في لحظة كان فيها المغاربة يعيشون فرحة وطنية حقيقية عقب صدور قرار مجلس الأمن الأخير الذي عزّز الموقف المغربي في قضية الصحراء وأكّد مغربيتها النهائية، اختار علي أعراس أن يظهر مجددًا ليبثّ تدوينة مشحونة بالمغالطات والاتهامات، متعمدًا تشويش أجواء الفرح الجماعي، ومكرّرًا روايته القديمة التي جعل منها مهنة دائمة: رواية المظلومية والاضطهاد. لم يكن ظهوره العابر مجرد تعبير عن رأي، بل استثمار سياسي وإعلامي متقن التوقيت، هدفه إعادة تدوير نفس الخطاب المعادي للمغرب في لحظة اجتمع فيها المغاربة على شعور نادر بالانتصار والاعتزاز الوطني.

منذ سنوات، دأب علي أعراس على تكرار قصته باعتبارها مؤامرة دولية حيكت ضده من ثلاث دول: المغرب وإسبانيا وبلجيكا. والحقيقة أن هذه الدول لم تتآمر عليه، بل تعاملت في قضيته ضمن إطار قانوني بحت، وفق اتفاقيات دولية لملاحقة الجرائم ذات الطابع الإرهابي. فإسبانيا لم تخطفه ولم تنصب له كمينًا، بل أوقفته تنفيذًا لإشعار بحث دولي صادر في حقه بعد أن ثبت إدخاله أسلحة إلى المغرب عبر أراضيها. أما بلجيكا، التي يحمل جنسيتها، فقد كانت على علم مسبق بتفاصيل الملف وأدركت أن الأمر يتعلق بجرائم خطيرة لا يمكن التغطية عليها بذريعة الجنسية أو الانتماء. أما المغرب فقد تعامل مع الملف كمَسألة جنائية بحتة، عرضت على القضاء وخضعت لمساطر عادلة بعيدة عن أي تصفية سياسية أو فكرية. إن الحديث عن “تآمر دولي” لا يملك أي أساس منطقي، لأن التعاون بين الدول في محاربة الإرهاب حق وواجب قانوني، وترويج فكرة “التكالب” لا يعبّر إلا عن رغبة في تحويل قضية جنائية إلى أسطورة بطولية.

ولكي تتضح حقيقة الملف أكثر، من المهم العودة إلى الوقائع الموثقة التي كشفت بوضوح دور أعراس في التسليح والتخطيط داخل ما كان يُعرف بحركة المجاهدين المغاربة. فبعد أحداث 16 ماي الإرهابية سنة 2003، اعتُقلت خلية روبير ريشارد التي كانت تنشط في فاس وطنجة، وخلالها أُوقف محمد النكاوي، أحد عناصر خلية طنجة، وكان من قبل أميرا لحركة المجاهدين المغاربة المحكوم عليه غيابيًا سنة 1984. وعند اعتقاله وُجدت بحوزته أسلحة رشاشات ومسدسات وذخيرة، وصرّح أثناء التحقيق أن علي أعراس هو من كان مسؤولًا عن إدخال تلك الأسلحة إلى المغرب. النكاوي أكد أن أعراس كان المكلّف بملف التسليح في الحركة، وأن مصدر الأسلحة كان بلجيكا، وأن المخطط كان يستهدف اغتيال عدد من الشخصيات المغربية.

في سنة 2008، ومع تفكيك خلية بلعيرج التي كانت لها ارتباطات بحركة المجاهدين نفسها، كشفت التحقيقات من جديد تورط أعراس في إدخال أسلحة إضافية إلى التراب المغربي، فصدرت في حقه مذكرة بحث دولية أوقفت بموجبها السلطات الإسبانية المعني سنة 2010، قبل أن تسلمه إلى المغرب ويُحكم عليه باثنتي عشرة سنة سجناً نافذة. وخلال السنة نفسها، وفي إطار بحث منفصل مع الجزائري محمد بنرابح بنعتو الذي سلّم من طرف بلجيكا بناء على مذكرة مغربية، اعترف هذا الأخير بأنه اشترى بمعية أعراس سنة 2005 شحنة من الأسلحة من مهرّب كرواتي تضمنت عشرات الرشاشات والمسدسات والقنابل وأجهزة التحكم عن بعد، وأن أعراس هو من موّل الصفقة شخصيا. لم يعرف يومها موضع هذه الأسلحة، إلى أن أعلنت السلطات سنة 2012 عن حجز عدد منها بضواحي فاس وتيفلت، في تطور أكّد بشكل قاطع تورطه في التهريب والتسليح. إضافة إلى ذلك، أفاد المعتقل السابق عبد الرزاق سوماح، الذي كان أميرًا لعلي أعراس داخل الحركة، بأن الأخير كان مسؤولًا فعليًا عن عمليات التسليح عبر بلجيكا وفرنسا، وأن بعض تلك الأسلحة لا تزال محتملة الوجود إلى اليوم ولم تُكشف بعد. كل هذه الوقائع والشهادات المتطابقة من أطراف مختلفة تفنّد تمامًا رواية البراءة التي يسوقها أعراس، وتُظهر أن الأمر لم يكن أبدا مجرد رأي أو فكر أو انتماء سياسي، بل مشروع تخريبي متكامل أحبط قبل أن ينفذ.

منذ خروجه من السجن، جعل علي أعراس من سردية المظلومية مشروعًا شخصيًا طويل النفس، يكرّرها في مقاطع ومقابلات ومقالات دون أن يقدم وثيقة واحدة تبرئه أو تسقط الأدلة التي أدانته. فشل في إقناع القضاء، ثم في إقناع الرأي العام، فلجأ إلى إستراتيجية الاستنزاف: إعادة تدوير الأكاذيب على أمل أن تتحول بالتقادم إلى “حقائق”. لكنه نسي أن الزمن لا يُحوّل الكذب إلى صدق، وأن الحكاية مهما أُعيدت بصيغ مختلفة تبقى معلقة أمام غياب الدليل. ما يروّج له أعراس ليس دفاعا عن الحرية ولا عن العدالة، بل بحث دائم عن بطولة مفقودة، وهو في ذلك يشبه كثيرا من الشخصيات التي اختارت أن تبني هويتها على معاداة الوطن وعلى تأليب الخارج، متوهمة أن التشهير بالمغرب طريق مختصر للشهرة أو التعاطف الدولي.

لم يكن موقف علي أعراس من الجزائر جديا ولا عابرا، فخلال سنوات مضت وجد في الجزائر ملاذا إعلاميا وسياسيا، ونسج معها علاقة تقوم على العداء المشترك للمغرب. واللافت أنه يستعيد اليوم الخطاب نفسه وبالمنطق نفسه، دون أن يدرك أن الجزائر التي تحتضنه لم تحصد من حملاتها على المغرب سوى الفشل. وهكذا يستمر في تجديد ولائه لخط معادٍ للوطن، دون أن ينتبه أن التاريخ لا يرحم من يتخذ وطنه خصمًا.

إن محاولة علي أعراس استغلال لحظة فرح وطني لإعادة بث روايته تكشف أن الهدف لم يكن يومًا إنصافا شخصيا، بل التشويش على الإجماع المغربي في قضية وحدته الترابية، والتمسك بسردية فقدت صدقيتها أمام كل هذه الوقائع. لقد أُحبطت مشاريعه التخريبية، وتهاوت أكاذيبه واحدة بعد أخرى، ولم يعد أمامه سوى تكرار الشكوى القديمة في كل مناسبة. لكن المغاربة يعرفون اليوم أن الجرائم لا تتحول إلى نضال بتكرار الأكاذيب، وأن خيانة الوطن لا تجمل بالخطابات الحقوقية. أما هو، فسيظلّ نموذجا لمن اختار معاداة وطنه ليصنع لنفسه بطولة من ورق، لا تصمد أمام أول وثيقة، ولا أمام ذاكرة المغاربة التي لا تنسى.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.