بين صور معدلة لمشاهير، وأصوات مقلدة، ولقطات زائفة يولدها الذكاء الاصطناعي، تعج شبكة الإنترنت بمحتويات مفبركة بواسطة ما يعرف باسم “التزييف العميق” (Deepfake)؛ تلك الفيديوهات المزيفة التي تحاكي الواقع بدقة مدهشة.

المشاهير والشخصيات البارزة على الإنترنت والقادة السياسيون والمؤثرون… لا أحد في منأى عن عمليات المونتاج المتطورة التي تتلاعب بالوجوه والأصوات، وتسعى أحيانا لتغيير القناعات. غير أنه وراء هذه البراعة التكنولوجية تكمن مخاطر جسيمة.

فهذه الفيديوهات المصممة باستخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن تدفع أي شخص إلى قول أي شيء، وغالبا ما تكون النتائج مذهلة، حيث تبدو تعابير الوجه ونبرة الصوت وحركات الشفاه شبه حقيقية.

ويثير “التزييف العميق” الذي لا يزال ظاهرة حديثة لكنها تشهد انتشارا سريعا، المخاوف بشأن استخدامه على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي.

وفي هذا الصدد، قال الخبير في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الصاعدة، مروان هرماش، إن “التزييف العميق” يولد عن طريق الذكاء الاصطناعي عبر “التعلم العميق” (Deep Learning) الموجه لإنتاج محتوى يحاكي الواقع ويبدو أصليا.

وأوضح في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن هذه التقنيات تمكن من تقليد الحركات والأصوات والوجوه البشرية، أو ببساطة التلاعب بصور شخصيات عامة.

وأضاف الخبير أنه على عكس “التزييف العميق”، فإن مقاطع الفيديو المصممة “بطريقة تقليدية” بواسطة الذكاء الاصطناعي وباستخدام تقنيات المونتاج الكلاسيكية (تعديل صورة بصورة أو إضافة أضواء لصفاء الصورة “فلتر”، أو القص، أو حتى مزامنة صوت جديد مع صور موجودة) يمكن اكتشافها بسهولة بالعين المجردة أو باستخدام برامج أو أدوات المونتاج التقليدية.

وإذا كان بعض الأشخاص يستطيعون تمييز علامات “التزييف العميق”، لا يزال العديد من مستخدمي الإنترنت، وخاصة المستخدمين العاديين، يجدون صعوبة في التمييز بين الحقيقي والمزيف. وفي هذا الصدد، يشارك الشباب النشطون على منصات “تيكتوك” و”إنستغرام” و”إكس” آراء متباينة حول قدرتهم على اكتشاف هذه التلاعبات.

يقول سفيان (29 سنة)، وهو أحد مستخدمي هذه الشبكات الاجتماعية، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن “العديد من الأشخاص يستخدمون الذكاء الاصطناعي على منصات التواصل الاجتماعي فقط لإنتاج مقاطع فيديو سخيفة أو لمجرد الهزل، لكن سيكون من الأفضل بكثير استخدامه لأغراض مفيدة، مثل تلقين العلوم أو التاريخ بطريقة مبسطة”.

أما أمل، البالغة من العمر 26 سنة، وهي مدرسة وطالبة دكتوراه، فأعربت عن قلقها إزاء هذه الظاهرة الآخذة في الانتشار. وقالت في تصريح مماثل: “لا أثق بما أراه على الإنترنت. وهذا الأمر يقلقني، لأنه أصبح من الصعب التمييز بين الحقيقي والمزيف. وبصفتي مدرسة، أرى أن تلاميذي يصدقون ما يرونه على الإنترنت، وهذا أمر مقلق حقا !”

عندما يتم الحديث عن مستقبل “التزييف العميق”، يتفق الخبراء على أنه سيصبح أكثر واقعية وتعقيدا. وفي هذا الصدد، يقول هرماش إن “هذه الأدوات ستزداد تطورا، مما سيؤدي إلى ظهور ما نسميه أدوات متعددة الوسائط، التي تتيح تزامنا حقيقيا بين إيماءات المتحدث وصوته وملامح وجهه”.

وحذر من أن “الواقعية المتزايدة لهذه الفيديوهات تجعل التلاعب أكثر مصداقية، مع تزايد المخاطر على الحياة الخاصة وبروز عصر ما بعد الحقيقة، حيث تصبح صحة المعلومات أقل أهمية من مدى تأثيرها على المتلقي”.

المصدر: هسبريس

شاركها.