التقاعد ومدونة الشغل وتحسين الدخل.. ملفات ساخنة تنتظر جولة أبريل للحوار الاجتماعي

تتجه أنظار مختلف الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين والسياسيين في المغرب إلى جولة أبريل المقبلة من الحوار الاجتماعي، والتي من المرتقب أن تنعقد وسط أجواء مشحونة بانتظارات ثقيلة وملفات شائكة، على رأسها إصلاح أنظمة التقاعد ومراجعة مدونة الشغل، إلى جانب استكمال الالتزامات المتعلقة بتحسين الدخل.
وتأتي الجولة المرتقبة بعد اتصالات أجراها رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، في مارس الماضي، مع الأمناء العامين للمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، والاتحاد العام لمقاولات المغرب، في إطار التمهيد لاستئناف المفاوضات، وهي الجولة المتوقع أن تكون حاسمة، بالنظر إلى حساسية الملفات المعروضة على طاولة الحوار، وتضارب مصالح الفاعلين، وسياق سياسي واجتماعي يطبعه ارتفاع منسوب التوتر والانتظارات الشعبية.
جولة أبريل 2024 من الحوار الاجتماعي كانت قد أفضت إلى اتفاق مهم تمخض عنه رفع عام في أجور موظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بمقدار 1000 درهم شهريا، إضافة إلى زيادة تدريجية بنسبة 10% في الحد الأدنى للأجور بالقطاعين الفلاحي وغير الفلاحي تمتد بين 2025 و2026، ومراجعة ضريبية رفعت سقف الإعفاء إلى 40 ألف درهم سنويا.
لكن رغم هذه المكتسبات، لم يُفضِ الاتفاق السابق إلى حلحلة قضايا بنيوية أخرى، وعلى رأسها إصلاح منظومة التقاعد التي تواجه وضعية مالية حرجة، وتعديل مدونة الشغل التي لم تعد، بحسب النقابات والمهنيين، تواكب تطورات سوق العمل ولا تستجيب لتحديات التشغيل والاستثمار في مغرب اليوم.
ملف التقاعد يطفو مجددا إلى الواجهة، في ظل تحذيرات متكررة من المجلس الأعلى للحسابات حول الوضعية الحرجة للصندوق المغربي للتقاعد، الذي سجل عجزا تقنيا بلغ 9.8 مليار درهم سنة 2023، مع توقّعات بنفاد أرصدته في أفق 2028، ما لم تُعجّل الحكومة بإصلاح هيكلي للمنظومة.
الحكومة أعلنت التزامها بإطلاق إصلاح شامل في إطار نظام القطبين (عمومي وخاص)، مع ضمان الحقوق المكتسبة وتحقيق الاستدامة، وفق ما أكدت عليه وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح.
غير أن النقابات العمالية، وفي مقدمتها الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، ترفض “أي مقاربة أحادية قد تمس حقوق الموظفين”، أو تمهد لما تسميه “الثالوث الملعون”: رفع سن التقاعد إلى 65 سنة، وزيادة المساهمات، وتخفيض المعاشات.
وترى النقابات أن الإصلاح لا يمكن أن يتم دون إشراك حقيقي، ومنهجية تشاركية تأخذ بعين الاعتبار العدالة الاجتماعية والضمانات التي يكفلها الدستور، محذّرة من انفجار اجتماعي محتمل إذا ما تم تمرير قرارات غير توافقية.
في موازاة ذلك، يطرح ملف تعديل مدونة الشغل نفسه بقوة على مائدة الحوار، لا سيما بعد النقاش المحتدم حول مشروع قانون الإضراب الذي أثار موجة غضب واسعة في صفوف النقابات التي اعتبرت تمريره دون الرجوع لطاولة الحوار تجاوزا للاتفاقات السابقة.
وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، شدد على أن تعديل مدونة الشغل لن يتم إلا عبر توافق جماعي، مشيرا إلى وجود تصور حكومي يقترح مراجعة موضوعية لبعض البنود الجوهرية، بدل مراجعة شاملة طويلة الأمد.
ويُنتظر أن يشمل الإصلاح إدماج أنماط العمل الجديدة، مثل العمل عن بُعد والعمل الجزئي، وتكريس المسؤولية الاجتماعية للمقاولات، مع الحفاظ على التوازن بين التنافسية الاقتصادية وحقوق الأجراء، إلى جانب تقنين أساليب الإضراب وضمان حد أدنى من الخدمات في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والنقل.
في الوقت الذي تضع فيه الحكومة أولوية على إصلاح التقاعد واستكمال قوانين العمل، تركز النقابات على تحسين الدخل، وتوسيع الحماية الاجتماعية، والحفاظ على مكاسب الموظفين. ورغم هذا التباين، يتفق الطرفان نظريا على الأقل على ضرورة نهج مقاربة توافقية تؤسس لحوار اجتماعي مؤسّس ومُنتِج.
ويرى مراقبون أن النجاح في جولة أبريل المقبلة يمر عبر ثلاثة مفاتيح أساسية: أولا، تجنب المقاربة التقنية الصرفة في إصلاح التقاعد التي تُغيب البعد الاجتماعي والحقوقي؛ ثانيا، الإنصات الحقيقي لمطالب النقابات وعدم حصر النقاش في الشكل دون الخوض في المضامين؛ ثالثا، ضمان الالتزام بالاتفاقات المبرمة سلفا، وتعزيز الثقة بين الأطراف.
يشار إلى أن الحوار الاجتماعي في المغرب يشكل إحدى الدعائم الأساسية لاستقرار المشهد الاجتماعي والسياسي، وهو ما أكدته التجربة الممتدة منذ أول اتفاق ثلاثي سنة 1996، وصولا إلى اتفاق أبريل 2024.
غير أن ما يميز السياق الراهن هو تراكم الملفات المؤجلة، واشتداد الضغط على حكومة أخنوش في سنتها الرابعة، خاصة في ظل وضعية اقتصادية دقيقة، وارتفاع الكلفة الاجتماعية لقرارات سابقة.
في ظل هذا الواقع، تبدو الحكومة مدعوة إلى تجاوز لغة الوعود، والتعجيل بإخراج إصلاحات مدروسة تأخذ بعين الاعتبار الإنصاف والاستدامة. كما يُنتظر منها تقديم عروض واضحة وملموسة في ملف التقاعد، وبدء مشاورات جدية بشأن تعديل مدونة الشغل، بما يُعيد الثقة في الحوار الاجتماعي ويعزز السلم الاجتماعي خلال المرحلة المقبلة.
وينظر لجولة أبريل 2025 على أنها ليست مجرد محطة تفاوضية دورية، بل تمثل منعطفا مفصليا في علاقة الحكومة بشركائها الاجتماعيين، وفي مصير قضايا محورية تتعلق بحقوق الأجراء ومتانة الدولة الاجتماعية.
المصدر: العمق المغربي