تترقّب الأنظار داخل أروقة مجلس الأمن الدولي مآل التصويت على مشروع القرار الأممي المنتظر حول نزاع الصحراء المغربية، وسط مؤشرات دبلوماسية تكشف عن تحوّل نوعي في مواقف عدد من الدول، على رأسها الجزائر، التي يبدو أنها تستعدّ لاعتماد موقف أكثر تحفظا هذه المرة، يعكس حرجها من مسودة القرار الأمريكي الجديد وما تتضمنه من توصيات داعمة للمقاربة المغربية.

وفي هذا الصدد، كشفت صحيفة “الخبر” المقربة من دوائر صنع القرار أن الجزائر تتجه نحو الامتناع عن التصويت على مشروع القرار الأممي المنتظر نهاية الشهر الجاري، بعدما تبين لها أن النص الجديد يتضمن إشارات واضحة إلى سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ويعتمد مبادرة الحكم الذاتي المقترحة سنة 2007 كأساس وحيد وواقعي لتسوية النزاع الإقليمي، موضحة أن “هذا التوجه يعكس إدراك الجزائر لتحول في التعاطي الأممي مع الملف لصالح المقاربة المغربية”.

ومن المرتقب، بحسب المصادر ذاتها، أن تكتفي الجزائر بالامتناع عن التصويت، حفاظا على موقعها الدبلوماسي وتفاديا للظهور في موقع المعارض الوحيد للإجماع الدولي، خاصة في ظل الدعم المتزايد الذي تحظى به مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها أرضية عملية لتسوية النزاع. وهو خيار لن يؤثر على مسار اعتماد القرار رسميا داخل مجلس الأمن، الذي بات يميل بوضوح نحو مقاربة الحل السياسي الواقعي المبني على التوافق.

امتناع دبلوماسي

بهذا الخصوص، قال عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكاووتش” المتخصصة في قضايا حقوق الإنسان، إن ما يروّج له الإعلام الجزائري منذ يومين بشأن امتناع السلطات الجزائرية عن التصويت على مشروع القرار الأممي المقترح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها حاملة القلم في ملف الصحراء المغربية، يؤكد ارتباك النظام الجزائري أمام التحول الحاصل في مواقف مجلس الأمن الدولي، الذي بات يعتبر مقترح الحكم الذاتي قاعدة وحيدة لبحث حل سياسي عادل وقابل للتطبيق، لإنهاء صراعٍ عمره خمسة عقود دون أن يلوح في الأفق أي تفاهم بين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية كطرفين رئيسيين في النزاع.

وتساءل الفاعل الحقوقي ذاته عن خلفيات جنوح الجزائر إلى مسطرة الامتناع عن التصويت، بدل التصويت ضد القرار كعضو غير دائم في مجلس الأمن، معتبرا أن “هذا الميل يعكس تأثر الموقف الجزائري باتجاهات الرأي الغالبة داخل المجلس، الداعمة لمغربية الصحراء ولمقترح الحكم الذاتي كأرضية وحيدة للتفاوض من أجل إنهاء هذا النزاع المفتعل”.

وحول معطيات الصحافة الجزائرية، قال الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن هذا الموقف يتقاطع مع ما تم تداوله من أخبار عن نية روسيا الامتناع عن التصويت بدل استخدام حق الفيتو، رغم دعوة الجزائر والبوليساريو إلى تفعيله بهدف إضعاف جهود المغرب السياسية والدبلوماسية الرامية إلى استكمال وحدته الترابية، في إطار القانون الدولي ومساعي الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي واقعي ومتوافق عليه، عوض الحلول التقنية التي أثبتت فشلها في معالجة تعقيدات الملف.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن هذا الموقف الجزائري “الاستكان” غير المعهود، يمكن فهمه على ضوء الموقف الروسي الموصوف بالحياد المتزن، الرامي إلى السماح للمسار التفاوضي بالتقدم نحو تسوية النزاع، بدل الإبقاء على حالة الجمود التي لم تحقق أي نتيجة تُذكر سوى معارضة التوجهات المغربية الساعية إلى طيّ الملف بشكل يضمن سلامة المملكة الإقليمية واستكمال وحدتها الترابية.

وأكد المحلل الصحراوي أن ما تخشاه الجزائر من إنهاء نزاع الصحراء المغربية ليس فقط ميل الكفة لصالح المغرب، بل أيضا تصاعد قوته الاقتصادية وتزايد تأثيره الجيوسياسي بالقارة الإفريقية وبالمنتديات الدولية ذات الصلة بالسياسة والاقتصاد وصناعة مناطق النفوذ، مضيفا أن “النظام الجزائري يعيش أزمة داخلية خانقة ويستمد استمراريته من الترويج لمواقفه الداعمة لجبهة البوليساريو، لتصريف أزماته المرتبطة بغياب نموذج ديمقراطي وطني يضمن الحقوق والحريات داخل الجزائر، بما في ذلك سكان مخيمات تندوف”.

وأورد الكاين أن إعلان الجزائر نيتها الامتناع عن التصويت، يحمل في طياته عجزا عن معارضة الموقف الأمريكي الصريح في سياسته الخارجية، رغم استمرارها في تحريض جبهة البوليساريو على رفض أي قرار لا يتماشى مع خياراتها المتعلقة بفرض تقرير المصير المؤدي إلى الانفصال وتقسيم أوصال المغرب.

وخلص عبد الوهاب الكاين إلى أن امتناع الجزائر عن التصويت يعكس خشيتها من تداعيات إنهاء النزاع، الذي قد يفتح الباب أمام تمدد النفوذ الاقتصادي للمغرب في القارة الإفريقية، وارتفاع وتيرة مطالبات مناطق مثل القبايل والطوارق بتطبيق نماذج الحكم الذاتي لحماية مجتمعاتها وتدبير مواردها، في ظل الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها السلطات الجزائرية ضدها، مبرزا أن “هذا المسار الجديد يجعل الجزائر أمام واقع سياسي ودبلوماسي أكثر تعقيدا من أي وقت مضى”.

نفسية انهزامية

من جانبه، سجل دداي بيبوط، فاعل سياسي باحث في التاريخ المعاصر والحديث، أن الحديث عن خلق توازن في إعداد واعتماد قرار جديد لمجلس الأمن حول الحالة في الصحراء المغربية وتمديد ولاية بعثة “المينورسو”، أصبح من الماضي لأسباب موضوعية، مشيرا إلى أن “تراجع تأثير الجزائر دوليا وتعاظم الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007، ساهما في تغيير مقاربة المجتمع الدولي للنزاع، بالنظر إلى ما وفره المقترح المغربي من إجابة جوهرية لقلق المنتظم الأممي بشأن مستقبل الإقليم، عبر تمكين الصحراويين من العيش بكرامة في أرضهم ضمن السيادة الوطنية المغربية”.

وأوضح بيبوط، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن ما تروّج له صحيفة “الخبر” الجزائرية ورديفاتها لا يعدو كونه صدى لنفسية انهزامية متجذّرة في النظام الجزائري، الذي فشل في التأثير على المواقف الدولية، خصوصا بعد أن واصلت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الحليفة السير في اتجاه دعم المقاربة المغربية، مضيفا أن “قصر المرادية حاول اختلاق أزمات دبلوماسية مع فرنسا وإسبانيا لإعطاء الانطباع بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للسياسة الخارجية الجزائرية، مستعملا ملفات الطاقة ومكافحة الإرهاب والتطبيع كأوراق ضغط محدودة التأثير”.

وأكد الفاعل السياسي أن الدبلوماسية الجزائرية لم تجنِ سوى الهزائم داخليا وخارجيا؛ إذ كلما تواصل مسؤول جزائري مع طرف دولي، ازداد اقتناع هذا الأخير بعدالة الموقف المغربي في بسط السيادة على أقاليمه الجنوبية، مبرزا أن “هذه القناعة تتجلى من خلال تفاهمات سياسية ودبلوماسية معلنة، وترافع مستمر للمغرب داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان ومجلس الأمن الدولي، ما جعل الأطراف الدولية أكثر ميلا إلى دعم رؤية المغرب للحل”.

ولفت بيبوط الانتباه إلى أن إعلان الجزائر نيتها الامتناع عن التصويت على القرار الأممي يشكل بالنسبة لعسكر المرادية “أخف الضررين”؛ فهي عاجزة عن مجاراة المغرب في انتصاراته الدبلوماسية والسياسية، وغير قادرة على مواجهة المواقف الأمريكية الجريئة التي تعتبر الحكم الذاتي أرضية وحيدة للتفاوض، مؤكدا أن “الجزائر تفتقر اليوم إلى أدوات التأثير في مواقف الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، بما في ذلك روسيا، التي أكدت مصادر متعددة نيتها الامتناع عن التصويت حفاظا على حيادها المبدئي إزاء طرفي النزاع”.

وبخصوص المآلات المتوقعة لهذا التحول، أورد المتحدث ذاته أن الجزائر فقدت القدرة على فرض أي تصور يطيل أمد النزاع، بعد عقود من المناورات التي استهدفت تعطيل جهود المغرب في تعزيز الأمن والسلم بشمال غرب إفريقيا، ودعم التنمية بالقارة، وترسيخ حضوره الدولي الفاعل في بناء مؤسساتها وتعزيز التجارب الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

واسترسل المهتم بنزاع الصحراء بأن ساكنة الأقاليم الجنوبية بمختلف توجهاتها السياسية والمدنية ترى في المقترح الأمريكي أقل ما يمكن أن يُطالَب به؛ إذ من شأن اعتماده في قرار أممي أن يغذي بوادر جدية للحل، وينهي النزاع المفتعل لصالح استكمال الوحدة الترابية للمملكة المبنية على مقومات تاريخية وقانونية واجتماعية متينة، كما يكرس نهج الحلول السلمية وإحلال الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”.

وأنهى بيبوط حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن إنهاء النزاع لا يعني بالضرورة حلحلة الخلافات بين المغرب والجزائر، ما لم تتبنَّ الأخيرة إصلاحات داخلية عميقة تقوم على تكريس الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، والوفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. كما شدد على ضرورة أن تنكب الجزائر على معالجة أزماتها مع دول الساحل، خاصة مالي، وأن تتوقف عن محاولات التأثير السلبي في العمق الموريتاني خدمةً لمشاريع التقسيم والتشتيت، مؤكدا أن “المنطقة تحتاج اليوم إلى البناء والتعاون والوحدة من أجل مغرب عربي قوي قادر على رفع التحديات السياسية والاقتصادية المشتركة”.

المصدر: هسبريس

شاركها.