الجزائر تهديد حيوي للمغرب.. والقبائل تأمل فتح تمثيل دبلوماسي بالرباط
قال فرحات مهني، زعيم الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل بالجزائر (الماك) ورئيس حكومة القبائل المؤقتة في المنفى (أنافاد)، إن “الجزائر لا تهتم بشكل مطلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وإنما تستخدمه فقط كأداة لزعزعة الاستقرار الجيوسياسي لخصومها”، مشددا على أنها “ستشكل دائما تهديدا حيويا للمغرب والجيران الآخرين، بغض النظر عن النظام السياسي القائم”، مبرزا في الوقت ذاته أنه “فقط استقلال القبائل، سيكون قادرا على تخفيف هذا الخطر أو حتى القضاء عليه”.
وأشار مهني، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “الجزائر لم يكن لها أي وجود تاريخي قبل حرب الاستقلال. ولذلك، فهي تحاول أن تبقي على باريس كعدو أبدي لها من أجل إضفاء الشرعية على وجودها”، مشددا في الوقت ذاته على أن “منطقة القبائل تنتظر الاعتراف بها من قبل العديد من الدول، بما في ذلك إسرائيل. تماما كما تتطلع إلى فتح تمثيل دبلوماسي في الداخلة والرباط”.
نص الحوار:
مرت أكثر من 20 سنة على تأسيس حركة استقلال القبائل .. ما هو تقييمكم للجهود التي بذلتموها، طيلة هذه المدة، في سبيل تحقيق مطلب استقلال منطقة القبائل عن الجزائر؟
أولا، لقد ناضلنا، بشكل سلمي وعلى مدى جيل كامل، من أجل أن تنال القبائل حريتها، تحت قيادة “الماك”. ولا بد من التذكير، في هذه الصدد، بأن هذه المعركة واجهت عوائق كبيرة في الميدان؛ فمن جهة هناك الإيديولوجية الجزائرية التي حاولت تقويض مطالبنا. ومن جهة أخرى، كان حزبان سياسيان هما “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية” و”جبهة القوى الاشتراكية” يسيطران على المشهد السياسي القبائلي.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإننا قد نجحنا في جعل “الماك” منظمة تحرير وطني وأول قوة سياسة في منطقة القبائل؛ بل وأصبحت لدينا بنية صلبة ومتجذرة إلى حد كبير في المجتمع.
وهنا، لا بد أن أشير إلى أن إعلان 05/06/2001، الذي اقترحنا بموجبه الحكم الذاتي الإقليمي كحل للأحداث الدموية التي هزت منطقة القبائل وللأحداث المتوقعة التي أحزنتنا لاحقا، كان بمثابة نقطة القطيعة مع مجرد المطالب اللغوية للحركة الثقافية البربرية؛ تلك المطالب التي رددتها الطبقة السياسية في منطقة القبائل بأكملها. وما أن أدركنا، بعد بضع سنوات، أنه كان من السهل علينا الحصول على استقلالنا بدلا من انتزاع الحكم الذاتي الإقليمي، حتى طورنا خطابنا في العام 2013 من خلال تحديد مسار نهائي لحق شعب القبائل في تقرير المصير واستقلال القبائل بالوسائل السلمية.
ومنذ سنة 2014، تعرضنا لقمع كبير على أيدي قوات الشرطة وبعض الأحزاب السياسية التي تشكل امتدادا للأطروحات الاستعمارية للنظام العسكري الجزائري. وتحول هذا القمع، منذ سنة 2021، إلى إرهاب دولة ضد القبائل؛ ففي غضون سنتين، ألقي القبض على آلاف القبائليين وتعرضوا للتعذيب في السجون لا لشيء إلا لكونهم محبين للحرية، إضافة إلى منع ما يقرب من 100 ألف مواطن من مواطنينا من مغادرة التراب الجزائري.
ورغم كل هذا القمع والمضايقات، فقد عملنا على تعزيز صفوف “الماك” داخل المجتمع. كما تعمل حكومة القبائل المؤقتة الموجودة في المنفى، والتي تأسست بتاريخ 06/01/2010، على منح القبائل السمات الأساسية للسيادة وتعمل تدريجيا على رسم بنية الدولة القبائلية المستقلة.
طيب، لكن ورغم كل هذه الجهود ما زالت الجزائر ترفض مطالبكم بـ”تقرير المصير” وتعتبركم منظمة إرهابية، مقابل دعمها لحق ما يسمى الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.. ما تعليقك على ذلك؟
هذا يُثبت أن الجزائر لا تهتم بشكل مطلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وإنما تستخدمه فقط كأداة لزعزعة الاستقرار الجيوسياسي لخصومها. وكما أكد سعادة السيد عمر هلال، الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة: “إن شعب القبائل الباسل يستحق، أكثر من أي شعب آخر، التمتع الكامل بحقه في تقرير المصير”.
لكن هناك من يعتبر أن المطالب التحررية في القبائل ومناطق أخرى بالجنوب “لا تحضر في أرض الميدان”، أي أنها مرتبطة فقط بأصوات في الخارج. كيف تردون على ذلك؟
هذا غير صحيح، يمكنك فقط تصفح موقع “يوتيوب” لتجد عددا هائلا من مقاطع الفيديو الخاصة بمسيراتنا والتي تثبت خلاف ذلك. وإذا كان الحديث هنا عن كوننا لم نُنظم في عامي 2022 و2023 مظاهرات ومسيرات في منطقة القبائل، كما فعلنا حتى عام 2021 بمناسبة ذكرى 20 أبريل، فإن إرهاب الدولة، الذي لا نريد تعريض السكان له، هو الذي دفعنا إلى ذلك، فنحن لا نريد أن نحول القبائل إلى حمام دم.
أضف إلى ذلك أننا اليوم إذا أردنا تقييم مظاهر قوتنا من خلال مسيراتنا في فرنسا وأمريكا الشمالية، فيجب علينا أيضا أن نقيمها كذلك من زاوية السجون الاستعمارية الجزائرية المليئة بمناضلينا والمتعاطفين معنا، فضلا عن عدد المحاكمات العنصرية الفاضحة ضد القبائل التي تشكل الجزء الأكبر من الأخبار في الجزائر.
وأنا على يقين أنه بمجرد أن تتاح للقبائل مرة أخرى الشروط والوسائل اللازمة من أجل استقلالها، ستكون شوارع المدن القبائلية أكثر إثارة للإعجاب من أي شيء عاشته الجزائر حتى الآن.
الجزائر ترفض كذلك فتح صفحة جديدة في العلاقات مع المغرب، رغم تجديد الملك محمد السادس دعوته إلى إليها في خطاب العرش الأخير.. في نظركم، لماذا تصر الجزائر على نهج سياسة الآذان الصماء تجاه هذه الدعوات المغربية؟
لا يمكن للمغرب أن يقضي وقته في دعوة الجزائر إلى طي صفحة عدائها له، فقد تعلمت الرباط كيفية تستغني عن الجزائر وتحقق راحتها في هذا الصدد؛ ذلك أن الجزائر بنظامها العسكري لا تتوقع سوى أن تخضع لها المملكة المغربية، كما أن العسكر في الجزائر يمكن أن يفهموا عروض الحوار هذه أنها علامات ضعف.
وإذا كان الموقف المسؤول، منطقيا وكما هو الحال في جميع أنحاء العالم، هو محاولة العيش في محيط إقليمي هادئ واحترام مبادئ حسن الجوار؛ إلا أنه وعندما يكون عداء الجار واضحا جدا، فمن الضروري ليس فقط الانتباه إلى ذلك ولكن أيضا توقع الأسوأ.
دون أن ننسى أن الجزائر، وبدعم روسي خاصة عن طريق مجموعة فاغنر، تريد عزل المغرب عن محيطه من خلال السيطرة على مالي، ومحاولة السيطرة السنغال وموريتانيا قريبا. وبمجرد تحقيق هذه الأهداف، لن تردد الجزائر في محاولة السيطرة على المملكة المغربية هي الأخرى.
وأخيرا، فإن الجزائر، وكما تصورها الاستعمار، ستشكل دائما تهديدا حيويا للمغرب والجيران الآخرين، بغض النظر عن النظام السياسي القائم في الجزائر العاصمة، وفقط استقلال القبائل سيكون قادرا على تخفيف هذا الخطر أو حتى القضاء عليه.
كنتم قد أرسلتم رسالة إلى المغرب، شكرتم من خلالها الدبلوماسية المغربية على دعمها لمطلب استقلال الشعب القبائلي، في المقابل السلطات الجزائرية تتهمكم بتلقي أموال من المغرب وإسرائيل لضرب استقرار الجزائر.. ما مدى صحة هذا الأمر؟ وما طبيعة الدعم الذي تتلقونه من المغرب؟
كل ما يمكن أن أقوله في هذا الإطار هو أنه من حق وواجب القبائل أن تهنئ أي بلد أو منظمة سياسية تدعم استقلالها، بغض النظر عن الطريقة أو الطبيعة التي يتم بها ذلك. كما يحق لها أيضًا أن تتوقع المساعدة من أي مكان تأتي منه من أجل قضيتها السلمية؛ وبالتالي فإن القبائل لن تبرر خطواتها وتفسرها بعد الآن في مواجهة الاتهامات الكاذبة التي لا أساس لها من الصحة، ولن نضيع وقتنا في قول من يدعمنا أو كيف يتم دعمنا.
في ما يخص التقارب الجزائري الفرنسي الأخير، هل أثر على أنشطتكم داخل التراب الفرنسي؟ وهل واجهتم أية مضايقات من لدن السلطات الفرنسية على خلفية هذا التقارب؟
أولا، فالتقارب الأخير بين فرنسا والجزائر، كما كنا مقتنعين بذلك في السابق، لا يمكن أن يكون له أي مستقبل؛ ذلك أنه ولد ميتا، لأن الجزائر أدارت ظهرها بشكل نهائي لأي اتفاق استراتيجي محتمل مع فرنسا ومع حلف شمال الأطلسي، بتوجهها نحو موسكو وبيكين.
وبالإضافة إلى هذا الاصطفاف الجيوستراتيجي المناهض للغرب، لم يكن للجزائر وجود تاريخي قبل حرب الاستقلال ضد فرنسا. لذلك، فهي تحاول أن تبقي على باريس كعدو أبدي لها من أجل إضفاء الشرعية على وجودها. كما أن استرضاء الذكريات الجزائرية التي تم التذرع بها في باريس هي بدعة فرنسية.
إن الدولة الفرنسية لديها كل الفرص مع المغرب لإبرام اتفاقات موثوقة ودائمة. أما بالنسبة لعواقب ذوبان الجليد الجزائري الفرنسي المحتمل على أنشطتنا، فلدينا ثقة كاملة في فرنسا، وفي سيادة القانون وفي ديمقراطية هذا البلد. وشخصيا، لدي وضع لاجئ سياسي هناك؛ وهو الوضع الذي تؤطره وتحميه اتفاقيات جنيف، وأنا معجب بفرنسا وأعيش هناك بسعادة.
أنت محكوم عليك رفقة مجموعة من أعضاء الحركة بأحكام قضائية عديدة في الجزائر بتهمة إنشاء وتسيير منظمة إرهابية والمساس بأمن الدولة.. ما تعليقكم على هذه الأحكام الصادرة في حقكم؟
لقد حكم عليّ بالفعل بعقوبة الإعدام خمس مرات، وثلاثين مرة بعقوبة السجن مدى الحياة، ومرات عديدة بالسجن لمدة 20 عاما.. وأنا حقيقة لا أهتم بمصيري؛ لكن ما يشغل تفكيري هم أولئك الذين يقبعون في السجون والذين تعرضوا لعنف لا يوصف.
أدعو الدول والمنظمات غير الحكومية المعنية إلى العمل على احترام حقوق الإنسان، وأدعو الأمين العام للأمم المتحدة وهيئات الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي إلى المطالبة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن هؤلاء النشطاء السلميين المدانين بتهم تعسفية وفي محاكمات عنصرية غير عادلة. كما أرفض السماح بتجريم المطالبة السلمية بحق القبائل في تقرير المصير، الذي يمتثل لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية اللذين صادقت عليهما الجزائر، كما أن مطالبنا تتماشى والقرار الأممي رقم 1514 لعام 1960.
أما بالنسبة لوصفنا بـ”الإرهابيين”، فلا يوجد إرهابي في هذه القضية إلا الجيش الجزائري الذي يستغل العدالة الرديئة ويسيء استخدام القانون الدولي من خلال إصدار مرسوم تعريف للإرهاب في تحد للمعايير التي وضعتها الأمم المتحدة.
وما يجب أن نشير إليه عند الحديث عن هذا السلوك الإجرامي للحكومة الجزائرية تجاه “ماك” والنشطاء السياسيين في القبائل هو نتيجته العكسية التي جاءت خلافا لتوقعات الجزائر التي سعت إلى إضعاف المطالبة بالاستقلال؛ بينما لم يؤد القمع إلا إلى إضفاء المزيد من الشرعية على هذا المطلب في قلب مجتمع القبائل.
وبسبب تنامي هذه المطالب، يتم افتعال الحرائق، لمعاقبة القبائل على تمسكهم بقضية استقلالهم. ونتذكر، قبل عامين، حين اتهمت الجزائر “ماك” والمغرب وإسرائيل بالوقوف وراء الحرائق التي أودت بحياة أكثر من 500 شخص.
وهذا العام، لا يمكن ادعاء تورط حركة “الماك” في الحرائق؛ ذلك أن كل نشطاء الحركة يقبعون في سجون الجزائر. ومن ناحية أخرى، فإن الجزائر تتبع سياسة الأرض المحروقة في منطقة القبائل بحيث تصبح، عند استقلالها، صحراء بالفعل؛ لكننا سوف نتغلب على كل هذه الصعوبات. كما أن كل هذه الجرائم ضد القبائل هي التي تضفي في الحقيقة الشرعية على حق القبائل في استقلالها وتعززه أكثر.
كنتم قد أشدتم بالاعتراف الإسرائيلي الأخير بمغربية الصحراء، في وقت تصر فيه الجزائر على أن التحالف المغربي الإسرائيلي تهديد لأمنها القومي.. كيف تنظرون إلى هذا الإصرار الجزائري على شيطنة العلاقات بين الرباط وتل أبيب؟ وهل تنتظرون دعم إسرائيل لمطلبكم؟
الجزائر مصابة بالهذيان، فلا إسرائيل ولا المملكة المغربية لديهما نوايا عدوانية تجاهها، ويبقى ما تدعيه الجزائر مجرد خطاب مخصص للاستهلاك المحلي في المقام الأول. أضف إلى ذلك أن التلويح في كل مرة بوجود تهديد لأمن البلاد هو مجرد وسيلة بالنسبة للسلطة من أجل إعطاء نفسها القاعدة الشعبية والشرعية التي تفتقر إليها بشدة منذ عام 1962.
أما منطقة القبائل، فهي تنتظر الاعتراف بها من قبل العديد من الدول، بما في ذلك إسرائيل، تماما كما تتطلع إلى فتح تمثيل دبلوماسي في الداخلة والرباط.
المصدر: هسبريس