اخبار المغرب

“التطبيع مع مظاهر الفساد” يسائل جدية الحكومة لتخليق الحياة العامة

في الوقت الذي تؤكد فيه حكومة عزيز أخنوش أن جهودها في محاربة الفساد أحرزت تقدما، يُظهر مؤشر مدركات الفساد تراجع ترتيب المغرب، فيما تنبه الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها إلى التأخر في تنزيل مجموعة من القوانين، في حين ينتقد حماة المال العام “التطبيع مع مظاهر الفساد”.

وسجل المغرب تراجعا في مؤشر مدركات الفساد، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، حيث لم يحصل خلال سنة 2024 سوى على 37 نقطة من أصل 100 نقطة، واحتل المرتبة 99 ضمن 180 دولة. وانطلق مسلسل تراجع المملكة المغربية في هذا المؤشر منذ سنة 2018.

“إهمال الفصل 36”

بالنسبة لرئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، فإن الحكومة الحالية “لم تقم بالشيء الكثير في ما يتعلق بورش مكافحة الفساد. وتعاملت مع الفصل 36 من الدستور، الذي يشكل مدخلا لتخليق الحياة العامة، بإهمال، دون أن تعمل على تنزيل مقتضياته، التي تؤكد على ضرورة التصدي لاستغلال مواقع الامتياز لخدمة المصالح الخاصة”.

وشكلت الحكومة، بحسب ما قال الغلوسي في تصريح لجريدة “العمق”، “نموذجا صارخا للتطبيع مع مظاهر الفساد والريع واستغلال مواقع الامتياز لتحقيق المصالح الخاصة، واعتبر الغلوسي أن الحكومة “تنصلت” من كل التزامات المغرب الوطنية والدولية في مجال مكافحة الفساد والتصدي له، و”سعت إلى الالتفاف” على تجريم الإثراء غير المشروع، وتضارب المصالح، وحماية الموظفين المبلغين عن الفساد.

كما أن رئيس الحكومة لم يعقد أي اجتماع للجنة الوطنية لمكافحة الفساد التي يرأسها، باعتبارها آلية لتتبع وتقييم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، والتي تنتهي خلال هذه السنة، “دون أي أثر على واقع الفساد بالمغرب”، يقول رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام.

هذه الحصيلة “الصفرية”، تفسر تراجع المغرب في المؤشرات الدولية، “فالفساد واقع لا يرتفع ولا يمكن حجبه بمهاجمة هيئة النزاهة، والسعي إلى منع الجمعيات من التبليغ عن جرائم الفساد، وتكبيل يد النيابة العامة العامة في تحريك المتابعات ضد لصوص المال العام”، يقول الغلوسي.

وفي هذا الصدد، ساءل النائب البرلماني عن حزب الاستقلال، خالد الشناق، المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمل الفلاح، عن مواصلة تتبع تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، منبها إلى تراجع المغرب إلى الرتبة 99 عالميا من أصل 180 دولة، في مؤشر مدركات الفساد.

وذكر البرلماني، في سؤال كتابي، بالتزامات الحكومة المتمثلة في إعداد مشروع قانون يتعلق بالتصريح الإجباري بالممتلكات، ومشروع قانون يتعلق بتضارب المصالح، ومشروع قانون يتعلق بحماية الموظفين المبلغين عن أفعال الفساد بالإدارات العمومية، ومدونة شاملة لسلوكيات وأخلاقيات الموظف.

تأخر قوانين

في الاتجاه ذاته ذهبت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، مسجلة تأخراً في إحداث الوكالة الوطنية لتدبير الأموال المحجوزة والمصادرة، كما انتقدت التأخر في الشروع في تأهيل وتدعيم دور الوكالة القضائية في مجال مكافحة الفساد المالي والمطالبة باسترجاع عائدات وفوائد أفعال الفساد.

وتحدثت الهيئة أيضا في تقريرها السنوي برسم 2023 عن تأخر صدور القانون المتعلق بحماية المبلغين عن أفعال الفساد بالإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، مشيرة إلى أنه يكتسي أهمية بالغة، داعية إلى الإسراع بوضعه في المسار التشريعي.

ويلتهم الفساد بالمغرب ما يفوق 50 مليار درهم سنويا، ما بين 3.5% إلى 6% من الناتج الداخلي الخام، بحسب ما سجلت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، منبهة إلى جملة من الانعكاسات السوسيواقتصادية للفساد.

وتشمل هذه الانعكاسات سوء استخدام السلطة وانعدام الثقة وتفشي المحسوبية والزبونية والامتيازات غير المستحقة، ناهيك عن الحد من القدرة على الإنتاج وخرق مبدأ الاستحقاق، وتكريس التفاوتات، وقتل المبادرة الفردية، وتدمير أسس التماسك والاستقرار الاجتماعيين، وتوسيع دائرة اقتصاد الريع، وتقويض الاستثمار، وغيرها.

الحكومة تدافع

ودافعت حكومة عزيز أخنوش عن حصيلتها في مكافحة الفساد، حيث أعلنت الحكومة، في وقت سابق، أن نسبة إنجاز المشاريع المدرجة في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بلغت 76 في المائة، قائلة إنها تواصل إجراءات التصدي للفساد الإداري.

وقالت الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة أمل الفلاح، خلال جلسة عمومية للأسئلة الشفوية بمجلس النواب، قبل أسابيع، إنه تم تعزيز ورش إصلاح الإدارة من خلال مراجعة مجموعة من القوانين المهيكلة.

وأوضحت المسؤولة الحكومية أن من بين هذه القوانين ميثاق المرافق العمومية وقانون تبسيط المساطر الإدارية، ومواصلة التحول الرقمي للخدمات العمومية باعتبارها دعامة أساسية للوقاية من الفساد، وكذلك تطوير البيانات المفتوحة، موضحة أن مؤشر إدراك الفساد مركب يستقي معطياته من 13 مصدرا للبيانات، ويتم تقييم المغرب بناء على 7 مصادر فقط، وهذا لا يعكس جهود المملكة، بحسب تعبيرها.

كما سبق للناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن أبرز جهود الحكومة في مكافحة الفساد، ودافع عن حصيلتها، وذلك ردا على الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها التي انتقدت ضعف تفاعلها مع توصياتها بشأن محاصرة الفساد في المؤسسات والإدرات العمومية.

وقال بايتاس، في ندوة سابقة عقب إحدى اجتماعات المجلس الحكومي، إن معركة الفساد “نساهم فيها جميعا على قدم المساواة، وليس هناك جهة تحارب الفساد أكثر من جهة أخرى”، موضحا أن محاربة الفساد انشغال كبير لدى الحكومة، و”تشتغل عليه بعمق منذ تنصيبها”.

وأوضح المسؤول الحكومي أن “إجراءين كبيرين جدا” يبرزان جهود الحكومة في محاربة الفساد، الأول يتمثل في حجم المتابعات القضائية التي ارتفعت، و”التي تؤكد الحرص القوي للحكومة في محاربة أي مس بالمال العام أو أي تمظهر من تمظهرات الفساد”.

الإجراء الثاني، بحسب الوزير، ما يتعلق بمرسوم الصفقات العمومي، إذ “يكفي أن تبحثوا في مضامينه الجديدة التي أقرها، بحيث أخضع الطلبيات لمسطرة العروض، وهو ما يؤكد الانخراط القوي للحكومة في معالجة هذه الظاهرة والمساهمة في حصرها”.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *