بـ”وتيرة فاقت نمو مديونيتها” خلال النصف الأول من عام 2025 الجاري، شهد الوضع المالي للأسر المغربية تحسنا في رصيدها الادّخاري، مما يشير إلى وضعية مالية “متوازنة نسبيا”؛ فيما يلازمه استمرارُ الاعتماد على القروض السكنية (العقارية) والاستهلاكية، ولكن “دون تجاوز وتيرة الادخار”.

يتجلى ذلك من أحدث بيانات “لوحة القيادة” الصادرة عن بنك المغرب برسم متم شهر يونيو الماضي، كاشفة ملامح بارزة في مسار المديونية والادخار لدى الأسر المغربية.

بينما واصلت القروض الموجهة للأسر منحاها التصاعدي بوتيرة معتدلة، مدفوعة أساسا بتمويل السكن والاستهلاك، سجّل الادخار العائلي قفزة ملحوظة بدعم مباشر من تحويلات مغاربة العالم، وهي المعطيات التي حاولت جريدة هسبريس استقراءها ومساءلتها مع محللين اقتصاديين حول دينامية التوازن بين حاجات الاستهلاك والقدرة على تراكم المدخرات، وما تعكسه من مؤشرات على متانة الوضع المالي للأسر في خضم التحولات الاقتصادية الراهنة.

في التفاصيل، ارتفعت القروض الممنوحة للأسر بنسبة 2,5 في المائة لتصل إلى 388,5 مليار درهم، ناتجة أساسا عن ارتفاع قروض السكن (زائد 2.5 في المائة إلى 251,6 مليار درهم) والقروض الاستهلاكية (زائد 2.8 في المائة إلى 59,8 مليار درهم). بينما بلغت الودائع البنكية 1.309 مليار درهم بنهاية يونيو، مسجلة زيادة سنوية قدرها 9,6 في المائة.

ويبدو جليا أن الارتفاع ذاته ينسحب على دينامية “ودائع الأسر” بالغة 946,1 مليار درهم (زائد 6,6 في المائة)، منها 213,2 مليار درهم بحوزة المغاربة المقيمين بالخارج.

قراءتان متباينتان

يرى رشيد الساري، محلل الشؤون الاقتصادية خبير مالي، أن “ثمّة قراءتين متباينتين لتطور القروض والودائع البنكية لدى الأسر المغربية خلال النصف الأول من 2025”.

وقال الساري، في تصريح لهسبريس، إن “ارتفاع القروض السكنية مؤشر إيجابي يعكس نجاح برامج التمويل، خاصة دعم 100 ألف درهم للسكن الاجتماعي و700 ألف درهم للسكن المتوسط، ما يعزز الإقبال على اقتناء العقارات، ويفتح آفاقا لتنشيط قطاع البناء والعقار مستقبلا”.

أما “القروض الاستهلاكية” فأبانت، حسب المحلل ذاته، عن “مؤشر مقلق”؛ إذ “يعكس لجوء الأسر للاقتراض لتغطية النفقات الجارية، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، ورغم تقهقر التضخم المعلن عنه رسميا. وزاد: “هذا النمط من الاقتراض يخضع لفوائد مرتفعة ويعكس ضغوطا على ميزانيات الأسر، خصوصا في مواسم الإنفاق كالعطلة الصيفية”.

المصرح لهسبريس وصف نمو الودائع البنكية بـ”اللافت، مع مؤشرات تباين اجتماعي”، شارحا أن “ارتفاع ودائع الأسر بنسبة 9,6% يرتبط بقدرة شريحة من العائلات على الادخار، في مقابل أسر أخرى تلجأ للاقتراض، ما يعكس تفاوتات اجتماعية واضحة. جزء من هذا النمو يعود إلى عملية المصالحة الجبائية (الغرامة التصالحية للتسوية الطوعية) التي شجعت على إيداع مبالغ مهمة في البنوك، ما يعزز الثقة في القطاع البنكي”.

وفي قراءته التحليلية، خلص الساري إلى أنه “رغم ارتفاع الادخار، يلاحظ وجود حذر وتردد في توجيه هذه الأموال نحو الاستثمار المنتج، ما يطرح تساؤلات حول مناخ الثقة واليقين الاقتصادي، وأثر ذلك على خلق القيمة المضافة وفرص الشغل، بوصفه أبرز تحديات الاقتصاد المغربي حاليا”.

مؤشرات “مزدوجة”

قال الأستاذ الباحث في الاقتصاد وقانون الأعمال بدر الزاهر الأزرق إن “المعطيات الرسمية الأخيرة لبنك المغرب تكشف مؤشرات مزدوجة في تطور الوضع المالي للأسر المغربية”.

وأضاف بالشرح في تصريح لهسبريس: “فمن جهة، يعكس ارتفاع الودائع البنكية تعافيا نسبيا في قدرة الادخار بعد الضغوط التي فرضتها الجائحة والصدمات التضخمية، كما يؤشر على تحسن جزئي في أوضاع شريحة واسعة من الأسر. ومن جهة أخرى، يظهر نمو القروض العقارية دينامية واضحة في قطاع العقار، مدعوما ببرامج الدعم للسكن المتوسط والاجتماعي، ما ساهم في تحريك سوق عانى ركودا قاتلا خلال سنوات التضخم”.

في المقابل، أكد الأزرق أن “ارتفاع القروض الاستهلاكية أبان عن تحولات في أنماط الاستهلاك لدى المغاربة، مع توجه متزايد نحو قروض موجهة لشراء السيارات أو تمويل السياحة أو الخدمات الطبية”، وهو ما يعكسبحسبهنمطا استهلاكيا أكثر قربا من النماذج الغربية. كما أن هذا الارتفاع يعكس أيضا لجوء الأسر للاقتراض لتغطية حاجيات موسمية أو أساسية (الموسم الدراسي، بداية عُطل الصيف…) في ظل ضغوط على القدرة الشرائية، ما قد يحول القروض إلى عبء إضافي إذا لم تُستغل بشكل رشيد”.

وأجمل الباحث الاقتصادي بأن “ارتفاع الودائع والقروض معا يشير إلى دينامية ملحوظة في القطاع البنكي، لكنه في الوقت نفسه يسلط الضوء على التفاوتات في الوضع المالي للأسر؛ بين مَن ينجح في الادخار ومن يضطر للاقتراض لتغطية نفقاته”.

المصدر: هسبريس

شاركها.