التضخم يجدد مطالب الرفع من الحد الأدنى للأجور بالمغرب إلى 5 آلاف درهم
بعد تسجيل تضخم غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية خلال الفترة الأخيرة في المغرب ومع اقتراب “جولة شتنبر” المخصصة للحوار الاجتماعي، طالب عدد من الفاعلين الاقتصاديين والنقابيين بإصلاحات “هيكلية” في قطاع الأجور تضاهي تغلغل تداعيات التضخم بنيويا داخل نمط عيش المغاربة، خصوصا بعد تدهور القدرة الشرائية بالنسبة للطبقتين الفقيرة والمتوسطة.
وبعدما تأثر الاقتصاد الوطني من جراء الظرفية الصعبة، بحيث سجل نموا بلغ نسبة 1،3 في المائة سنة 2022، حسب تقرير بنك المغرب الأخير؛ فقد تحركت “المطالب من جديد في الفترة الأخيرة لأجل التعجيل بإعادة النظر في قيمة الحد الأدنى للأجور المعمول بها حاليا في القطاعين العام والخاص”، “بغاية دعم القدرة الشرائية للمغاربة وتخليصهم من صعوبة الأزمة الاقتصادية التي نمر منها”.
ضرورة الإصلاح
الميلودي المخارق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، قال إن “السنة الماضية عرفت نضالات كثيرة لأجل الدفع بالنقاش نحو إعادة النظر في الحد الأدنى للأجر وتحديده في 5 آلاف درهم صافية؛ وهو الرقم الذي اهتدينا إليه بعد نقاشات طويلة معمقة”، موضحا أنه “لا يمكن تحديد حد أدنى للأجور إلا من خلال ميكنزمات مترابطة؛ منها مثلا التكاليف الدنيا الممكن إنفاقها حين يذهب المواطن للتبضع، بالإضافة إلى الكراء والتطبيب، إلخ. هذه التقنيات تحدد رقما معينا بطريقة موضوعية”.
وأورد المخارق، في دردشة مع هسبريس، أن “الواقع يقر بأن شبابا وموظفين بأعلى درجات التأهيل يتقاضون هذا الحد الأدنى للأجور. ولذلك، هناك ضرورة ملحة لإعادة النظر فيه وفق المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب، جراء اللهيب الذي تعرفه أسعار بعض المواد الأساسية وكذلك التضخم الذي ضرب القدرة الشرائية للمغاربة”.
وشدد الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل على أن “الـ5 آلاف درهم الصافية التي يمكن أن يعتمدها بلدنا في الوقت الراهن كحد أدنى للأجور يمكنها أن تسمح للعامل بالعيش، هو وعائلته، في استقرار نسبي وبأبسط شروط الحياة”، مبرزا أن “الرهان على الجولة المقبلة من الحوار الاجتماعي سيكون هو تحسين دخل عموم الأجراء، من خلال زيادة عامة في الأجور وتخفيض الضريبة على الأجر، بعدما أوضحنا أن من الأجراء من يؤديها بنسبة عالية تصل إلى 38 في المائة، وبصفة منتظمة خلافا لفئات أخرى؛ ما يعني أن الدولة تقتسم الأجرة مع العمال”.
وقال المتحدث ذاته إن “الجولة ستناقش أيضا تفعيل ما تبقى من الميثاق الاجتماعي الذي تم توقيعه في شهر أبريل من سنة 2022، والتذكير بضرورة الرفع من التعويضات العائلية بالنسبة للأطفال، وكذلك تحسين مجموعة من التعويضات في القطاعين العام والخاص”، مضيفا أن “الورقة التوجيهية لرئيس الحكومة حول إعداد مشروع قانون مالية سنة 2024 لم تتضمن أية إشارة لتحسين أوضاع الأجراء، على الرغم من أنه مطلب عادل وملح؛ بالنظر إلى ما نعيشه اليوم من أوضاع”.
التحديد صعب
من جهته، قال خالد بنعلي، الخبير الاقتصادي، إن “تحديد الحد الأدنى للأجور هو عملية معقدة تحتاج إلى دراسة اقتصادية اجتماعية تراعي تطور القدرة الشرائية للمغاربة”، موضحا أن “الحد الأدنى للأجور المقبل يجب أن يصاغ وفق أهداف الحد من التضخم الذي يعيشه بلدنا.. وعلى هذا الأساس فإن تحديد مستوى الزيادة من الناحية التقنية يمكن أن يتم على أساس ناتج ضرب الحد الأدنى للأجور في معدل ارتفاع الأسعار اعتمادا على الأرقام الرسمية في هذا الصدد التي تصدرها المندوبية السامية للتخطيط أو أية مؤسسة رسمية معتمدة”.
وشدد بنعلي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، على أنه إذا كان الغرض من “نسبة الزيادة إلغاء أو الحد بشكل معقول من ارتفاع الأسعار الناجم عن نسبة التضخم المسجلة”، فإن “السؤال سيبقى متعلقا دائما بالفئات التي ستستفيد من الإصلاح الذي سيهم عملية تحديد الأجور، بالنظر إلى التفاوت فيما يتعلق باستهلاك المواد الأساسية والبضائع والخدمات حسب الطبقات الاقتصادية الموجودة في المجتمع”، أخذا بعين الاعتبار بطبيعة الحال الأجراء الذين يتقاضون أجورا تفوق الحد الأدنى والذين يتحملون كذلك تبعات ارتفاع الأسعار.
وأضاف الخبير الاقتصادي أنه “حين كانت الأسعار تعرف استقرارا وكان معدل التضخم منخفضا نسبيا، استطاعت الطبقات التكيف وفق قدرتها الشرائية؛ لكن هذه القدرة عرفت تدهورا خلال هذه السنة وهمت كل الطبقات”، وبالتالي فإن التفكير في إعادة صياغة الحد الأدنى للأجور باعتباره ضرورة اقتصادية يجب أن يراعي الطبقة المتوسطة أيضا وهل سيتم الرفع من تعويضاتها أو راتبها الأساسي، مع أخذ المتقاعدين بعين الاعتبار”.
وقال بنعلي: “فرفع الأجور ضروري من أجل تشجيع الاستثمار وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني؛ لأن الحركية الاقتصادية تحتاج إلى قدرة شرائية مستقرة وإلى أجور مشجعة على الاستهلاك”، مشيرا إلى أنه “يتعين اعتماد مقاربات ترتكز، على سبيل المثال، على كيفية إعادة توزيع مجموع القيمة المضافة التي ينتجها الاقتصاد الوطني والتي يحتسب على أساسها معدل النمو بين الفاعلين في الاقتصاد، ولا سيما الأجراء والفاعلين الاقتصاديين، مع الأخذ بعين الاعتبار الأوراش والبرامج الهيكلية المبرمجة”.
المصدر: هسبريس