التعليم المغربي يعيش “ضغطا مزدوجا”.. و”الديمقراطيات” عالميا في أزمة
بعنوان “المجتمع المغربي في مواجهة العولمة”، قدم بالمعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط أحدث كتب الأكاديمية رحمة بورقية، الذي يرصد تحولات العالم انطلاقا من المجتمع المغربي، و”ينظر للعالم من زاوية المغرب، والمغرب من وجهة نظر العالم”.
وفي تقديمه بمعرض الكتاب، قالت بورقية إن “القضايا التي تطرح اليوم هي التي حاولتُ طرحها في الكتاب”، فالعالم “يواجه العولمة والتكنولوجيا الرقمية، ولا بد أن نساير كل هذا بتطور المعرفة نفسها”.
وأضافت: “قضايا الكتاب الكبرى، يربط بينها أننا نعيش في عصر العولمة، وكثيرٌ من الظواهر تعرف تغييرا عميقا (…) والمرحلة التي نعيشها منذ بداية القرن الحادي والعشرين شبيهة بمرحلة الثورة الصناعية التي انتهت بالحرب العالمية الثانية وتحرر الشعوب من المستعمرات، وقلبت كل موازين الوقت، وبالتالي علينا تحديد أهم معالم التغيير وسيرورته في هذا العصر”.
وتابعت بورقية: “تتبعت التحول الكبير لمجتمعاتنا، والمجتمع المغربي، من خلال خطابات التنمية، وقضاياها، ونقاش التنمية منذ السبعينات والثمانينات (…) ثم مرت المرحلة واحتكر المسألة الخبراء، وصارت مسألة خبرة، وكان الخلاص من بعض الخطابات التي لا تخلو من مركزية غربية أوروبية، على اعتبار أن ما سمي بالمجتمعات المتخلفة قدرها الوصول يوما إلى المجتمعات المتقدمة، وقد ابتعدنا اليوم كل البعد عن هذا المعطى والفكرة”.
وسجلت المتحدثة أنه “لا يمكن التفكير في مجتمعاتنا دون التفكير في الأدوات المستعملة في هذا التفكير، وتملّك المعرفة من طرف باحثين ينتمون إلى الجنوب”.
وفي ظل “تشكيلات جديدة عابرة في العالم العربي، تنسيقيات، تبرز بشكل مباغت، تشكل تحديا، ليس فقط (الربيع العربي)، بل حتى في الغرب مع (السترات الصُّفر)”، رأت في هذا بورقية “بوادر لأزمة الديمقراطية؛ لأن المؤسسات الوسيطة مثل النقابات والأحزاب أصبحت تعيش ارتباكا جراء الرقمي والتواصل عبر فيسبوك، وتشكيل تشكيلة يمكن أن تتلاشى وتغيب وتأتي أخرى”.
ومن الأفكار التي يتطرق لها الكتاب الجديد “حدود الثقافة”؛ “ليس بالمعنى الفكري المتعالم، بل بمعناها الأنثروبولوجي، أي أن لكل مجتمع مجموعة من الطقوس والمقومات الثقافية التي تكوّن لهُ خصوصية من رموز وتقاليد في الطبخ وترتيب البيت والمعمار وغير ذلك. وحاولتُ النظر إليها في واقع الهجرة، بتفكير في الحدود”.
وواصلت: “من مفارقات عصرنا، وضع الحدود بين البلدان بعدد من المقومات والآليات لتكون هناك حدود، لكن في نفس الوقت ليست للثقافة حدود، وتبدو في المهجَر، وتشبث من في المهجر بمظاهر الثقافة أكثر من القاطنين بالبلاد؛ فالثقافة تتحرك، وعلى الرغم من القيود والحدود التي تضبط على البشر، فحركة البشر قائمة، والثقافة قائمة أيضا، والهويات متحركة”.
هذا “الفصل الأساسي” يتناول أيضا موضوع “إعادة الأسلمة المعولمة، المتجلية في الحركات الإسلامية، التي صارت معولمة أيضا، ونعيشها ونراها، ولا توجد في المجتمعات الإسلامية فقط بل الغربية أيضا”، ثم قالت: “الإسلام كان دائما معولما، لكن ليس بنفس الشكل، فهناك حركات لإعادة الأسلمة بواسطة العولمة، وهناك شخصيات منذ بداية الإسلام، يخاطبون أناسا في القرن الواحد والعشرين، ونحن أمام حركات تتجاوز حدود الأوطان، وحدود الشعوب، وهي من نتائج العولمة والتواصل الرقمي”.
الموضوع الثالث للكتاب هو “العلاقة بين العلم والسياسيّ، أي المؤسساتي الدولة”، فـ”مرحلة كورونا كانت من المحطات التي جعلت السياسيّ يجلس لأول مرة مع العلمي، ويستشير (…) علما أن السياسي لا يطرح أسئلة تؤرقه على العلمي، فبالتالي العلميّ لا يجيب”، ولو أنه “في كثير من البلدان مؤسِسَت هذه العلاقة، وهناك ما يسمى بالممرّرين العلميّين، وسطاء، وهناك وسطاء أوفياء، وينبغي أن يكتسب السياسي الممرّر شيئا من العلم”.
أما رابع المواضيع الذي اهتمت به الرئيسة السابقة لجامعة الحسن الثاني، التي شغلت منصب مديرة الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتعليم، هو موضوع التربية والتعليم، لكن “بشيء من الابتعاد، لأنه عندما نبتعد عن الهيآت نفكر فيها أحسن؛ إن التعليم اليوم تحت أنواع متعددة من الضغط”.
ثم استرسلت شارحة: “ضغط ما يريده المجتمع من التربية والتعليم، مدرسة تلقّن القيم، والمواطنة، للتنشئة الاجتماعية، الشّغل، وهو ما يركَّز عليه كثيرا، وضغط تدويل التربية، فالتربية لم تبق تربية مجتمع معيّن، وبالتالي يتجلى التدويل في كل التقييمات حول مكتسبات التلاميذ، تصنيفات الجامعات… ولم يكن الضغط منذ السبعينات بهذه الحدة، بل منذ عشرين سنة أصبح تدويل للتربية والتكوين والجامعة، ولم يعد مثلا التعليم والتربية شأننا، بل شأن العالم الذي يقيّمنا ويرى ويلاحظ ويزن المسافة التي بيننا وبين مرجع”.
ثم أردفت قائلة: “فرضت مراجع على التعليم، وأمام هذا الأمر، التعليم يوجد في ضغط (…) وآخر الجديدِ التكنولوجيا الرقمية، (الشات جي بي تي) الذي صار اليوم مرجع الكل، وكيف يمكن أن نواجه هذا المد للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية؟ التلامذة في حاجة إلى تكوين جديد ينمي الحس النقدي، وليس كل ما نأخذه من هذا الذكاء صحيحا، وكيف يمكن أن نلقن الصحيح والخطأ عند التلميذ؟ وكيف يمكن أن نلقّن التلميذ التعرف على الخطأ واجتنابه؟ الذكاء الاصطناعي جيد لكن هناك ضوابط يجب أن تواكب التربية والتكوين والتعليم في الجامعة والمدرسة، لنكون في مستوى التقدم الصناعي والتكنولوجي”.
المصدر: هسبريس