التراشقات والاستفزازات تضع السلوكات السياسية لنواب البرلمان في الميزان
هل بات انعقاد جلسة برلمانية دون تراشق كلامي أمرا مستحيلا؟ أم إنه جرى التطبيع مع الأمر وتحويله إلى قاعدة عوضاً عن استثناء؟. هذه من بين الأسئلة التي بات متتبعو الشأن السياسي الوطني، وتحديدا البرلماني، يطرحونها بعدما ظلت الجلسات العمومية بمجلسي النواب والمستشارين تعرف تجاذبات حادة بين الأعضاء، بما يؤثر على سيرها العادي.
ولم يعد خافيا على أحدٍ ما آلت إليه الجلساتُ التي تتم على بغرفتي المؤسسة التشريعية، فربما تحولت من فضاء للتشريع والتقييم إلى فضاء لـ”المعارك الكلامية” بين مكونات نواب الأغلبية والمعارضة، بما بات يطرح قراءتين: “دفاعٌ خارج الاختصاصات” و”انتقاداتٌ بدون سياق”.
وارتفعت حدة هذه “الظاهرة” في الآونة الأخيرة تزامنا مع منتصف الولاية الحكومية التي عرض خلالها الفريق الحكومي حصيلته التدبيرية لثلاثين شهرا الماضية، ما أجّج التجاذبات الكلامية بين النواب، التي أخرجت في بعض الأحيان الجلسات عن سيرها الطبيعي.
على هذا النحو جرى رفع جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب ليوم الإثنين 20 مايو لبضع دقائق بعد أن خرجت النقاشات بين الرئيس إدريس الشطيبي ونواب آخرين عن السيطرة، ما تلاه نقاشٌ آخرُ بين مكونات المعارضة والأغلبية حول عدم حضور الوزراء للجلسة ومبرراته.
وطرحت هسبريس هذا الموضوع على باحثين في القانون البرلماني والشؤون الدستورية قصد بيان صحة هذه الممارسات التي تعرفها قبة البرلمان من عدمها، فأوضحوا أن الأمر له علاقة في بادئ الأمر بـ”مستوى السلوك السياسي لممثلي الأمة”، في وقت يرتبط كذلك بـ”عدم التزام بعض النواب باختصاصاتهم الحصرية، بما يُطبّع مع ممارسات دخيلة على المؤسسة التشريعية”.
وعيٌ سياسي في الميزان
رشيد المدور، أستاذ القانون البرلماني بكلية الحقوق بالمحمدية، أكد أن “الأمر يظل عاديا يهم مختلفَ المؤسسات البرلمانية على المستوى العالمي، بالنظر إلى كون السياسة في عمقها صراعا؛ غير أن تجاوز هذه الممارسات حدودا معينة يطرح مجموعة من التساؤلات، إذ يجب أن تظل مسنودة بموجبات وعوامل موضوعية”.
ومن هذا المنطق أورد المدور، في تصريح لهسبريس، أن “هذه الوقائع لا يجب أن تتحول إلى عادةٍ ويتحول النظامُ إلى استثناء، إذ إن النوابَ يظلون ملزمين بالوعي بالإنصاف وألا يلبسوا جلباب المعارضة إلا عندما يستدعي الأمر ذلك، فممارسة العمل الرقابي على الحكومة من اختصاصات البرلماني، لكن في إطار الحد الأدنى الأخلاقي الذي لا يجب النزول عنه”.
وبحسب المتحدث ذاته “تؤثرُ هذه السياقات على السير العادي لجلسات البرلمان والعمل البرلماني الرقابي والتشريعي ككل؛ فعادة ما ينخرط النوابُ في استفزاز بعضهم البعض لاختلاف منطلقاتهم السياسية، في حين أنه في الأصل يجب أن يظل الحوارُ بين البرلمان والحكومة، باعتبارهما مؤسستي التشريع والتنفيذ، وليس بين النواب”، وتابع: “كل نائب يجب أن يتوجه للحكومة بخطاب مباشر وبشكل مؤسساتي عوضا عن مخاطبة زميله في فرق الأغلبية؛ فغير ذلك يظل استقداماً لممارسات من خارج القبة البرلمانية ومحاولةً لفرضها داخل الجلسات لا غير، بما يتنافى والسلوك الحضاري الذي يجب أن يتصف به هؤلاء النواب باعتبارهم ممثلي الأمة، ويفترض فيهم منح القدوة وضرب المثل وليس العكس”.
وخلص الأستاذ الجامعي نفسه إلى أن “ما يعرفه البرلمانُ اليوم خلال الجلسات العمومية أساسا يرتبط بمنسوب الوعي السياسي لهؤلاء الأعضاء، ومدى انضباطهم للضوابط التنظيمية المؤطرة لسير الجلسات وللعمل الرقابي للبرلمان على الأداء الحكومي”.
اختلافُ قناعات
مريم أبليل، باحثة في القانون البرلماني، أفادت بأن “الموضوع لا يتعلق بفراغات قانونية أو تنظيمية، بل يرتبط بطبيعة النخبة النيابية البرلمانية، إذ إن نواب الأغلبية على سبيل المثال يلعبون في بعض الأحيان أدوارا غير أدوارهم في ظل دفاعهم المستمر عن الحكومة وحصيلتها، وهو ما أدى في مناسبات متفرقة إلى مواجهات لسانية مع المعارضة التي تبذل جهودها لاستغلال أي فرصة سانحة لها من أجل إثارة التدبير الحكومي للشأن العمومي”.
ولفتت أبليل، في تصريح لهسبريٍس، إلى أن “نواب المعارضة بدورهم يستغلون فرصة نقاط النظام التي لا يتم اخضاعها للتوقيت للتعبير عن توجهاتهم وإثارة منسوب العمل الحكومي في كل مرة، بينما مازالوا مقتنعين بأن مكتب مجلس النواب لا يعكس توجهاتهم ويوافق توجهات الحكومة، في وقت يفترض أن يكون وسيطا بين النواب والفرق البرلمانية والحكومة”.
وتابعت المتحدثة ذاتها بأن “ما يورطُ الجلسات الأسبوعية في هذه الممارسات كذلك هو إصرار عدد من النواب على الخوض في نقاشات تهم الأداء الحكومي، بخلاف المبدأ التنظيمي الذي يبين ضرورة الالتزام بالنقاش حول التدبير، بينما يتشوق المواطن إلى نقاشات الرقابة التي يراها عاكسة لهمومه عبر إثارة منسوب التدابير الحكومية بخصوص مختلف الجوانب المجتمعية”.
وسجلت الباحثة في القانون البرلماني “وجود ندوة الرؤساء التي يحيل عليها النظام الداخلي لمجلس النواب، وتجمع رؤساء الفرق والمجموعات النيابية، ومن اختصاصاتها ضبطُ الاختلافات والدفع نحو تجاوزها خلال الجلسات العمومية بما يُسِهم في توجيه النقاش صوب تفعيل آليات الرقابة عوضا عن تدبير الخلافات الداخلية بالمجلس”.
المصدر: هسبريس