جلسة نقاش تتولّى التداول وتعميق النظر في “تطوير التكنولوجيا في مجال الثقافة بالدول الإسلامية” نُظمت ضمن “مهرجان منظمة التعاون الإسلامي الثقافي: أسبوع باكو الإبداعي 2025″، مساء أمس الإثنين، وسيَّرها المغربي الحسين غزوي، مدير الشؤون الثقافية بمنظمة التعاون الإسلامي، لاختبار الدور الحاسم للتقنية في إعادة تشكيل المشهد الثقافي داخل السياق الإسلامي العالمي.
وأكد المشاركون في الندوة، بمن فيهم عبد الوالي خيداروف، رئيس جمعية الإبداع في أوزبكستان، وعبد الرحمن علي، رئيس معهد يونس إمره التركي، أن التحول الرقمي لم يعد خياراً إضافياً، بل ضرورة ملحّة تمليها التطورات المتسارعة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وحفظ التراث، وإدارة المؤسسات الثقافية، بما يفتح آفاقاً واسعة لتعزيز الهوية الثقافية وتطوير أدوات عرضها ونشرها عبر منصات حديثة تتماشى مع تحديات العصر.
“سياق قوي”
أكدت نائبة مدير المكتب الإقليمي للإيسيسكو في باكو، مريم غفارزاده، أن “المرحلة الحالية تتطلب بناء منصات ديناميكية قادرة على دعم التعاون والحوار في مجالات التكنولوجيا الحديثة”، موضحة أن المكتب الذي تشارك في إدارته “يضع نفسه في موقع هذه المنصة، منفتحاً على مختلف الحلول والشراكات التي تواكب التطورات التقنية المتسارعة، بما يضمن تهيئة بيئة مرنة للتواصل والعمل المشترك بين دول المنطقة”.
وأشارت غفارزاده، في مداخلتها، التي تفاعلت فيها مع أسئلة غزيوي، إلى أن “تطوير مبادرات رقمية جديدة، مثل الكثير من التصورات التي جرت مناقشتها، يشكّل خطوة مهمة نحو توسيع نطاق استخدام التكنولوجيا في المجالات المتصلة بالتربية والعلوم والثقافة”، موردة أن “المكتب الإقليمي يعمل على نقل مثل هذه المشاريع إلى نطاق جغرافي أوسع، ولا سيما دول آسيا الوسطى التي تمتلك قدرات كبيرة وإمكانات مؤهلة للاستفادة من التحوّل الرقمي”.
وقدّمت المسؤولة الثقافية ذاتها مثالًا على التطور الرقمي في المنطقة من خلال مركز الحضارة الإسلامية في طشقند، الذي وصفته بأنه “نموذج متقدم لمتحف رقمي حديث يعرض إرث الحضارة الإسلامية بأساليب تفاعلية معاصرة”، لافتة إلى أن “هذا النموذج يبرهن على الدور الذي يمكن أن تلعبه التكنولوجيا في صون التراث وإعادة تقديمه للأجيال الحالية والمقبلة بأساليب مبتكرة”.
وأجملت غفارزاده بالتأكيد على “أهمية رقمنة المؤسسات الثقافية في ظل الثورة التقنية المتسارعة، وخاصة مع تنامي دور الذكاء الاصطناعي”، مشددة على “ضرورة تبنّي نهج جديد في إدارة المتاحف والمكتبات ومواقع التراث الثقافي، مستفيدة من الأدوات الرقمية التي تتيح حماية هذا الإرث والتعريف به، وضمان استدامته وتقديمه بصورة أكثر حداثة للأجيال القادمة”.
“مقترحات واضحة”
قال أتيلا كارامان، مدير مركز الأبحاث والتدريب الإحصائي والاقتصادي والاجتماعي للدول الإسلامية (سيسريك)، إن “المركز يقترح ثلاثة أطر عمل جديدة تستند إلى خبرته المتراكمة من مئات أنشطة بناء القدرات التي شارك فيها أكثر من سبعة آلاف متدرّب”، مورداً أن “المرحلة المقبلة تتطلب مبادرات أكثر ابتكاراً لدعم جاهزية الشباب وتعزيز التعاون بين دول منظمة التعاون الإسلامي”.
وأضاف كارامان أن “الإطار الأول يتمثل في إنشاء منظومة هجينة للتعلم الرقمي عبر الثقافات”، مشيراً إلى “توقع بلوغ سوق التدريب بين الثقافات 1.8 مليار دولار بحلول 2029″، ومسجلا أن “63 في المائة من مستخدمي الإنترنت يبحثون أساساً عن المعلومات، ما يستدعي تطوير منصة رقمية متخصصة للمنظمة تضم مكتبات متعددة الوسائط ومسارات اعتماد واضحة، تضمن بالضرورة الاعتراف المتبادل بمهارات الشباب بين الدول الأعضاء”.
ولفت المسؤول الثقافي ذاته إلى أن “الإطار الثاني هو برنامج لجسر الهوة بين الصناعة والجامعة”، متحدثا عن “إجماع صُنّاع القرار على أهمية ربط الجامعات باحتياجات القطاعات الإنتاجية”، وتابع: “إن من بين المقترحات إنشاء برامج تحفيزية تتيح للشباب المتميز قضاء عام في دولة عضو أخرى لاكتساب خبرات مهنية وثقافية ثم العودة لنقلها إلى بلده”.
وذكر المتحدث ذاته أن “الإطار الثالث يركز على حاضنات ابتكار قائمة على القيم لضمان أصالة المحتوى الثقافي للدول الأعضاء في الفضاء الرقمي”، مذكرا بالعينة التي تقصد الإنترنت للبحث عن المعلومات، وبأن “النماذج اللغوية تتعلم من المحتوى المنشور على منصات مثل ‘يوتيوب’ ووسائل التواصل، ما يستدعي دعم مشاريع الرسوم المتحركة والحفظ الرقمي للتراث وتقنيات الألعاب لتعزيز الحضور الثقافي للمنظمة عالمياً”.
ويُنظّم “مهرجان منظمة التعاون الإسلامي الثقافي: أسبوع باكو الإبداعي 2025” من لدن منظمة التعاون الإسلامي بالتعاون مع وزارة الثقافة في جمهورية أذربيجان، وتستمر فعالياته حتى 11 دجنبر الجاري.
ويجمع الحدث مسؤولين من البلد المستضيف، ووفودا من الدول الأعضاء في المنظمة، وممثلين عن منظمات دولية وهيئات دبلوماسية وسفراء معتمدين في البلد الأوراسي، إضافة إلى محترفي الصناعات الإبداعية المعنية.
المصدر: هسبريس
