الحرية غير مطلقة
أظهرت دراسة حديثة، أصدرها المعهد المغربي لتحليل السياسات، أن نصف المغاربة لا يثقون في قدرة القضاء على حماية حرية التعبير، مما يخلق مناخًا من الخوف والتحفظ عن التعبير بحرية.
وكشفت الدراسة، التي تناولت تطورات حرية التعبير والوصول للمعلومات بالمغرب، أن 50 بالمئة من المشاركين لا يثقون في قدرة القضاء على حماية حرية الرأي والتعبير، بينما أبدى 21 بالمئة فقط ثقتهم في ذلك.
وتُعزى هذه الظاهرة إلى عوامل متعددة، أهمها أن فئة مهمة من المغاربة لازالت غير واعية بالقوانين المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والنشر، مما قد يدفعهم أحيانًا إلى التعبير عن آراء تتخطى حدود القانون أو تمس بحرية الآخرين وتسيء إليهم.
كما تلعب بعض المحاكمات التي شهدها المغرب والتي تم خلالها متابعة أشخاص بسبب مواقفهم أو آرائهم دورًا في خلق جو من الخوف لدى الأفراد، مما يجعلهم يترددون قبل إبداء آرائهم، حسب المحامية والفاعلة الحقوقية فتيحة شتاتو.
ضرورة التوعية
وشددت فتيحة شتاتو في تصريح لجريدة “العمق”، على ضرورة التوعية بالقوانين التي تهم حرية الرأي والتعبير، مؤكدة أن مواقع التواصل الاجتماعي وما تلفظه كل يوم من مضمون يخرج أحيانا عن إطار القانون والأخلاق، أو يدخل في نطاق السب والإساءة للبعض، يحتاج إلى التقنين، مشيرة إلى أن “هناك بعض التعبيرات التي تضرب القيم المغربية في عمقها، في ظل مجتمع لازال يعاني من الأمية والتخلف”.
من جهة أخرى، أشارت شتاتو إلى أن التحسيس بالقانون أضحى مسألة ملحة، لكبح التخمة التي باتت تعبر عنها مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحى الكل فيها يفتي في كل شيء، وأحيانا في جوانب حساسة وخطيرة كالمجالات الطبية.
وفي وقت تحفظ قضاة عن الحديث حول موضوع حرية الرأي والتعبير، وتعاطي القضاء مع هذا النوع من الملفات المعروضة عليهم، ذهب البعض منهم في حديث مع جريدة “العمق” إلى اعتبار هذا النوع من الاستطلاعات قد تغلب عليه انطباعات غير موضوعية، وأحيانا أخرى لا يكون دقيقا، كما عبر عن ذلك مصدر قضائي في حديث مع .
وأضاف المصدر ذاته، أن التعليق حول هذا الموضوع والتفاصيل التي جاءت بها الدراسة يحتاج إلى دراسة للملفات القضائية التي تدخل في مجال حرية التعبير على مستوى مختلف الدوائر والمحاكم لتقديم قراءة موضوعية.
حرية غير مطلقة
من جانبه قال عبد العالي المصباحي، رئيس رابطة قضاة المغرب، في تصريح لجريدة “العمق”، إن حرية التعبير والرأي حق دستوري نص عليه في عدد من الفصول وخصوصا الفصل 25 منه حينما قال: “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”.
وأوضح أن هذه العبارات تحمل معانٍ واسعة ومضبوطة، حيث يشمل الفكر مجموعة قناعاتك المادية والروحية والوجدانية، بينما الرأي هو ما تعبر عنه شفويًا أو من خلال تصرفات وأفعال تحدد مواقفك في قضايا مختلفة. أما التعبير فهو الإعلان عن آرائك الفردية أو الجماعية في سياق محدد حول القضايا والتوجهات التي تطرأ في الحياة العامة، ويمكن أن يكون هذا التعبير منظمًا في شكل حزبي أو جمعوي أو نقابي أو فردي في إطار الكتابة والتأليف والنشر.
وأضاف المصباحي أن هذا الحق في التعبير والرأي إذا ما تُرك دون تنظيم، قد يؤدي إلى إساءة استعماله والشطط في ممارسته، مما قد يؤثر سلبًا على حقوق الآخرين ويخترق أنظمة المؤسسات. وأكد أن الهدف من تنظيمه هو أن يُمارس في حدوده الصحيحة والمعقولة، موضحًا أن المشرع سن قوانين لحماية ثوابت الأمة والنظام العام والآداب العامة والحياة الخاصة للأفراد والمعطيات الشخصية وشرف وكرامة الأشخاص والمؤسسات، لضمان عدم انحراف حرية التعبير عن مسارها الصحيح.
وأشار المصباحي إلى أن القضاء، بصفته سلطة الفصل في النزاعات وسماع المظالم، يداوم على النظر في القضايا التي تُرفع إليه فيما يتعلق بالجرائم التي قد تُرتكب في سياق ممارسة حرية التعبير. وتشمل هذه الجرائم جرائم السب والقذف وإهانة الهيئات المنظمة ونشر الأخبار الزائفة والتشهير، وغيرها من الجرائم المعاقب عليها في إطار القانون الجنائي أو القوانين الجنائية الخاصة كقانون الصحافة والنشر.
وأوضح القاضي أن المشرع عندما اعتبر حرية التعبير والرأي حقًا دستوريًا، جعلها في المقابل واجبًا على عاتق الدولة، لتعمل على حمايته وتوفير المناخ اللازم لممارسته. لذلك، أصدر المشرع قانون الحريات العامة، بما في ذلك قانون الصحافة والنشر، وقانون الحق في التجمهر، وقانون الحق في تأسيس الجمعيات، وقانون الأحزاب والنقابات. كما منح الدستور لكل مواطن الحق في الحصول على المعلومة، والمشاركة في اقتراح القوانين، وتسيير الحياة العامة، والتصويت وانتخاب ممثلي الأمة، والتجول، وغيرها من الحقوق التي أُسندت للرجل والمرأة على قدم المساواة. وجُعل القانون، حسب الفصل العاشر، هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة.
وأضاف المتحدث: “القضاء سلطة أُحدثت للفصل بين الأفراد، سواء بينهم أو بينهم وبين الإدارات والمؤسسات العمومية، وذلك لتحقيق العدالة في إطار التطبيق السليم للقانون، الذي وضعه المشرع بين يديه ليكون بمثابة أدوات اشتغال القضاة وهم ينظرون في الدعاوى”.
المصدر: العمق المغربي