تضع التغيرات المناخية المتسارعة الأمن المائي للمغرب على كف عفريت، ما ينذر بتحولات عميقة في نمط تدبير هذه المادة الحيوية، ويضع البلاد أمام مسؤوليات بيئية واقتصادية واجتماعية جسيمة. وتتصدى المملكة المغربية لمظاهر الإجهاد المائي بجهود كبيرة عبر مشاريع تحلية مياه البحر وبناء السدود والربط بين الأحواض.
لكن استمرار سنوات الجفاف، في ظل تراجع التساقطات، واستنزاف المياه الجوفية، وارتفاع الطلب على الماء، يجعل التحديات التي تواجهها البلاد تتزايد، رغم الجهود المبذولة، نظرًا لتأثير الجفاف على مختلف مناحي الحياة، خاصة الجانب الاقتصادي.
وفي هذا الصدد، أكد مصطفى بنرامل، الخبير البيئي ورئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، أن المغرب يواجه أزمة مائية متفاقمة باتت تشكل تحديًا استراتيجيًا على المستوى الوطني، بفعل تناقص الموارد وارتفاع الطلب والتغيرات المناخية.
وأوضح بنرامل، في تصريح لجريدة “العمق”، أن الوضع المائي الراهن في المغرب يتسم بعدة مظاهر مقلقة، أبرزها تراجع حصة الفرد من الماء إلى أقل من 600 متر مكعب سنويا، ما يصنف البلاد ضمن مناطق “الإجهاد المائي”.
وأشار إلى تراجع التساقطات المطرية خلال السنوات الأخيرة، خاصة بالمناطق الزراعية، مما أثّر سلبًا على مخزون السدود والإنتاج الفلاحي، وتحدث عن استنزاف الفرشات المائية نتيجة الاستغلال المفرط، وهدر مياه الشرب بسبب ضعف البنيات التحتية في بعض المناطق.
وربط بنرامل هذا الوضع بالتغيرات المناخية، حيث تشهد البلاد ارتفاعًا في درجات الحرارة، وتكرار فترات الجفاف، وتغيرا في أنماط التساقطات، موضحا أن الجفاف يهدد الأمن المائي للبلاد ويؤثر بشكل مباشر على قطاعات حيوية كالفلاحة، الصناعة، والتزويد بالماء الصالح للشرب
وأوضح أن الفلاحة تستهلك أزيد من 85% من الموارد المائية، مع اعتماد كبير على زراعات تتطلب كميات كبيرة من الماء، خصوصا الزراعات الموجهة للتصدير، مما يعني، بحسب تعبيره، أن “المغرب لا يصدر الفواكه والخضر، بل يصدر مياهه”.
وأشار بنرامل إلى أن النمو السكاني والتوسع العمراني يزيدان من الضغط على شبكات التزويد بالماء، في ظل “غياب سياسات فعالة للحفاظ على الموارد المائية، وضعف مراقبة حفر الآبار والاستغلال غير المستدام للمياه الجوفية”.
أما على مستوى التداعيات، فأكد المتحدث أن أزمة الماء ألقت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، حيث أدى تراجع الإنتاج الفلاحي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتضررت قطاعات كالسياحة والصناعة، في حين تعاني القرى والمناطق الجبلية من خصاص حاد في الماء، مما يؤدي إلى احتجاجات موسمية، خاصة في فصل الصيف. كما أشار إلى تدهور الأراضي الزراعية، وفقدان التنوع البيولوجي في بعض المناطق المتأثرة.
ولتجاوز هذه الأزمة، دعا بنرامل إلى اعتماد استراتيجية وطنية شاملة تقوم على عدة محاور، أبرزها تعزيز النجاعة المائية من خلال تقنيات الري بالتنقيط وترشيد الاستعمال في الزراعة والصناعة، وتوسيع مشاريع تحلية مياه البحر، مثل محطة أكادير.
وحث على ضرورة اعتماد إعادة استخدام المياه العادمة في الري بعد معالجتها. كما شدد على أهمية رفع الوعي المجتمعي بثقافة الاقتصاد في الماء، وإدماجها في المناهج التعليمية، إلى جانب تعزيز الحكامة المائية من خلال تقنين استغلال المياه الجوفية، وتطوير الإطار القانوني والتنظيمي.
وأكد أن “أزمة الماء في المغرب لم تعد مجرد أزمة بيئية، بل أصبحت قضية أمن وطني تتطلب تعبئة جماعية وتخطيطًا استراتيجيًا بعيد المدى”، مضيفًا أن التحديات المناخية المتصاعدة تحتم التحرك العاجل لتحقيق الأمن المائي وضمان الحق في الماء لجميع المواطنين.
المصدر: العمق المغربي