التوافق الحزبي السياسي .. نعمة أم نقمة؟
يعبر العمل الحزبي السياسي عن الممارسة الديمقراطية المبنية على تمثيل رعايا الدول داخل مؤسسات الدولة اعتبارا لجملة مر الصلاحيات المنصوص عليها في الدساتير الدولية المقارنة، ويتعلق الأمر في هذا الباب بتأطير الأحزاب السياسية للمواطنات والمواطنين بما يضمن مشاركتهم الفاعلة في الحياة السياسية ومن خلالها تدبيرهم لقضايا الشأن العام من جهة وكذا تمثيلهم داخل المؤسسات عبر الية التصويت المبني على الاختيار الحر والواعي انطلاقا من صناديق الاقتراع لمن سيتحمل مسؤولية تمثيلهم ومن ثمة التعبير عن مطامحهم من خلال انتهاج سياسات عمومية قادرة على احتوائها اعتمادا على الديمقراطية التمثيلية سواء أتعلق الامر بالحكومة المركزية أوحكومات المدن والجماعات الترابية .
للممارسة الديمقراطية عنوان واحد قوامه الاختيار عبر التصويت المبني على القناعة بالاخر أي المرشح ، وهي عملية تكرست معها سلة من النتائج الايجابية انعكست بالدرجة الاولى على بناء دولة المؤسسات ودمقرطة الحقوق والواجبات ، والديمقراطية قبل أن يتم تنزيلها عبر صناديق الاقتراع بناء على اختيارات رعايا الدول يتم تكريسها قبل ذلك من داخل الأحزاب السياسية المسؤول الأول والأخير عن دورات عجلة العملية السياسية في شقها التمثيلي ، وفي هذا السياق فإنه من الأصوب الاسهاب بعض الشيء فيما أصبح يتعارف عليه بالتوافق الحزبي السياسي داخل المنظومة الحزبية السياسية ، وهو أمر يتساءل بشأنه مجموعة من المتابعين للشأن الحزبي السياسي هل يتعلق الأمر فيه
بنوع اخر من أنواع الديمقراطية المتعارف عليها تدبيرا وتنزيلا في جميع الأنظمة السياسية المقارنة.
التوافق السياسي الحزبي هو نوع من أنواع التدبير الداخلي للأنظمة الحزبية وخاصة فيما يتعلق بتدبير هياكلها وتدبير دواليبها ، أمر تكرس على أرض الواقع الحزبي المقارن وخاصة مع تعاظم منسوب الطموح السياسي الحزبي ، مما تكرس معه تنزيل هذا الأنموذح الذي لا ينسلخ البتة عن الديمقراطية ذلك أنه يؤشر على تجنب الباب المسدود بين كوادر الأحزاب السياسية وتكريس هذا السبيل انطلاقا من كونه أحد الركائز التدبيرية الحزبية المرمة والتي يتم اللجوء اليها من اجل تجاوز محطات البلوكات داخل ردهات الاحزاب السياسية ومن ثمة ضمان استمرار تدبيرها لقضايا الشأن العام في احترام تام لكل الركائز الدستورية التي تؤطر مسار الديمقراطية التمثيلية في شقيها التشريعي والترابي، وبالتالي فاللجوء الى اعتماد هذا المؤشر يمكننا اعتباره حلقة وصل لتيسير عمل الاحزاب السياسية عبر بوابة التمكين السياسي الداخلي الحزبي لكوادر وكفاءات حزبية لها حضورها ووزنها بداخلها ما يتم تكريسه عبر هذه المعادلة من اجل ضمان ولوج هذه الفئات الحزبية لا أقول المسيطرة وانما النشطة من بلوغ سدة الحكم الحزبي السياسي.
لذلك ، فالامر لا يتعلق بمنظام يناقض العملية الديمقراطية للشأن الحزبي السياسي بل على العكس من ذلك فإن الأمر يتعلق بالية مواكبة لانجاح الصرح الديمقراطي المقترن بارساء دولة الحق والقانون ومن ثمة بلوغ دولة المؤسسات.
وتأسيسا على ذلك ، واعتبارا للمصالح الحزبية المرعية بنص الدستور والقوانين الجاري بها العمل في هذا الباب، سواء أتعلق الأمر بقانون الأحزاب أو بمدونة الانتخابات ، فإن التوافق الحزبي السياسي لا يمكن اعتباره على الاطلاق ضربا في صرح الديمقراطية ذلك أن مبررات تنزيله على أرض الواقع لينم عن كونه مفتاحا استراتيجيا لحل الازمات الحزبية الداخلية وتكريس منطق الاستحقاق كأساس لبلوغ قيادة الحزب وهو نفس المنحى الذي تنحوه الديمقراطية ، غير أن اعتماد هذا الاساس لا يمكن أن ينزل على أساس اخر غير تيسير العملية الديمقراطية الحزبية الداخلية لكي لا يفهم معه شيء اخر غير العمل الديمقراطي الحزبي.
* أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط والمدير العام للمجلة الافريقية للسياسات العامة
المصدر: العمق المغربي