معدل التضخم من 2.2 في المائة بنهاية السنة الجارية إلى 2.5 في المائة السنة المقبلة. أما معدل البطالة، فتشير التوقعات إلى تراجعه من 12 في المائة إلى 11.5 خلال الفترة المذكورة.
من جهتها، تؤكد الأرقام الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، الهيئة الإحصائية الأولى في المملكة، استمرار ارتفاع مستوى البطالة إلى 13.7 في المائة و13.1 في المائة، على التوالي، خلال الفصلين الأول والثاني من هذه السنة.
وأوضح رشيد قصور، خبير اقتصادي، في تصريح لهسبريس، معلقا على هذه الأرقام، أن الحكومة مطالبة بتضمين مشروع قانون المالية 2025 إجراءات ناجعة وذات طابع استعجالي لخفض معدلات البطالة، التي وصلت مستويات لم تسجل منذ نهاية عهد حكومة عبد الرحمان اليوسفي، مطلع الألفية، مؤكدا أن تقليص معدل البطالة إلى 12 في المائة بنهاية 2024 يفرض اتخاذ خطوات متعددة الأبعاد تشمل تحفيز النمو الاقتصادي وتطوير التعليم والتكوين وكذا تحسين بيئة الأعمال وتحفيز القطاع الخاص، مشددا على أن كل هذه الجهود مجتمعة يمكن أن تساهم في خلق فرص شغل جديدة وتحقيق الهدف المرجو المتمثل في وقف نزيف البطالة بشكل تدريجي.
وفي السياق ذاته، أكد قصور أهمية إقرار تخفيضات ضريبية جديدة لفائدة الشركات ضمن مشروع قانون المالية 2025 في تحفيز العرض بسوق الشغل وتسريع وتيرة إحداث فرص الشغل، خصوصا المستدامة منها.
وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة مواصلة الحكومة تسهيل الإجراءات الإدارية وتوفير الدعم المالي والتقني لرواد الأعمال، بما يمكنهم من خلق بيئة مواتية لإنشاء المقاولات الجديدة ويعزز التشغيل.
وفي هذا الصدد، أشار إلى أن دعم الشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة من خلال توفير التمويل والمساعدة التقنية يمكن أن يساهم في زيادة التشغيل أيضا، منبها في المقابل إلى خطورة استمرار تفاقم تداعيات الجفاف على سوق الشغل ورفع مستويات البطالة في الوسط القروي.
رهان تحفيز التشغيل
أمام استمرار تداعيات موسم الجفاف وخسارة مناصب الشغل في الوسط القروي، سارعت الحكومة إلى فهم وتشخيص أعطاب التشغيل مبدئيا.
وفي هذا السياق، لجأ يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، بصفته الوزير الوصي على القطاع، إلى خبرة “المنتدى الاقتصادي العالمي”، من خلال التوقيع على اتفاقية مشتركة لتفعيل مبادرة “موروكو جوب أكسيليرايتور” (Morocco Jobs Accelerator)، التي ستتيح الاستفادة من خدمات أول منصة من نوعها في العالم تعنى بالتشغيل وتتوجه إلى مجموعة من البلدان، بينها المغرب، بحلول عملية وتقنية، لغاية تطوير عرض التشغيل وتحفيز الطلب داخل سوق الشغل، خصوصا من قبل القطاع الخاص.
وبالنسبة إلى عبد الصمد لمليح، مستشار وخبير في تدبير الموارد البشرية بمكتب للدراسات في الدار البيضاء، فإن القطاع الخاص يعتبر شريكا استراتيجيًا في تحفيز التشغيل، حيث يمكنه أن يلعب دورا رئيسيا في خلق فرص الشغل من خلال الاستثمار في مختلف القطاعات الاقتصادية.
واعتبر الخبير في تدبير الموارد البشرية أنه لتحقيق هذه الغاية المشار إيها يجب توفير حوافز ضريبية للشركات التي تشغل عددا كبيرا من العمالة أو تستثمر في المناطق القروية والمهمشة، مشددا على أن الحكومة مطالبة بتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خلال تنفيذ مشاريع مشتركة في مجالات البنية التحتية، والطاقة والصناعة؛ ما يساهم في خلق فرص شغل جديدة وتحسين نمو الاقتصاد الوطني.
وأشار لمليح، في تصريح لهسبريس، إلى أن دعم ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة ركيزة أساسية لتحفيز التشغيل، حيث تمثل المقاولات الصغرى والمتوسطة 95 في المائة من النسيج المقاولاتي بالمملكة وتعتبر محركا رئيسيا لخلق فرص الشغل.
وأكد المتحدث ذاته أن هذا الدعم يمكن أن يمر عبر توفير التمويل المناسب وتبسيط الإجراءات الإدارية وتقديم المواكبة التقنية لرواد الأعمال. كما يمكن تعزيز هذه المشاريع عبر تشجيع الابتكار واعتماد التكنولوجيا الحديثة في عمليات الإنتاج والتسويق؛ وهو ما يساهم في تعزيز تنافسية الشركات المغربية في الأسواق الداخلية والخارجية.
المصدر: هسبريس