يقطن ياسين في منطقة شتورة في البقاع شرقي لبنان، حيث يعتمد غالبية سكان المنطقة على الحطب وسيلة للتدفئة، في حين يبقى العامل المادي وحجم الاستهلاك هما الأساس في الكمية التي يشترونها، وفق حديثه.
يقول ياسين معبراً عن قلقه من عدم قدرته على تأمين كمية كافية من الحطب، بعد أن وصل سعره إلى معدلات قياسية؛ نتيجة لتبعات الحرب الإسرائيلية على لبنان: « خلال هذا الوقت من العام، يصل سعر الحطب إلى ذروته، ولا يهتم المواطن اللبناني إذا ما كان خشب الحطب قد قطع من الأشجار بشكل قانوني من عدمه؛ فكل ما يعنيه هو الحصول على حطب بسعر مناسب يكفيه طيلة فصل الشتاء ».
لم يشترِ ياسين سوى طن واحد من الحطب هذا الموسم الشتوي مقابل مئتي دولار أميركي، بعدما كان يباع الطن بنحو 150 دولاراً، فيما تتراوح أسعار الطاقة بين مليون و325 ليرة ومليون و424 ليرة لكل 20 لتراً من الكاز أو المازوت (ما بين 14.7 و15 دولاراً أميركياً)، بحسب وزارة الطاقة اللبنانية. كما يعاني لبنان ندرة كمية الطاقة؛ ما يشكل تحدياً للحصول على الحطب، حتى للقادرين على دفع ثمنه.
يعتمد ياسين على الحطب منذ سبع سنوات مصدراً للطاقة، ويحصل عليه بالطريقة ذاتها؛ إذ يتصفح المجموعات ذات الصلة على موقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك »، حيث يعرض التجار الأسعار، وبعد الاتفاق يرسلون الشحنة من خلال خدمة التوصيل؛ فلا يلتقي التاجر والبائع وجهاً لوجه.
ورصدت معدة التحقيق 20 مجموعة وحساباً على موقعي التواصل الاجتماعي « فيسبوك » و »تيك توك »، يعلن عبرها التجار عن توفر حطب مستخرج من عدة أشجار؛ أبرزها الصنوبر والأرز والسنديان والليمون وكينا وكازابرينا، وتختلف الأسعار باختلاف نوع الحطب، إلا أن سعره يتراوح بين 70 دولاراً ومئتي دولار للطن الواحد. ويضع التجار صوراً للحطب وأرقاماً للتواصل، ويبدي المئات من اللبنانيين في التعليقات رغبتهم في الشراء.

يأتي هذا رغم أن أشجار الصنوبر والأرز، المعلن عنها تدخل ضمن نطاق الأشجار الحرجية الصمغية، التي يمنع القانون اللبناني قطعها، إلا بطريقة التفريد الفني، وبموجب ترخيص صادر من وزير الزراعة.
غير أن الفيديوهات المنتشرة في المجموعات الخاصة ببيع الحطب، تُظهر اعتماد مواطنين على طرق قطع بدائية أو خطرة؛ مثل المنشار الكهربائي، وأدوات حادة أخرى، في قطع جذوع الأشجار.
وتنتقل هذه الجذوع إلى ورش تحتوي على آلات قطع كهربائية؛ لتقطيع جذوع الأشجار الضخمة إلى قطع صغيرة. وأكد برنامج GeoGuess المتخصص في تحديد الموقع الجغرافي بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، أن إحدى الورش تقع في الطريق بين زحلة وبعلبك. كما يقع أحد مواقع تخزين الحطب في قب إلياس قضاء زحلة بالبقاع.
وتنطلق من هذه الورش شاحنات كبيرة لنقل الحطب إلى المستهلك النهائي، أو لتاجر أصغر. وعبر متابعة صور إحدى الشاحنات، المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، تأكدنا من وجود كود يبدأ بالحرف « M »، الذي يوضع في بداية اللوحات المعدنية التي تحملها الشاحنات المسجلة في لبنان.
وتمر عملية بيع الحطب بعدة مراحل، وفق حديث تاجر حطب لبناني فضل عدم ذكر اسمه تبدأ بسيطرة تاجر عرفياً على غابة أو أجزاء منها. ويملك هذا التاجر ورشة ومعدات، تتيح للعاملين تقطيع الحطب المستخرج من الغابات إلى قطع كبيرة، وبيعها لتاجر أصغر، يقطع بدوره الحطب لأجزاء صغيرة جاهزة لوضعها في المدفأة اليدوية، ثم يبيعها للمستهلك.
يعترف التاجر بأن هناك أنواعاً يُقيد القانون اللبناني قطعها؛ مثل السنديان، لكنّ كبار التجار يُقدمون على قطعها، مضيفاً أنه لا يجرؤ على بيع السنديان، إلا بعد التأكد من أنه لن يتعرض لأيّ خطر أو ملاحقة قانونية.
ويضيف: « غالبية التجار لا يمتلكون ترخيصاً، ولا نستطيع المرور من جانب دوريات الشرطة؛ لعلمنا أن ما نقوم به مخالف للقانون ».
اللافت أن الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر عمليات قطع الحطب في أماكن مكشوفة وعامة، من دون وجود أيّ رادع، وعادة ما تتبع عمليات التحطيب في اشتعال النيران، كما حدث يوم 28 أكتوبر 2024؛ إذ ألقى الأمن اللبناني القبض على أربعة أشخاص قاموا بالتحطيب والتشحيل من دون تراخيص قانونية في أحراج نابية المتن الشمالي بمحافظة جبل لبنان.
وتسبب استخدام الأخشاب الناتجة عن التحطيب في اندلاع حريق كبير، أدّى إلى حرق مساحات واسعة من الأحراج والأشجار وبعض المنازل؛ ما أجبر عائلات عديدة على إخلاء منازلها، إلى جانب إخلاء المدارس المجاورة، بناءً على طلب الدفاع المدني للحفاظ على السلامة العامة، ولم يُخمد الحريق إلا بعد عدة أيام.
المصدر: اليوم 24