انتقادات حادّة وجهها المشاركون في الجامعة السنوية لحزب التقدم والاشتراكية (رمزه الكتاب) المنعقدة تحت شعار: “ساعة البديل الديمقراطي التقدمي”، السبت بالرباط، إلى “مختلف السياسات الحكومية”، مشددين على “ضرورة التفكير في مخرج للأزمات التي يخلّفها التدبير المقاولاتي للدولة بالصيغة الحالية”.
جاء ذلك في جلسة “تشخيص عام: التحديات، التهديدات، الفرص المتاحة أمام المغرب”، وجلسة “البديل التقدمي لحزب التقدم والاشتراكية: الأولويات؟ الإصلاحات؟”، المنعقدتين على هامش الجامعة سالفة الذكر التي جمعت خبراء وقياديين حزبيين وشبابا وباحثين للتداول في مختلف القضايا الوطنية المطروحة في الساحة المغربية.
“سياسات اقتصادية خاطئة”
عزوز الصنهاجي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، قال إن التداخل بين المحلي والدولي أصبح واقعا لا مفر منه، مشددا على أن الحزب يحرص باستمرار على الربط بين الأوضاع الوطنية والسياقات الدولية، كما أبرز أن “هذا التوجه لا يرتبط فقط بهوية الحزب كتنظيم أممي، ولا بإيمانه بقيم التضامن بين الشعوب، بل ينبع أيضا من قناعة راسخة بأن العالم اليوم بات قرية صغيرة، ما يجعل من التفاعل بين المحلي والدولي أمرا لا يمكن تجاوزه”.
وأضاف الصنهاجي، وهو يتحدث ضمن جلسة “تشخيص عام: التحديات، التهديدات، الفرص المتاحة أمام المغرب”، أن “قضية الصحراء المغربية تُجسّد هذا التداخل بوضوح؛ إذ حقق المغرب مكاسب دبلوماسية مهمة عبر مختلف أشكال الدبلوماسية، بما فيها الحزبية، الاقتصادية، الرياضية والفنية، في إطار تعبئة وطنية شاملة”، معتبرا أن “هذه القضية تمثل بالنسبة للحزب امتدادا لمسار التحرر الوطني واستكمالا للوحدة الترابية، وهي مسألة لا تنفصل عن رؤيته العامة في ما يتعلق بالسيادة والكرامة الوطنية”.
وفي الشأن الاقتصادي، قال المتحدث إن جائحة كورونا أظهرت بجلاء أهمية السيادة الاقتصادية، خصوصا في مجالات حيوية مثل الغذاء، الطاقة، الصحة والدواء، لافتا إلى أن “تصاعد السياسات الحمائية عالميا، خاصة من قِبل دول كبرى مثل الولايات المتحدة، يفرض على المغرب التفكير في سياسات عمومية تحصّن قراره السياسي وتقلّص من تبعيته الاقتصادية”. وتابع بأن “تحقيق الاكتفاء الذاتي الشامل غير ممكن، لكن الأهم هو اتخاذ قرارات تقلّص من التبعية إلى أقصى حد”.
وفي معرض انتقاده للحكومة، ذكر القيادي الحزبي أن الأرقام تكشف فشلا واضحا في الوفاء بالالتزامات، مشيرا إلى أن “العجز التجاري ارتفع من 200 مليار درهم إلى 300 مليار درهم خلال أقل من أربع سنوات”، مستنكرا “توجّه الحكومة نحو تصدير المنتجات الفلاحية في وقت باتت فيه البلاد تستورد بشكل متزايد مواد أساسية كالحبوب والزيوت والماشية”.
من جانبه، قال رشيد الورديغي، رئيس الشبكة المغربية لهيئات المقاولات الصغرى، إن “المقاولة الصغرى في المغرب تمر بمرحلة دقيقة في ظل التحولات الاقتصادية والتأثيرات المرتبطة بالتضخم”، موضحا أن “سنة 2024 شهدت إفلاس ما يقارب 33 ألف مقاولة صغرى”. وأكد أن “هذا الرقم يشمل فقط المقاولات التي صرّحت بشكل رسمي بإفلاسها، بينما هناك آلاف المقاولات الأخرى التي لم تصرّح بعد، مما يعني أن العدد الحقيقي أكبر بكثير، ومن المرجح أن يصل الرقم خلال السنة الجارية إلى 40 ألف مقاولة مفلسة”.
وأوضح الورديغي في مداخلته أن “الأمر يشكل تهديدا”، بما أن “74 بالمائة من اليد العاملة في المغرب تشتغل داخل المقاولات الصغرى، وهو ما يجعل من هذا القطاع عصبا أساسيا للتشغيل ومحاربة البطالة”، مضيفا أن “هذا الوضع يكشف عن عدد من التحديات البنيوية، من بينها ضعف تكوين المقاولات الصغرى، وغياب التسهيلات التي تمكنها من تطوير قدراتها التدبيرية والابتكارية، إضافة إلى محدودية المواكبة الإدارية والتقنية، وصعوبة الولوج إلى التمويل والخدمات المالية، فضلا عن عدم ملاءمة الإجراءات الإدارية مع واقع المقاولة الصغرى”.
وأشار رئيس الشبكة سالفة الذكر إلى أن “ما زاد من تأزيم وضعية هذه المقاولات هو فرض الحكومة جبايات جديدة”، مبرزا أن هذا “التوجه أدى إلى نتائج عكسية تمثلت في تعميق أزمة المقاولات الصغرى، التي لم تستطع تحمل الأعباء الجديدة، مما دفع العديد منها إلى إعلان الإفلاس أو التوقف عن النشاط”.
وأفاد بأن “الوضع تفاقم أكثر مع المراجعات التي تقوم بها مصالح الضرائب والصناديق الاجتماعية، حيث يتم النزول إلى المقاهي والمقاولات الصغرى وإجراء عمليات تفتيش تُفضي إلى فرض غرامات ثقيلة تصل أحيانا إلى 30 أو 35 أو حتى 40 مليون سنتيم”، معتبرا أن “هذه الممارسات دفعت العديد من أصحاب المشاريع إلى التخلي عنها ومغادرة السوق، بعدما لم يعودوا قادرين على الاستمرار رغم أن هذه المقاولات ساهمت في إنقاذ عدد من المواطنين من البطالة”.
“البديل مطروح”
خلال الجلسة الثانية من الجامعة السنوية لحزب التقدم والاشتراكية التي تناولت موضوع “البديل التقدمي لحزب التقدم والاشتراكية: الأولويات؟ الإصلاحات؟”، قال محمد بنموسى، رئيس منتدى اقتصاديي التقدم، إن “ما يحدث في بلادنا يُظهر أننا إزاء ثلاثة إخفاقات أساسية: الأول هو أن الالتزامات التي أخذناها في بلادنا، سواء من قبل الفاعلين السياسيين، الأحزاب والجمعيات، والمؤسسات الدستورية على مستوى الدستور الجديد، لم تُطبق بشكل كامل على مدى 15 سنة”.
وسجل بنموسى أن “الكثير من بنود وأحكام الدستور لم تطبق، ناهيك عن المؤسسات الدستورية التي تعمل اليوم، والتي تثير تساؤلات عدة حول نجاعتها، وحول استقلالية قراراتها، مثل مجلس المنافسة في قضية المحروقات”، موردا أن “الإخفاق الثاني هو أننا فقدنا موعدا أساسيا في تاريخ بلادنا المعاصر، وهو استحضار النموذج التنموي الجديد في السياسات الحكومية، وتم وضعه في الرفوف بشكل نهائي ولم يُدرس بجدية”.
أما “الإخفاق الثالث فيتعلق، وفق المتحدث، بفشل الحكومة في الوفاء بالتزاماتها، بما في ذلك خلق مليون منصب شغل، وزيادة نسبة نشاط النساء من 20 إلى 30 بالمائة، وتوسيع الطبقة الوسطى بمليون مواطن، ورفع نسبة النمو الاقتصادي إلى 4 بالمائة على الأقل، رغم أن هذا الرقم غير كافٍ”، وقال: “وصلنا إلى نفق مسدود، وهذه الاحتجاجات السلمية الراقية والمسؤولة للشابات والشبان المغاربة تظهر وتبرهن أن السياسات الحكومية خاطئة ولا تخدم مصلحتهم”.
وسجل بنموسى أن حزب “الكتاب” يتوفر على “اقتراحات عملية عدة تسمح لنا بتسريع وتيرة النمو الاقتصادي، ونجاح تصنيع الاقتصاد الوطني، خاصة أن نسبة التصنيع اليوم في المستوى نفسه الذي كانت عليه قبل عشرين سنة، رغم وجود أربعة برامج حكومية”، فضلا عن “اقتراحات عملية لرفع نسبة الإنتاج الداخلي الخام الصناعي، وزيادة وتيرة النمو الاقتصادي إلى 67%، وخلق مناصب شغل ذات جودة، وتحسين التوزيع العادل للثروة”، وأخرى “متعلقة بالإصلاح الضريبي”.
أما العربي حبشي، عضو الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل، فقال: “إننا أمام حكومة تفتقد للحس السياسي والمجتمعي، حكومة تبحث فقط عن مصالحها، حكومة تريد تحويل الوطن إلى شركة، ونحن نرفض ذلك وسنواجهه بكل الطرق المشروعة”، مضيفا أن “المدخل السياسي والمؤسساتي يفرض علينا جميعا إدراك أن الدولة بحاجة إلى إعادة النظر في بنيتها الفكرية والسياسية وطريقة تدبير الشأن العام؛ فمن المؤسف أن بعض الوزراء لا علاقة لهم بالسياسة أو بالمجتمع”.
وأوضح حبشي في كلمته أن “حزب التقدم والاشتراكية، مع كل القوى الحية في البلاد، يجب أن يدفع في اتجاه حكومة سياسية”، مؤكدا “رفض إحضار أشخاص من القطاع الخاص ومنحهم ألوانا سياسية”، وتابع: “الحكومة يجب أن تكون ذات علاقة وثيقة بالمجتمع، وأن تتمتع بحس يمكنها من التعامل مع الناس بفعالية”، كما دعا قيادة حزب “الكتاب” إلى فتح حوارات مع التيارات اليسارية والحركة النقابية، مشددا على أهمية تشكيل تجمع يساري نقابي يواجه غول الريع الذي يخدم مصالحه من داخل المؤسسات.
وأضاف المتحدث أن القيادات اليسارية مؤهلة لخوض هذا المسار الحواري مع كل التنظيمات، لأن من الضروري إعلاء التنظيمات المجتمعية والسياسية والنقابية والمدنية، موردا أن “تصحيح الاختلالات البنيوية هو من صميم أدوارنا في إطار تحالف واحد، مع تجاوز الذات والحسابات التاريخية والحسابات الصغيرة”، وشدد على ضرورة أن يلعب حزب “الكتاب” دورا فعالا في تعزيز المساواة الفعلية بين الجنسين في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وأكد القيادي النقابي أن “البرلمان أصبح في أسوأ حالاته، حيث صار حكرا على أصحاب المال مثل الحكومة، مع العلم أن الطبقة الوسطى كانت تاريخيا هي من يقود الإصلاح فيه”، قائلا إن “البرلمان لا يمكن أن ينجح بمنطق الرأسمال، ولذلك يجب إعادة النظر في منظومة الانتخابات، بحيث يُشترط على من يريد الترشح أن يلتزم بمعايير واضحة في الجوانب الضريبية والمالية والاجتماعية”.
المصدر: هسبريس