الجواهري يستعرض تحديات الاستقرار المالي في إفريقيا ويكشف عن مشروع لتنظيم العملات المشفرة
أكد والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، في كلمته خلال افتتاح الدورة الرابعة للمنتدى الإقليمي رفيع المستوى حول الاستقرار المالي، أهمية تعزيز الاستقرار المالي في إفريقيا لمواجهة التحديات المتنامية، بما في ذلك التغيرات المناخية والتحول الرقمي.
وقال الجواهري خلال فعاليات المنتدى الإقليمي الذي عقد اليوم بمدينة الرباط، إن “الاستقرار المالي يُعدّ حجر الزاوية لأي سياسة تنموية، خاصة في ظل التحديات العالمية والإقليمية التي تعيشها القارة، مثل الأزمات المناخية وآثار الرقمنة”.
وأشار والي بنك المغرب إلى أن السلطات المغربية تعمل على مواجهة هذه التحديات من خلال سياسات استباقية تهدف إلى تعزيز مرونة الأنظمة المالية.
دعم مالي
وأوضح المسؤول أن المخاطر المناخية تشكل أحد أبرز التحديات التي تواجه البنوك المركزية، حيث إنها لم تعد مجرد تحدٍ بيئي، بل أصبحت تؤثر مباشرة على استقرار النظام المالي.
وأضاف أن بنك المغرب، بالتعاون مع شركاء دوليين، أطلق دراسة لتقييم تأثير هذه المخاطر على القطاع المصرفي المغربي، مؤكدا: “لقد اتخذنا إجراءات عملية لإدماج هذه المخاطر ضمن استراتيجيات القطاع البنكي، بما في ذلك إطلاق استراتيجية وطنية للتمويل المناخي تمتد حتى عام 2030”.
وكشف والي بنك المغرب عن حصول المملكة على دعم مالي بقيمة 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، ما يعكس التزامها الدولي بمكافحة التغيرات المناخية وتعزيز مرونة اقتصادها.
وأشار عبد اللطيف الجواهري، إلى البنوك المركزية أطلقت دورة تشديد نقدي تُعد من الأسرع والأكثر اتساقًا في التاريخ، في إطار جهودها لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم.
مخاطر اقتصادية متنامية
وأورد بالقول: “تمكنت البنوك المركزية من كبح التضخم دون التسبب في حدوث ركود اقتصادي، وهو إنجاز تاريخي بامتياز. لكن هذه الإجراءات لم تكن دون تداعيات، إذ ظهرت مخاطر تهدد الاستقرار المالي”.
وأوضح والي البنك أن هذه المخاطر تجلت في “الاضطرابات التي عرفتها الأنظمة البنكية في سويسرا والولايات المتحدة”، والتي أشار إلى أنه قد تم احتواؤها بسرعة وفعالية.
وفيما يتعلق بالقارة الإفريقية، لفت الجواهري إلى التأثيرات العميقة للصدمات المناخية والتحولات الجيواقتصادية، قائلاً: “العديد من بلدان إفريقيا تعاني بشدة من آثار تغير المناخ، على الرغم من أن مساهمتها في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تُعد منخفضة للغاية مقارنة بدول أخرى”.
وشدد المتحدث على أن هذه التحديات تضع القارة أمام ضرورة تعزيز سياساتها للتكيف مع تغير المناخ، مع التركيز على دعم الاستقرار المالي ومواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذه التحولات.
وحسب والي البنك فإن إفريقيا تواجه مخاطر اقتصادية متنامية خلال العقد الأخير، مسجلا ارتفاع الدين الخارجي للقارة من أقل من 20% إلى حوالي 30% من الناتج الداخلي الإجمالي، كما نبه إلى تضاعف نسبة الدين الخارجي مقارنة بالصادرات لتصل إلى حوالي 140%.
التهديدات السيبرانية
وفي سياق التطورات التكنولوجية السريعة، أشار الجواهري إلى أن “وتيرة الثورة الرقمية وتقدم الذكاء الاصطناعي تضع العديد من الدول الإفريقية في موقف صعب، بسبب ضعف استعدادها للاستفادة من الفرص المتاحة”، مؤكدا أن هذه التحولات تزيد من التحديات، خصوصًا مع تصاعد التهديدات السيبرانية، ما يؤدي إلى “توسيع الفجوة بين دول القارة ودول الشمال”.
رغم هذه التحديات، شدد الجواهري على أن إفريقيا تمتلك إمكانيات هائلة لتحقيق التنمية والنهوض، معتبرًا أن رأسمالها البشري يمثل أحد أهم ركائزها، موضحا أن القارة تزخر بساكنة شابة ذات معدل نمو سريع، فضلًا عن موارد طبيعية غنية، بما في ذلك أراضٍ زراعية خصبة ومعادن ثمينة.
وأضاف المتحدث في كلمته أن الدولة الإفرقية واعية بضرورة تولي زمام الأمور بأنفسهم، مستدلًا بالمبادرات القارية المهمة التي شهدتها السنوات الأخيرة، وعلى رأسها منطقة التجارة الحرة القارية، التي تعكس الرغبة في تعزيز التعاون والتكامل الإقليمي.
الأصول المشفرة
وفيما يتعلق بالتكنولوجيا المالية، أكد والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، على أهمية التصدي للتحديات المرتبطة بالأصول المشفرة منذ عام 2017، مشيرًا إلى أن السلطات المغربية بادرت في البداية بتوعية الجمهور بالمخاطر المرتبطة بهذه الأصول، ومع التطورات الدولية في هذا المجال، تبنى المغرب نهجًا تنظيميًا يهدف إلى حماية المستخدمين والمستثمرين مع الاستفادة من الابتكارات الرقمية.
وكشف الجواهري عن إعداد بنك المغرب، بالتعاون مع الجهات المعنية ودعم البنك الدولي، مشروع قانون لتنظيم الأصول المشفرة، وهو حاليًا في طور الاعتماد.
وفيما يتعلق بالعملات الرقمية للبنوك المركزية، أوضح المتحدث أن المغرب يعمل منذ أكثر من ثلاث سنوات على مشروع يهدف إلى استباق الخيارات الاستراتيجية للبنك المركزي في هذا المجال، وقال إن المشروع يهدف إلى تعزيز الشمول المالي ودراسة تأثير هذه العملات على السياسة النقدية والاستقرار المالي، مع الأخذ بعين الاعتبار السياق الوطني والدولي.
وأوضح والي البنك أن الأمن السيبراني يمثل أولوية قصوى، خصوصًا في القطاع المالي، ولهذا الغرض، أنشأ بنك المغرب مجموعة متخصصة تضم فاعلين في النظام المالي وهيئات تنظيمية. كما انضم إلى هيئات دولية متخصصة لتبادل الخبرات والمعلومات في هذا المجال.
ودعا الجواهري إلى تعزيز التعاون على مستوى القارة الإفريقية لتخفيف المخاطر المرتبطة بالابتكارات التكنولوجية واستغلال الفرص التي تتيحها.
يذكر أن المنتدى يعقد على مدار يومين (26 و27 نونبر) تحت رعاية بنك المغرب، بالشراكة مع وزارة الاقتصاد والمالية والهيئة المغربية لسوق الرساميل وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، ويهدف هذا الحدث إلى تحليل أبعاد الاستقرار المالي وتسليط الضوء على المخاطر المتزايدة الناجمة عن التطورات الجيوسياسية والجيواقتصادية التي تؤثر على إفريقيا والعالم أجمع.
المصدر: العمق المغربي