في الوقت الذي يراكم فيه المغرب جملة من الانتصارات الدبلوماسية، فيما يتعلق بقضية الوحدة الترابية، ظهرت مؤشرات على السطح تكشف أن جبهة البوليساريو صارت تشكل عبئا ثقيلا على النظام الجزائري الذي يحتضنها على أراضيه ويوفر لها الدعم.

ومن أبرز هذه المؤشرات التي تدعم هذه القراءة، تواتر اعتداءات الجيش الجزائري على الصحراويين المحتجزين في المخيمات، كان أبرزها في الأسابيع الماضية مقتل 3 منقبين عن الذهب بطائرة جزائرية بدون طيار.

وفي مؤشر آخر، شرعت الجزائر مؤخرا في اتخاذ إجراءات تقشفية تهدف إلى ترشيد النفقات، بالتزامن مع انهيار أسعار النفط، وشملت هذه الإجراءات تقليص الدعم الخارجي، خصوصا الموجه لجبهة البوليساريو.

وفي فبراير الماضي، أثار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون غضبا داخل جبهة البوليساريو، عندما قال في تصريحات لصحيفة “لوبينيون” الفرنسية إن بلاده تمنع وتـرفض “لحد الآن” دعم الجبهة الانفصالية بالأسلحة، بالرغم من أن الجبهة طالبت بذلك.

وبعد هذا التصريح، تداول مجموعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الموالين للبوليساريو تسجيلا صوتيا منسوبا للقيادي في الجبهة وشقيق مؤسسها، البشير مصطفى السيد، يوجه فيه انتقادات للجزائر، التي قال إنها “لا ترغب في أن تصل في دعمها للجبهة حد الدخول في حرب مع المغرب، وأنها تخدم مصالحها الخاصة فقط”.

ورطة استراتيجية

وفي هذا الصدد، يرى مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، أن العلاقة بين الجزائر والبوليساريو باتت تعرف نوعا من الفتور، إذ لم تعد الجبهة الانفصالية تشكل “فرس الرهان” للجارة الشرقية، بينما اعتبر رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان محمد سالم عبد الفتاح أن الجبهة أصبحت تشكل “ورطة استراتيجية، وورما سياسيا” للجزائر.

وسجل الفاتحي، في تصريح لجريدة “العمق”، انخفاضا في مستوى العلاقة بين الجزائر وجبهة البوليساريو، تقديرا لتراجع أداء الجبهة، “إذ لم تعد الأخيرة بالنسبة للجزائر فرس الرهان المعول عليه في نزاعها الإقليمي مع المملكة المغربية”.

أما محمد سالم عبد الفتاح، فقد أشار، في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن طبيعة العلاقة التي تجمع الجزائر بالبوليساريو بدأت بالاحتضان والدعم المطلق، “ضمن سياسة الحرب بالوكالة التي انتهجتها الجزائر ضد المملكة المغربية”.

وأضاف أن هذه العلاقة تحولت تدريجيا إلى “علاقة غير متكافئة يسودها التوتر والتضييق، وتشير إلى إرهاق الدولة الجزائرية من استمرار هذا الوضع، سياسيا وماليا وأمنيا، خاصة في ظل احتراق ورقة الجبهة الانفصالية وتجاوزها ضمن معادلة النزاع المفتعل”.

هذا التمويل اللامحدود كلف الجزائر الكثير من الأزمات الدبلوماسية مع العديد من الدول التي لها تأثير في العلاقات الدولية، وهو ما دفعها لإعادة النظر في تقييم علاقاتها مع البوليساريو، “على الأقل للتحكم في ضبط ملف ما بعد حل نزاع الصحراء على أساس مبادرة الحكم الذاتي”، يقول عبد الفتاح الفاتحي.

وأوضح مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، أن مطالب تقييم حصيلة الدعم الجزائري للجبهة باتت محط مساءلات داخلية ودولية عن طبيعة هذه العلاقة بينهما، وهل أن مناصرة الشعار يخول للجزائر سخاء بالغا.

تواتر الانتهاكات

وبرزت خلال السنوات الأخيرة مؤشرات على الأرض تشير إلى إرهاق الدولة الجزائرية من استمرار هذا الوضع، سياسيا وماليا وأمنيا، خاصة في ظل احتراق ورقة الجبهة الانفصالية وتجاوزها ضمن معادلة النزاع المفتعل، يقول رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، محمد سالم عبد الفتاح.

في مقدمة المؤشرات، يضيف المتحدث، تبرز المعطيات الميدانية المرتبطة بتواتر حوادث القمع والانتهاكات التي يرتكبها الجيش الجزائري بحق سكان مخيمات تندوف، بما في ذلك عمليات إطلاق النار المباشر على محتجزين عزل، حاولوا الهروب أو امتهنوا التنقيب عن الذهب بشكل غير مرخص.

هذه الحوادث التي ما فتئت تتكرر، بحسب محمد سالم عبد الفتاح، تعكس نوعا من الاحتقان الأمني المتزايد إزاء الوضع الداخلي للمخيمات، كما تعكس فقدان الثقة في قيادة البوليساريو، التي لم تعد تسيطر فعليا على الشباب الغاضب أو على الفئات التي بدأت تتمرد على وضعها المعيشي المزري.

ومثل هذه الاعتداءات لا يمكن فصلها عن حالة السخط العارمة داخل المخيمات، الناجمة عن سنوات من التهميش وسوء التسيير واحتكار قيادة الجبهة لمقدرات الإغاثة والمعونات الدولية، في ظل غياب آفاق للحل السياسي، وانسداد الأفق أمام الأجيال الجديدة، بحسب تعبير المتحدث.

سياسة تقشف

في السياق ذاته، أوضح محمد سالم عبد الفتاح أن الجزائر نهجت في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ أزمة انهيار أسعار النفط، سياسة تقشفية صارمة شملت معظم القطاعات الحيوية، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على قدرتها في توفير الدعم اللازم للبوليساريو.

وأشار أيضا إلى تفاقم الوضع الإنساني المحتقن بتقليص الجهات المانحة لمساهماتها المالية الموجهة لمخيمات تندوف، نتيجة الارتفاع المسجل على المستوى الدولي في أسعار المواد الغذائية وزيادة نسب التضخم، فضلا عن تراجع عديد الداعمين للبوليساريو عن مواقفهم السابقة.

و”في ظل العزلة التي يعانيها المشروع الانفصالي، تزداد تبعات التكلفة العالية التي باتت تمثلها الجبهة على ميزانية الدولة الجزائرية، التي تواجه تحديات داخلية متفاقمة، من تراجع القدرة الشرائية للمواطنين إلى تفاقم البطالة والاحتجاجات الاجتماعية”، يقول رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان.

وبعدما كانت تعتبر الجزائر البوليساريو ورقة استراتيجية لمقارعة المغرب إقليميا، “باتت تدرك، على الأرجح، أن استمرار هذا الوضع أصبح أكثر كلفة من المكاسب المحتملة، فالدعم المفتوح الذي كان في السابق أداة للتأثير، تحول إلى عبء على مستوى صورة النظام الجزائري في الخارج”، يقول المصدر ذاته.

ويواجه النظام الجزائري، يقول محمد سالم عبد الفتاح، انتقادات متزايدة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في المخيمات، وسوء تدبير المساعدات الإنسانية، وغياب أي حل حقيقي ينهي معاناة عشرات الآلاف من المحتجزين.

و”الأخطر من ذلك، أن الجزائر تجد نفسها اليوم مطالبة، أمام شركائها الدوليين، بتبرير تمويلها لحركة مسلحة مصنفة ضمن النزاعات المجمدة، في وقت تتنامى فيه الضغوط الدولية من أجل إنهاء النزاعات المفتوحة وإدماجها في منطق التنمية والاستقرار”، بحسب تعبير المتحدث.

وخلص إلى أن البوليساريو لم تعد تمثل فقط عبئا اقتصاديا على الدولة الجزائرية، “بل أصبحت تشكل كذلك ورطة استراتيجية، وورما سياسيا يصعب التخلص منه دون دفع ثمن سياسي كبير، وهو ما قد يفسر حالة التخبط والصمت التي تميز السلوك الجزائري الرسمي إزاء تصاعد الاحتقان داخل المخيمات”.

واعتبر أن النظام الجزائري بات اليوم أمام مفترق طرق؛ “إما أن يواصل استنزاف موارده في دعم مشروع انفصالي متآكل فقد مبرراته ومصداقيته، أو أن ينخرط في مقاربة واقعية تضع مصلحة شعوب المنطقة فوق منطق العداء العبثي للمملكة، الذي باتت نتائجه عكسية على النظام الجزائري”.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.