الجفاف يجمد الحياة في مناطق الواحات
يبدو أن غالبية ساكنة واحات الجنوب الشرقي للمغرب بدأت تفكر في النزوح أو الهجرة إلى المدن الداخلية، بسبب الجفاف الذي يهدد المنطقة خلال السنوات الأخيرة، مع تسجيل تراجع في الموارد المائية، بالرغم من الإجراءات والتدابير المتخذة من قبل مختلف القطاعات العمومية، وعلى رأسها وزارة الداخلية، لإنهاء هذه الأزمة.
وبات واضحا أن سكان الواحات بالجنوب الشرقي للبلاد لا يشعرون بالاطمئنان بخصوص مستقبل المياه في هذه المناطق، الأمر الذي دفع بالمئات من الأسر إلى طرح ممتلكاتها وأراضيها للبيع والهروب نحو مدن الداخل لضمان شربة ماء ومستقبل لأبنائها تتمنى أن يكون أفضل.
في تصريحات استقتها هسبريس من بعض المسؤولين في القطاعات المعنية بالماء بأقاليم جهة درعة تافيلالت، فإن الوضع المائي في الجنوب الشرقي ما زال إلى حد الساعة تحت السيطرة، لكنهم لم يخفوا تخوفهم من اشتداد الأزمة في الشهور المقبلة، خاصة مع تسجيل شح الأمطار واستمرار الجفاف وتراجع الموارد المائية.
وأكدت الجهات ذاتها أنه بتعليمات ملكية، اتخذت القطاعات المكلفة بالماء، على رأسها وزارة الداخلية، مجموعة من التدابير والإجراءات والخطوات من أجل تجاوز مشكلة المياه في الجنوب الشرقي، متوقعة حل الأزمة بشكل نهائي خلال السنوات الأربع المقبلة.
واحات تتجه للزوال
تواجه واحات الجنوب الشرقي للمغرب (من طاطا إلى فجيج) خطر الزوال بسبب الجفاف الذي تتعرض له خلال السنوات الأخيرة وازدياد الكوارث الطبيعية، ما يتطلب تحركا سريعا لنجدتها.
وخلال إعداد هسبريس هذا الربورتاج، عبرت ساكنة الواحات عن مخاوفها من المستقبل المجهول، مؤكدة أن خطر الجفاف حقيقي لا مبالغة فيه، وأن نسبة الواحات في الجنوب الشرقي بدأت تتقلص تدريجيا سنة بعد سنة، وهناك آلاف الهكتارات من الواحات اختفت بشكل مفاجئ في السنوات الثلاث الماضية.
عبد العالي آيت إبراهيم، من ساكنة واحة درعة (إقليم زاكورة)، قال إن مجموعة من العوامل تساهم في التهديدات التي تواجه واحات الجنوب الشرقي، منها ما هو يتعلق بالجفاف والتغيرات المناخية، ومنها ما يرتبط بالعامل البشري الذي ساهم في وقت سابق في ضياع ملايين المترات المكعبة من المياه في زراعات موسمية.
ولفت المتحدث لهسبريس إلى أن ارتفاع الحرارة أيضا يهدد ما تبقى من الواحات بالزوال، لما له من تأثير كبير على الموارد المائية، مشيرا إلى أن الوضع الفلاحي والمائي وحتى الواحي بالجنوب الشرقي جد مقلق وخطير، لا يمكن الاختلاف في ذلك، داعيا “القطاعات المركزية إلى التحرك بشكل عاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان”.
من جهته، أكد جمال بن يشو، فاعل بيئي بإقليم الرشيدية، أن واحات الجنوب الشرقي، وخاصة بالرشيدية وورزازات وزاكورة، مهددة بالزوال في غضون السنوات المقبلة بسبب موجة جفاف غير مسبوقة، مضيفا أن “أزمة الجفاف والتصحر وانعكاساتها الخطيرة على ساكنة الواحات تدفع المئات من الأهالي إلى النزوح عن أراضيهم، فارين من ندرة المياه التي تهدد الحياة والتنمية في مناطق الواحات بشكل عام”.
درعة بدون ماء
من بين المشاكل الكبيرة التي تواجه بعض الواحات في الجنوب الشرقي للبلاد، نضوب مياه الأودية، وخاصة وادي درعة الذي يخترق عددا من جماعات إقليم زاكورة، انطلاقا من سد المنصور الذهبي بورزازات وسد أكدز، حيث لم تعد حتى الطيور تجد ما تروي به ظمأها، وهو ما تبينه عدد من الصور التي التقطتها جريدة هسبريس الإلكترونية لهذا الواد بالتصوير الجوي.
في هذا الإطار، قال زايد، فلاح بتانسيخت، إن الوادي قد جف بسبب توالي سنوات غياب المطر، مضيفا أن الوادي حاليا “يشبه صحراء قاحلة، والفلاحين بدورهم يواجهون أخطر موجة جفاف لم تسجل المنطقة مثيلا لها في عقود”.
وأردف زايد، في تصريح لهسبريس، أن “الدولة كانت في السنوات الماضية تبادر إلى إطلاق بعض الحمولات من سد المنصور الذهبي لتوفير المياه في هذا الوادي، لكن بسبب تراجع منسوب السد وتوالي الجفاف، توقف ذلك، مما أثر بشكل كبير على الموارد المائية وعلى المحاصيل الفلاحية”.
تطويق أزمة الماء
يثير نقص الموارد المائية قلقا في مناطق الواحات بالمملكة المغربية، وذلك في ظل شح الأمطار الناجم عن آثار تغير المناخ، بيمنا يدعو خبراء إلى “حوكمة” استهلاك هذه المادة الحيوية حتى لا يزداد الوضع سوءا.
مسؤولون ببعض وكالات الأحواض المائية بالجنوب الشرقي ومسؤولو وزارتي الداخلية والفلاحية أكدوا جميعا، في تصريحات متطابقة لهسبريس، أنه من أجل تطويق أزمة الماء، وبتعليمات ملكية، تم اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات، وهناك مجهودات كبيرة في هذا الصدد.
وطالب هؤلاء المسؤولون المواطنين بـ”ترشيد استعمال المياه أمام الوضعية المائية الراهنة والمقلقة التي تعرفها البلاد بشكل عام”، ودعوا الجمعيات إلى “القيام بدورها من خلال إطلاق حملات تحسيسية واسعة لتوعية المواطنات والمواطنين بضرورة الحفاظ على الماء”.
وشدد مسؤول بقطاع الفلاحة على أن “الجميع، وليس فقط المسؤولين، عليهم التحرك من أجل تطويق أزمة الماء، من خلال التحسيس والتوعية بالإجراءات البسيطة لتوفير المياه، وكيفية ترشيد استهلاكها، ومكافحة إهدار المياه في الحياة اليومية، وتحسيس الأسر المغربية بالتكاليف الباهظة المترتبة عن ضياع المياه”.
المصدر: هسبريس