أعلن وزير الشؤون الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، استعداد بلاده للقيام بوساطة من أجل إيجاد حل سياسي للنزاع الإقليمي حول الصحراء، مؤكدا أن الجزائر “لن تبخل بتقديم يدها” في هذا المسار، شرط أن تتم أي مبادرة ضمن الإطار الأممي المعتمد لمعالجة هذا الملف.

وأوضح عطاف خلال ندوة صحافية عقدها بداية الأسبوع بمقر الوزارة بالجزائر العاصمة أن اهتمام الجزائر بهذا النزاع نابع من قناعة راسخة بأن أمنها واستقرارها يشكلان جزءا لا يتجزأ من أمن محيطها الإقليمي، مضيفا أن “بلاده تتابع تطورات الملف باهتمام بالغ، لا سيما بعد التطور الذي وصفه بالمهم نهاية الشهر الماضي عقب اعتماد مجلس الأمن الدولي للقرار 2797 المتعلق بتجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء “المينورسو”.

وأشار الوزير الجزائري إلى أن بلاده حريصة على المساهمة في الدفع بالحل السياسي، مشددا على أن القرار الأخير لمجلس الأمن حافظ على حد تعبيره على “ثوابت الحل العادل والدائم”، وفي مقدمتها استمرار رعاية الأمم المتحدة للمسار السياسي وضرورة إجراء مفاوضات مباشرة بين أطراف النزاع، إلى جانب التوافق على الصيغة النهائية لأي حل مستقبلي.

وفي خضم نفيه لأي حوار ثنائي مع المغرب، تجاهل وزير الخارجية الجزائري الإشارات المتكررة التي وجّهتها المملكة المغربية عبر خطاباتها الرسمية ومبادراتها الدبلوماسية الداعية إلى فتح قنوات التواصل وتطبيع العلاقات بين البلدين. فرغم التأكيد المغربي المستمر على استعداد الرباط لمدّ يدها من أجل تجاوز مرحلة القطيعة وبناء علاقات طبيعية قائمة على الثقة والمسؤولية المشتركة، لم يُبدِ عطّاف أي تفاعل مع تلك الدعوات، مكتفيا بالقول إن الحوار “غير مطروح على الأجندة”، خلافا لروح الانفتاح التي عبّرت عنها المملكة في أكثر من مناسبة.

وتعكس تصريحات عطاف توجها واضحا نحو إبداء استعداد أكبر للانخراط في الجهود الأممية الخاصة بالملف، في سياق يشهد وفق مراقبين بداية استجابة تدريجية من الجزائر للضغوط الدولية الداعية إلى الانفتاح على مسار التسوية والتعاطي مع المبادرات الرامية إلى تهيئة مناخ الحوار قبيل الدعوة إلى عقد أولى جلسات المفاوضات المباشرة بين الأطراف.

وساطة وهمية

في هذا الصدد، قال أبا علي أبا الشيخ، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، إن التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية الجزائري بشأن عدد من القضايا الدولية الراهنة، وفي مقدمتها القضية الوطنية عقب قرار مجلس الأمن الدولي 2797، تندرج في سياق الداخلي الجزائري أكثر مما تعبر عن موقف دبلوماسي موجّه للخارج.

وذكر أبا الشيخ أن تشديد عطاف على الإطار الأممي يأتي في محاولة لتبرير التعثر الذي طبع تحركات الدبلوماسية الجزائرية في العديد من الملفات الخارجية، خاصة في مالي ودول الساحل، حيث ازدادت علاقات الجزائر بهذه البلدان توترا نتيجة تنامي محاولات التدخل في شؤونها الداخلية.

وأضاف عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن العلاقات بين الجزائر وفرنسا ما تزال تعيش حالة قطيعة سياسية ودبلوماسية واضحة، على الرغم من الإفراج عن المعارض الفرنسيالجزائري صنصال بوساطة ألمانية، مبرزا أن “عددا من الملفات العالقة بين البلدين لا تزال دون حلول، في وقت لم تنجح فيه الضغوط الجزائرية في تغيير موقف باريس من القضية الوطنية، رغم استعمال ملفات ذات طابع أمني وحقوقي واقتصادي لمحاولة تحقيق ذلك الهدف”.

وأوضح أن تصريح عطاف حول استعداد الجزائر للقيام بوساطة لحل النزاع يُرسل إشارة مفادها أن الجزائر أدركت أن مبادرة الحكم الذاتي باتت مطلبا دوليا ومرجعا أساسيا لأي حل واقعي ودائم، مشيرا إلى أن “إبداء الجزائر استعدادها للضغط على البوليساريو للقبول بالحل يندرج في إطار توجيه الرسائل إلى الداخل الجزائري، بإظهار أنها ليست طرفا مباشرا في النزاع، بل وسيطا، وأن القراروفق روايتهايخص الجبهة وحدها”.

وأورد المسؤول الاستشاري أن هذا الخطاب يحمل، في العمق، رسالة ضمنية موجهة إلى المجتمع الدولي، مفادها استعداد الجزائر للانخراط في مسار تفاوضي حول الحكم الذاتي، شرط الحفاظ على ما يسميه النظام الجزائري “ماء وجه الخارجية الجزائرية”، عبر الظهور في موقع المساهم والوسيط وليس الطرف المباشر في النزاع، رغم أن المعطيات السياسية والوقائع الميدانية تثبت خلاف ذلك.

وفي هذا السياق، أبرز أبا الشيخ أن تصريح عطاف يعكس بداية تحول حذر في الخطاب الرسمي الجزائري، في محاولة للتكيف مع التحولات الدولية المحيطة بالملف، ومع تزايد القناعة بأن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب هي الإطار الوحيد الذي يحظى بصدقية دولية ويشكل أساس الحل السياسي النهائي.

رحلة “دون كيشوت”

من جانبه، سجل سعيد بوشاكوك، باحث مهتم بقضايا التنمية والمجال، أن تصريح وزير الشؤون الخارجية الجزائري حول إمكانية لعب بلاده دور الوساطة بين المغرب وجبهة البوليساريو يأتي في سياق محاولة إظهار انخراط إيجابي في الجهود الأممية الرامية لإيجاد حل للنزاع، غير أن توقيته يطرح أكثر من سؤال حول خلفياته الحقيقية.

وأوضح بوشاكوك، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا الموقف الجزائري جاء متأخرا، ولم يُعلن خلال فترة التحضير لقرار مجلس الأمن 2797 الذي أنهى مرحلة من مسار النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، وفتح أفقا جديدا باعتبار مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية قاعدةً للحل، لافتا إلى أن “انسحاب الجزائر من جلسة التصويت يشكل مؤشرا واضحا على غياب الحياد ومخالفة لتوجهات الشرعية الدولية”.

وأكد الباحث في خبايا النزاع أن تصريح عطاف يفتقد للجدية والمصداقية، باعتباره محاولة لامتصاص الضغوط الدولية المتزايدة، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن محاولة الالتفاف على مضامين القرار الأممي الأخير الذي أكد صراحة أن الجزائر طرف رئيسي في النزاع وليست مجرد مراقب أو وسيط كما تروج له اليوم الدبلوماسية الجزائرية.

واسترسل المحلل السياسي ذاته قائلا: “إن هذا الخطاب لا يعدو أن يكون مناورة جديدة من مناورات النظام العسكري الجزائري لتهيئة الرأي العام الداخلي للتغيرات المتسارعة، في ظل فشل الدبلوماسية الجزائرية في تحقيق أي مكاسب ضد المصالح المغربية، سواء برفضها الاستجابة للدعوات الملكية المتكررة لسياسة اليد الممدودة، أو برفضها العودة إلى الموائد المستديرة كآلية أممية للحوار بين أطراف النزاع”.

وخلص بوشاكوك إلى أن ما يجري يشبه، في بعده الرمزي، رحلة “دون كيشوت” مع طواحين الريح في الأدب الإسباني ضمن قصة الدالمنشا(La Mancha)، حيث تصطدم السرديات الدعائية الجزائرية بواقع دولي جديد يفرض التعاطي الجدي مع المبادرة المغربية باعتبارها الإطار الواقعي الوحيد للحل.

المصدر: هسبريس

شاركها.