الاقتصاد الروسي يواجه مستقبلا غير مؤكد بعد أكثر من عام من العقوبات اليوم 24
إن كان صمود الاقتصاد الروسي بوجه العقوبات المفروضة عليه منذ أكثر من عام فاجأ الكثير من المراقبين، إلا أن موسكو تواجه وضعا صعبا ومستقبلا غير مؤكد رغم تكيفها مع العقوبات الشديدة المفروضة عليها ردا على غزو أوكرانيا.
ردد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مدى عام أن العقوبات الدولية غير مجدية وتنعكس سلبا على الغربيين أكثر منها على بلاده، مشددا على “تعزيز السيادة الاقتصادية” واستحداث “المزيد من الفرص” لروسيا.
غير أنه بدل نبرته فجأة في نهاية مارس، محذرا من العواقب “السلبية” للعقوبات “على المدى المتوسط”، في أول موقف من نوعه منذ شن الهجوم على أوكرانيا أواخر فبراير 2022.
وقال بوتين إن “العودة إلى مسار نمو يجب ألا يجعلنا نتهاون” مقرا بأنه لا تزال هناك “مشكلات” ينبغي “حلها”.
فهل تكون هذه التصريحات مؤشرا إلى تدهور الوضع الاقتصادي أم مجرد تحذير موجه إلى الشركات بعدما حضها في منتصف مارس على “عدم تفويت فرص النمو” الجديدة؟
رأى أرنو دوبيان مدير المرصد الفرنسي الروسي في موسكو أن موقف بوتين “هو بكل بساطة واقعي”.
وأوضح لوكالة فرانس برس “إنها رسالة تعبئة موجهة إلى الشركات والوزارات المعنية: +الوضع أفضل مما كان متوقعا لكن لا تتهاونوا، واصلوا البحث عن (حلول) بديلة+”.
وقالت ألكسندرا بروكوبنكو الباحثة التي كانت تعمل سابقا في البنك المركزي الروسي “إنه يقول لهم ما معناه +أنتم وأعمالكم في أمان في روسيا فقط تحت سلطتي، لا عودة إلى ما قبل فبراير 2022+”.
ويواجه الاقتصاد الروسي مشكلات عدة حاليا، مع التراجع الشديد في صادرات الغاز وتقلص القوة العاملة والنقص في بعض سلاسل الإنتاج وهبوط قيمة الروبل، وتوقف قطاع السياحة وغيرها.
وأشار دوبيان إلى أن “القطاعات الأكثر تضررا جراء العقوبات مثل قطاع السيارات، هي تلك التي كانت الأكثر انفتاحا على الاستثمارات والتعاونات الدولية”.
وفي آخر مثال على ذلك، أعلنت شركة أفتوفاز للسيارات توقف الإمدادات من بعض مزوديها الأجانب، ما سيجعل “من المستحيل … مواصلة إنتاج سيارات متكاملة اعتبارا من النصف الثاني من شهر ماي”.
ولم يعد بوسع روسيا عمليا الحصول على التكنولوجيات الغربية وهي مضطرة إلى التوجه نحو آسيا ما يحتم مهل انتظار إضافية.
ولفتت بروكوبنكو إلى أن الشركات المرتبطة بقطاع الصناعات العسكرية هي التي “تتدبر أمرها بصورة أفضل”، مشيرة إلى قطاعات “البصريات والأدوية والمعدات المعدنية إلى ما هنالك”.
وتقر الحكومة باختلال التوازن هذا مؤكدة عزمها على تعزيز المبادلات مع الدول الآسيوية وفي طليعتها الصين والهند، للتعويض عن خسارة السوق الأوربية.
غير أن “الوضع يبقى صعبا” بحسب ما أوضح سيرغي تسيبلاكوف أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد العليا في موسكو لوكالة فرانس برس، مشيرا إلى “البنى التحتية المالية” بين ضحايا العقوبات.
وأعلن بنك “في تي بي”، ثاني أكبر مصرف روسي، الأربعاء عن خسائر تبلغ سبعة مليارات يورو في 2022، بسبب العقوبات ولا سبما استبعاده من نظام الدفع الدولي سويفت.
ويرى الكثير من المراقبين في ظل الوضع الراهن أن التحدي الحقيقي بوجه الاقتصاد الروسي سيأتي في الأشهر المقبلة.
وقالت بروكوبنكو لوكالة فرانس برس “ليس هناك أي مؤشر إلى أن روسيا تحظى في 2023 بعائدات إضافية كما في العام الماضي من خلال عائدات النفط والغاز” التي حققت زيادة كبيرة في 2022 مع ارتفاع أسعار الطاقة.
وتفيد وكالة الطاقة الدولية أن العائدات النفطية الروسية تدهورت بنسبة 42% في فبراير بوتيرة سنوية، كما أن إعادة توجيه سوق الغاز إلى منطقة آسيا يستغرق وقتا طويلا لاسباب لوجستية.
إلا أن موسكو بحاجة ماسة إلى إبقاء عائداتها من المحروقات بمستوى مرتفع لمواصلة تمويل هجومها في أوكرانيا، في وقت تخصص حوالى ثلث الميزانية الفدرالية السنوية للنفقات العسكرية والأمنية، بحسب الأرقام الرسمية.
وحذر بوتين الثلاثاء بأن “العقوبات ستدوم طويلا”.
ورأت بروكوبنكو أن “الأمر يتطلب وقتا طويلا للتكيف وإيجاد شركاء جدد وإقامة علاقات جيدة” معتبرة أن المستقبل “ضبابي”.
من جهته، رأى دوبيان أن “العقوبات لا تخلو من الألم، لكن توازنات الاقتصاد الكلي ليست في خطر في الوقت الحاضر” مضيفا أن “بإمكان روسيا تمويل مجهودها الحربي لثلاث أو أربع سنوات إضافية … لكنها خسرت ما يوازي عقدا من التطور منذ 2014، والآن قد تخسر عقدا ثانيا”.
المصدر: اليوم 24