التحولات الديموغرافية تضع تحديات جديدة أمام التنمية
في تقرير حديث صادر عن المندوبية السامية للتخطيط بناءً على نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، تم تسليط الضوء على تركيبة التوزيع السكاني في المغرب وأبرز المراكز الحضرية التي تحتضن النسبة الكبرى من السكان.
ويظهر التقرير، الذي اعتمد على معطيات جمعها في شهر شتنبر الماضي، أن سبع مدن مغربية تستحوذ على ما يقارب 38 في المائة من إجمالي السكان، فيما تحتضن المملكة أربع مدن مليونية، على رأسها الدار البيضاء التي سجلت أكبر عدد من السكان، بواقع 3 ملايين و236 ألف نسمة، تليها طنجة وفاس ومراكش.
التقرير، الذي يكشف عن العدد الإجمالي للسكان القانونيين والذي بلغ 36.828.330 نسمة، يبرز كذلك التركيبة السكانية للمملكة، حيث يضم المغاربة نحو 36.680.178 نسمة، فيما يشكل الأجانب حوالي 148.152 نسمة، وبالتالي فإن الإحصائيات تمثل قاعدة مهمة لتحليل التحولات الديموغرافية في المغرب واتجاهات النمو الحضري، كما تتيح للمهتمين فرصة لفهم أعمق للتحديات والفرص التي يفرضها التوزيع السكاني، سواء على مستوى الخدمات أو السياسات الحضرية والتنموية.
ديناميكية ديموغرافية
في هذا السياق أوضح، المحلل الاقتصادي، أمين سامي، أن نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024 يظهر ديناميكية ديموغرافية ملحوظة في المغرب، مع تمركز معظم السكان في المدن الكبرى والمناطق الحضرية، ما يمكننا من قراءة هذه الأرقام من عدة زوايا اقتصادية واجتماعية وتنموية، في إطار نسقي ومنظومة نسقية متفاعلة فيما بينها.
واعتبر المتحدث أن قراءة الأرقام الإحصائية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أربع محاور كبرى، وعلى رأسها المبادئ الأربع المؤطرة للعملية الإحصائية التي جاءت في الرسالة الملكية للملك محمد السادس والموجهة لرئيس الحكومة والمثملة أساسا في الديمقراطية السياسية والنجاعة الاقتصادية و التنمية البشرية و التماسك الاجتماعي والمجالي.
وثاني هذه المحاور حسب المتحدث تتمثل في النموذج التنموي للمغرب 2035، ومحركات تغيير النموذج التنموي وتحليل السرعات والتفاعلات بين مختلف القطاعات، والالتقائية بين السياسات العمومية والاستثمارات سواء داخليا أو خارجيا، سواء قطاع عام أم قطاع خاص.
وتابع أن القراءة المبدئية لهذه الأرقام يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التنمية المستدامة ال 17 لسنة 2030، خاصة أن المغرب بقيادة الملك محمد السادس، أخذ على عاتقه العمل على تنزيل أهداف التنمية المستدامة على أرض الواقع من خلال مختلف البرامج والمشاريع والأوراش المسطرة والتي يعرفها المغرب، علاوة على ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار اقتصاد البيانات والاقتصاد الرقمي والتحولات العالمية وتغيير النموذج التنموي العالمي من خلال بداية الانتقال من النموذج المعتمد على الطاقة الأحفورية، إلى النموذج الجديد المتجه نحو الاستدامة واقتصاد البيانات وتكنولوجيات القطيعة.
زيادة حضرية مهمة
واعتبر المتحدث ضمن تصريح لـ العمق أن هيمنة سبع مدن كبرى على حوالي 38٪ من سكان المغرب، يعكس تركيزاً كبيراً للسكان في المناطق الحضرية، خاصة يظهر أن هذا التمركز في المدن الكبرى كالدار البيضاء (أكثر من 3 ملايين) وطنجة وفاس ومراكش، والرباط وبالتالي هذا يعد مؤشراً على الدور الاقتصادي والاستراتيجي لهاته المدن وفعاليتها الاقتصادية والاجتماعية كمراكز جذب سكاني نظراً لوجود فرص العمل والخدمات المتاحة، والمتطورة بشكل كبير مقارنة بباقي المناطق.
وأضاف سامي أن وجود أربع مدن مليونية يشير إلى تحول المغرب نحو زيادة حضرية مهمة، وهو ما يتماشى مع الاتجاهات العالمية للتحضر، ما يستوجب العمل على تنزيل ومواكبة الخطة الحضرية الجديدة المتمثلة في تعزيز الاستدامات الأربع وهي الاستدامة المكانية، والاستدامة الاقتصادية، والاستدامة الاجتماعية، والاستدامة البيئية، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية وثقافة المغرب والمجتمع المغربي.
وستدرك المحلل الاقتصادي، قوله بالتأكيد على أن هذا التوجه يفرض الانتباه ورصد الإشارات بشكل كبير من أجل إعداد خطط تنمية حضرية متعددة بديلة، من أجل استيعاب هذا التوسع الحضري مستقبلا، وتوجيه الموارد بشكل مضبوط ودقيق جدا والعمل على تشجيع الاستثمارات المنتجة كما أشار لذلك الملك في خطاباته، وتحفيز وتحريك القطاعات الواعدة والمستقبلية خاصة الرقمنة والذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة وتعزيز الأمن السيبراني وإدخال التكنولوجيات الحديثة في مختلف القطاعات لاستيعاب هذا التحول المستقبلي.
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن الانخفاض الملحوظ لمعدل النمو السنوي للسكان في المغرب إلى انخفاضٍ ملحوظ من 1.25٪ بين 2004 و2014 إلى 0.85٪ بين 2014 و2024، وبالتالي يمكن تفسير هذا التباطؤ بتحولات سكانية وديموغرافية تتضمن انخفاض معدلات الولادة وتحسن ظروف الصحة العامة، والتعليم والسكن، مما قد ينعكس في تغيير التركيبة السكانية مستقبلا، وقد يساهم في تقليص نسبة الشباب مقابل زيادة نسبة كبار السن في العقود القادمة.
تعزيز مناخه الاستثماري
وحسب المتحدث يعكس ارتفاع عدد الأجانب المقيمين بالمغرب بنسبة تقدر بنسبة 5.6٪، جاذبية المغرب كوجهة للعمل والاستقرار، ويعزز من مناخه الاستثماري وطنيا وترابيا ويشجع على التطور والتقدم وتحقيق الرفاه الاقتصادي.
واعتبر المحلل أن ارتفاع عدد الأجانب بالمغرب يعتبر مؤشرا إيجابيا جدا لما يتوفر عليه المغرب، من عوامل اقتصادية واستثمارية وتشريعات تشجع على الهجرة العمالية والدراسية إلى المغرب، وأيضا المغرب كبلد حاضن للاستثمارات الأجنبية ومنصة قارية في مختلف المجالات وبوابة إفريقيا نحو أوروبا، كما أن الزيادة في عدد الأجانب تساهم في تعزيز التنوع الثقافي وتسهم في زيادة الطلب على خدمات معينة.
وأوضح الخبير أن ارتفاع نسبة السكان الحضريين بنسبة 1.24%، يعزز الحاجة إلى تطوير وتنمية المناطق القروية للحد من الهجرة القروية، والعمل على دفع الاستثمارات العمومية والاستثمارات الأجنبية في الوسط القروي وخلق طبقة متوسطة في العالم القروي وذلك من أجل تحقيق توازن تنموي بين المناطق، والعمل على خلق التوازن المجالي بين المناطق خاصة أن التنمية الترابية في اعتقادي الشخصي يجب أن تكون مترابطة ومنفصلة ومتكاملة مع بعضها البعض في إطار نسقي.
وحسب المصدر ذاته فإن تمركز 71.2٪ من سكان المغرب في خمس جهات كبرى، وهي الدار البيضاءسطات، الرباطسلاالقنيطرة، مراكشآسفي، فاسمكناس، وطنجةتطوانالحسيمة، يعكس النشاط الاقتصادي والصناعي والتجاري الكبير.
وأضاف أن هناك جهات تتوفر على موارد طبيعية مهمة وعلى تموقع استراتيجي كجهة خنيفرة بني ملال، و جهة درعة تافيلالت وجهة كلميم واد نون، يمكن أن تحقق هاته الجهات عوائد استثمارية مهمة جدا إذا تم التركيز عليها بشكل أكبر مثل باقي الجهات الأخرى.
وخلص المحلل الاقتصادي، أمين سامي، بالتأكيد على أن التسويق الجيد لهذه الجهات في الملتقيات والمنتديات الاقتصادية العالمية، كجهات واعدة ومستقبلية في مجال الاستثمار المنتج لما تتوفر عليه من موارد وخصوصيات يمكن أن تكون رافعة للاستثمار المحلي ومحرك للعجلة الاقتصادية محليا ووطنيا ولما لا دوليا، خاصة أن الدولة تقوم بعمل كبير وجبار في مجال الاستثمار وجلب المستثمرين سواء الوطنيين أو الأجانب.
المصدر: العمق المغربي