على بعد أشهر قليلة من تنظيم كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، وقرابة أربع سنوات من احتضان كأس العالم لسنة 2030، تسارع السلطات المغربية على مستوى الدار البيضاء لإخراج مشاريع كبرى تروم تعزيز البنية التحتية، وجعل المغرب واجهة رياضية على مستوى القارة الإفريقية.
وانطلقت منذ سنة 2023 اللبنات الأساسية لهذه المشاريع الكبرى، التي ستحول العاصمة الاقتصادية باعتبارها قطبا رياضيا وماليا إلى منصة تحتضن مختلف المرافق الأساسية، من طرقات وفنادق وملاعب، بما يتماشى مع المعايير الدولية المعتمدة في تنظيم هذه التظاهرات الكبرى، وتعزز مكانة المغرب وتطلعاته في الريادة في احتضان الملتقيات العالمية الكبرى.
• الملعب الكبير “الحسن الثاني”
منذ الإعلان عن احتضان المملكة بمعية كل من إسبانيا والبرتغال شرف تنظيم كأس العالم 2030 اتجهت الأنظار صوب الملعب الكبير “الحسن الثاني” المتواجد بالمنصورية بإقليم بنسليمان بجهة الدار البيضاء سطات.
ملعب بمواصفات عالمية ظلت السلطات المغربية بمختلف مستوياتها تتأهب من أجل جعله معلمة رياضية عالمية قادرة على احتضان المباريات الهامة في هذه التظاهرة الدولية.
وتعرف المنطقة المذكورة أشغالا مكثفة ليل نهار من أجل تسريع تهيئة الملعب الذي يعد الأكبر من نوعه، وخصصت له ميزانية كبرى تقدر بما يفوق خمسة ملايير درهم ما بين 2025 و2028، تاريخ انتهاء الأشغال.
ويجد مستعملو الطريق الرابطة بين المحمدية وبنسليمان أنفسهم أمام أوراش كبرى مرتبطة بالملعب المذكور، حيث تم الشروع في حفر الطرقات وتهييء المنشآت الفنية التي ستسهل الولوج إلى الملعب.
وفي الجهة المقابلة للملعب المذكور بدأت أشغال بناء محطة للقطار فائق السرعة (TGV)، بالإضافة إلى محطة للقطارات الجهوية السريعة.
وتهدف هذه المحطة التي انطلق التهييء لها، من خلال تحديد المسارات الخاصة بالقطار فائق السرعة والقطارات الجهوية، وكذا نزع ملكية الأراضي وهدم بنايات كثيرة، سواء على مستوى مديونة أو سيدي حجاج أو سيدي موسى بن علي بالمحمدية وغيرها، إلى تعزيز شبكة النقل ما بين مطار محمد الخامس الدولي والدار البيضاء والملعب الكبير ببنسليمان.
وسيتم العمل على نشر شبكة الجيل الخامس من الاتصالات عبر تعزيز المعدات من قبل مشغلي الاتصالات، إذ ستتم تغطية الملعب بشبكة الإنترنت المجانية، مع مجموعة من المواقع، على غرار الساحات العامة، الحدائق، المنتزهات، المناطق السياحية، في إطار التشاور مع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
• ملعب محمد الخامس
في إطار الاستعدادات كان ملعب محمد الخامس بقلب الدار البيضاء من ضمن المشاريع التي تم إيلاء الاهتمام بها حتى تكون حاضرة لاحتضان تظاهرة كأس إفريقيا لكرة القدم إلى جانب ملاعب أخرى بمدن مغربية.
وخضع الملعب المذكور الذي تصل طاقته الاستيعابية إلى 45 ألف متفرج لمجموعة من التعديلات الحديثة على البنية التحتية والمظهر الخارجي، وكذلك الأرضية والعشب، حتى يكون جاهزا لهذه التظاهرة الإفريقية المرتقبة في دجنبر 2025.
وبدأت العاصمة الاقتصادية عملية الإصلاح والتهييء لهذه المعلمة المعروفة لدى البيضاويين باسم “دونور”، بإغلاقها بشكل كامل سنة 2023 لمدة 16 شهرا، حيث خضعت للتهيئة، من قبيل استبدال العشب حتى يكون متوافقا مع المعايير الدولية، وكذا استبدال شامل للمقاعد بأخرى مرقمة، مع تحسين البنية الأساسية وتفادي تداخل الجماهير والضيوف، وتهيئة غرف الملابس والمرافق، وإنشاء قاعة للندوات، وإصلاح نظام الصوت والإضاءة ليتوافق مع متطلبات “الفيفا”، وتركيب شاشات لعرض المعلومات والمباراة من كلا واجهتي الملعب.
كما عرف الملعب إصلاحات خارجية إلى جانب إصلاحات للشوارع المحاذية له، وتهيئة مواقف السيارات وإنشاء حدائق؛ ناهيك عن متحف للذاكرة الرياضية.
• تأهيل البنية الطرقية
لا يمكن وأنت تتجول بمدينة الدار البيضاء أو المناطق المجاورة لها، على غرار المحمدية، عين حرودة، أو المنصورية ومديونة وبوسكورة والنواصر، إلا أن تلحظ أوراشا على مستوى الطرقات، من تهيئة لبعضها وفتح وتوسيع أخرى.
وعملت السلطات الولائية والمنتخبة بالدار البيضاء، في إطار تأهيل المدينة لاحتضان كأس إفريقيا، على ضخ ميزانية مهمة من أجل تحسين شبكة الطرق، وتسهيل التنقل والحد من الازدحام والفوضى في الطرقات.
وعملت جماعة الدار البيضاء، في الفترة الأخيرة، على تهيئة العديد من الشوارع الكبرى، وتوسعة أخرى، إلى جانب تهيئة أنفاق تحت أرضية، في خطوة تروم تأهيل البنية الطرقية. كما تم العمل على إعادة تأهيل الأرصفة، وتجديد الإنارة العمومية، وتحديث إشارات المرور، إلى جانب خلق فضاءات خضراء.
وفي إطار استعدادات المغرب لاستضافة كأس العالم 2030 تشهد شبكة الطرق بين الدار البيضاء وملعب بنسليمان مشاريع ضخمة تهدف إلى تحسين البنية التحتية وتسهيل التنقل.
وتم إطلاق أشغال تهيئة الطريق المؤدية إلى الملعب الكبير الجاري تشييده ببنسليمان، الذي سيحتضن مباريات ضمن نهائيات كأس العالم 2030. وأسندت مهام تهيئة هذه الطريق إلى خمس شركات مغربية، في إطار صفقة ضخمة تبلغ قيمتها الإجمالية 605 ملايين درهم، تحت إشراف الشركة الوطنية للطرق السيارة؛ فيما تتضمن الأشغال توسيع الطريق، بناء جسور، وتحديث الإشارات الطرقية لتسهيل الوصول إلى الملعب.
وعلى مستوى الطرق السريعة فإن الميزانية الضخمة التي تم رصدها لتطوير شبكة التنقل من أجل الوصول إلى ملعب الحسن الثاني تظهر بشكل جلي، حيث الأشغال جارية على قدم وساق بمدخل مدينة المحمدية، وكذا الطريق الرابطة بين تيط مليل وبرشيد ومدخل سيدي معروف وعين حرودة.
• النقل والتنقل
وتعمل السلطات، إلى جانب تأهيل البنية التحتية، على تعزيز شبكة النقل في الدار البيضاء عبر مجموعة من الإجراءات الرامية إلى تحسين التنقل وربط المدينة بمطار محمد الخامس، وكذا ملعب بنسليمان.
ووفق المعطيات المتوفرة لدى سيتم العمل في هذا الصدد على تشغيل ثلاثة خطوط للـRER بطول إجمالي يصل إلى 140 كيلومترا، مع إدماج خطوط ترامواي وحافلات BHNS جديدة وفق دراسة يجري إعدادها.
كما سيتم العمل على توسيع شبكة الحافلات لتشمل جماعتي المنصورية وبنسليمان، وإنشاء مواقف سيارات متعددة الطوابق لتحسين حركة المرور، تشمل 890 موقفا جاهزا و1700 قيد الإنجاز.
وينتظر أن يتم العمل على إطلاق خط حافلات يربط مطار محمد الخامس بمدينة الدار البيضاء، مع إمكانية تأجير حافلات إضافية عند الحاجة لتسهيل النقل بين المطار والمواقع المختلفة.
كما سيتم العمل على تطوير أسطول سيارات الأجرة من خلال تجديد المركبات واعتماد الرخص البيومترية وغيرها من الإجراءات.
• تعزيز البنية الجوية
ولأن التظاهرتين الرياضيتين ستعرفان حضور وفود أجنبية من مختلف بقاع العالم كان لزاما على السلطات المغربية تأهيل المطار الدولي محمد الخامس بالنواصر.
وبدأ المغرب من خلال المكتب الوطني للمطارات تعزيز بنيته الجوية عن طريق تأهيل وتوسعة مطار محمد الخامس الدولي استعدادا لاحتضان كأس إفريقيا 2025 ومونديال 2030.
ويعرف المطار الدولي منذ مدة، وفق ما تم الإعلان عنه من طرف المكتب الوطني للمطارات، أشغالا وإصلاحات، حيث تم “إطلاق أشغال الحفر للمحطة الجوية المستقبلية، مدشنة بذلك مرحلة ملموسة لأحد أضخم مشاريع البنية التحتية في المغرب في أفق 2030″، وفق بلاغ صادر عن المكتب الوطني للمطارات في يوليوز الماضي.
ومن المتوقع أن تدخل هذه المحطة الخدمة بحلول عام 2029، بطاقة استيعابية تصل إلى 20 مليون مسافر سنويا؛ وسيتم تصميمها بشكل مستوحى من أمواج المحيط الأطلسي، ما يعكس الهوية المغربية.
وبلغ الاستثمار الإجمالي لهذا المشروع وفق المصدر نفسه حوالي 15 مليار درهم، ما سيمكن المحطة الجديدة من استقبال 20 مليون مسافر إضافي في السنة، وسيرفع الطاقة الاستيعابية الإجمالية للمطار إلى 35 مليون مسافر.
وينتظر أن تكون المحطة من الجيل الأخير، إذ ستدمج مسارا سلسا ورقميا للمسافرين، مع معايير عالية للأداء الطاقي، وقدرة معززة على الصمود أمام التغيرات المناخية، بالإضافة إلى محطة قطار فائق السرعة مدمجة تربط المطار بالرباط في 30 دقيقة وبمراكش في أقل من ساعة.
* البنية الفندقية
وفق المعطيات التي حصلت عليها جريدة هسبريس الإلكترونية فإن الأشغال لن تقتصر فقط على البنية التحتية والطرقات، بل يتم الاشتغال على تعزيز العرض الفندقي من أجل إيواء زوار العاصمة الاقتصادية خلال التظاهرات الرياضية المذكورة.
وتشير المعطيات نفسها إلى أن العرض الفندقي لن يسجل أي عجز بحلول موعد تنظيم كأس العالم 2030 مقارنة بالطلب البالغ 12,440 غرفة مصنفة 3، 4، 5 نجوم.
وحسب المعطيات نفسها فإن الغرف المصنفة 3، 4، 5 نجوم المتاحة حاليا يصل عددها إلى 10,567 غرفة، بينما 3,242 غرفة قيد الإنجاز، وتشير إلى أنه جرى تحديد 30 هكتارا من الأراضي التي ستخصص للاستثمار الفندقي بالقرب من الملعب الكبير الحسن الثاني (على مسافة 1 إلى 2 كم)، بما يعادل 6,500 غرفة، ناهيك عن وجود تصريح بـ3,000 غرفة إضافية ضمن المشاريع المصرح بها.
كما أن العرض الفندقي، وفق المعلومات نفسها، في ما يتعلق بالغرف الموجهة للجمهور العام، يتوفر حاليا على 4,206 غرف، بينما توجد حوالي 1,661 غرفة قيد الإنجاز، و1,000 غرفة مصرح بها، وحوالي 7,000 وحدة سكنية متاحة عبر منصة Airbnb.
المصدر: هسبريس