التخوف الشعبي من مقترحات مدونة الأسرة مبرَّرٌ ويجب دمقرطة النقاش العمومي لإخراج تعديل يلتف حوله المغاربة
انطلاقا من متابعاتي للنقاش الدائر حول اصلاحات المدونة، وفي خضم الحملات الإعلامية الاخرى التي لا يجب اغفالها و باستحضار تفاعلات الراي العام تحت تاثير ترحيب الحداثيين و استهجان المتدينين تكونت لدي قناعة ان كل هذه السجالات و تلك الوصلات الساخرة تنطوي على مغالطات كثيرة، الذي حفزني لهذا المقال إبداء للرأي من منطلق أولوية الحفاظ على المشترك ونزع التعقيدات التي تجاوزها تطور المجتمع المغربي.
مبدئيا فان العقل المنطقي السليم لا يستقيم ضد وفي مواجهة كل إصلاح يهدف إلى تجويد وتطوير النصوص القانونية مراعاة للمصلحة الفضلى للمجتمع ، لذا فان مناط الفهم ليس تعبيرا بالموافقة أو بالرفض حيال التعديلات التي ستطال مشروع مدونة الأسرة .
و بنفس الحكمة والمنطق يجب استحضار أنه عندما تكون مقترحات بعض نصوص المدونة محلا للسخرية من لدن تعبيرات مجتمعية متنوعة من فن ونكتة وغناء وغيرها كما يسري في مختلف وسائل التواصل الإجتماعي حاليا ، فان ذلك دليل ساطع وقاطع على أن وعي المجتمع المغربي يقظ، مرتفع، فطن ونبيه جدا بشكل استطاع فهم دقة هذا مقترحات النص القانوني ذي الصلة بالدين وبالعقيدة .
بل إن المجتمع تجاوز في استيعابه كنه ومرامي التعديلات نحو قدرته على اجراء وممارسة قراءة تفكيكية لما بين السطور ولما قد ينجم من أوضاع جديدة تبدو نشازا بعد اقرار المدونة والمصادقة عليها وتطبيقها لاحقا من مٱزق مجتمعية قد تعمق الإختلالات بدل ترميمها .
ولذلك مطلوب القيام بملاحظة ورصد وتمحيص وتحليل ما يعبر عنه المواطنون في كل المنصات من مواقف تبلغ غالبا درجة القلق العارم أو اتهام سلطة الإصلاح في شخص المتدخلين من وزارة عدل ومجلس أعلى لعلماء الأمة بالسعي إلى تخريب المجتمع كما يفهم من مضامين تواصلية هنا وهناك.
ولهذا يذهب الرأي العام في اتجاه تكييف الاستيعاب مع طموحاته في تطوير التشريع بشكل يشتغل على فك المشاكل الحقيقية المطروحة بدل تعقيدها وتحفيزها لتكون مسنودة بالقانون ، وتجاوز مغالطة تعتبر المقترحات مخالفة لأحكام الشريعة ، في حين ان الأمر لا يتعلق باجتهاد شرعي بل باجتهاد تشريعي يمس مجالا كان حكرا على سلطة الفقيه. مع ضرورة اعطاء عناية لقيم المجتمع الحالية تفاديا لكل ما من شأنه أن يشجع أطراف الزواج على التمرد والعزوف أو لمزيد من العزوف ” التمرد ” على قواعد النظام الأسري بسبب الخوف او باسم الحرية وحقوق المرأة .
فالنقاش الحالي حول المدونة يبين إن قوى المجتمع بكافة أطيافه وتعبيراته اطّلعت على المقترحات واستوعبت فلسفتها ومآلاتها بما لا يسمح باستصغار الوعي الشعبي إزاء الموضوع ، ثم تباعا جعلتها موضوعا للتشريح عبر وصلات من السخرية لكون بعض المقترحات تجاوزت حدود التعديلات التي ترمي إلى سد الثغرات ونزع التعقيدات الإدارية وصيانة حقوق المرأة والأطفال والاستجابة لتطور المجتمع نحو عتبات غير مقبولة في الافتراض والتصور بما قد ينتج عكس ما يرومه المشرع الإجتماعي في صيانة كيان وخلية الأسرة وتعزيز وحماية استقرارها بدل حشد كل أسباب هشاشة بنيانها وجعله سهل المنال والتداعي والسقوط ، وبما يحفظ المودة بالحسنى وبالتي هي أحسن في قضايا الأسرة والمجتمع .
فزخم الرأي الشعبي واللغط الكبير الذي أثاره موضوع إصلاح المدونة يستدعي الإنصات بإمعان إلى هذا التفاعل من الهيأة المنوطة بها تجويد النص قبل إحالته إلى لجنة التشريع ثم البرلمان ، وهذا النبض مهم جدا ومفيد ، وعدم تجاهله ضروري كي لا يكون التعديل منفصما ونشازا مع واقع تطور المجتمع وسعيه إلى الحفاظ على ما تبقى من دفء بين الرجل والمرأة في سياق دولي لا يخفى سعي جهات معينة إلى تفكيك كل الروابط « التقليدية » والدفع نحو الإنحلال باسم الحرية وحقوق الإنسان داخل لولبية الصراع بين الخصوصية والكونية .
وختاما اعتبر أن تسويق بروباغندا تفيد أن تحديث المدونة يندرج ضمن انتصار الحداثيين بذاته يعتبر ضربة موجعة للمدونة التي يجب أن تكون هادئة ومرنة ودقيقة جدا وفوق كل بوليمك سياسوي أو إيديولوجي لأنها ذات صلة بأخطر بنيات المجتمع وهو الأسرة مناط الفصل 32 من الدستور والتي يوليها الدين الرسمي للدولة أهمية مركزية قوامها إمساك بمعروف او تسريح بإحسان ثم المودة بالحسنى والسكينة صونا للميثاق الغليظ بين طرفي الأسرة .
وعليه على كل من يعتبر نفسه حداثيا ، وعلى كل من يعتبر نفسه أصوليا ؛ أن يحتكما معا إلى الأمن المجتمعي كهدف أسمى وغاية فضلى في فهم مورد النزاع داخل مخاوف المجتمع من مدونة قد تعصف بما بقي من دفء مجتمعي تحت ضغط و تعسف الاستعجال الحداثي الموغل ربما في الطيش الحداثوي ضدا على خطورة المساس بما بقي من وشائج تشجع على حق تكوين الأسرة في اطار الإحسان والاحترام والمساواة بين طرفيها المرأة والرجل .
وذلك مع ضرورة استحضار غاية الزواج والأسرة في تكثير سواد الأمة في اطار الخوف من النزيف الديموغرافي مستقبلا لكون هرم السكان يتجه نحو الشيخوخة بما قد يخل بتوازن الهيكل الديموغرافي مغربيا في وقت تتجه الجزائر إلى خمسين مليون نسمة ومصر إلى مئة مليون نسمة ونيجيريا إلى مئتين مليون نسمة وهو تخوف استراتيجي دقيق .
فالعقل التشريعي يجب ان يستحضر كل المخاطر الاستراتيجية لدرء الزج بالقاعدة القانونية نحو متاهات أدلجتها و صونها من العبث ومن كل انزياح مفترض ، واقوال الحكماء منزهة عن العبث ، و على أهل الحل والعقد التريث في فهم كل الحيثيات من أجل مثن قانوني كفيل بحماية الأمن الأسري بمنأى عن كل ضغط أجنبي مفترض وبمعزل عن كل هوس اخلاقاوي معترض .
ولكل هذا أعتبر نهاية أن التخوف الشعبي مبرر ومشروع وعلى صناع القرار العمومي دمقرطة النقاش أكثر قصد إخراج متن يؤمن به المغاربة قبل غيرهم من جهات قد تكون دولية وقد تكون ذات صلة بتغول التأويل الحداثوي إلى صناعة القرار ضدا على قيم وهوية المجتمع التي تضمن تماسكه ووحدته وتضامنه وأمنه الديموغرافي .
*محامي بهيئة مكناس
خبير في القانون الدولي قضايا الهجرة ونزاع الصحراء
الرئيس العام لأكاديمية التفكير الاستراتيجي درعة /تافيلالت
المصدر: العمق المغربي