تفتح مراكش أبوابها يوميا لاستقبال أفواج من الباحثين عن فرص عمل من مختلف أنحاء المغرب، حاملين معهم آمالا في تأمين مستقبل أفضل، لكن هذه الأحلام سرعان ما تصطدم بواقع قاس، يتمثل في أزمة سكن حادة وارتفاع جنوني في أسعار الإيجار، مما يحول حلم الاستقرار إلى كابوس يومي.

 أصوات تكشف حجم المعاناة

حسن، شاب في الثلاثين من عمره قدم من الأطلس المتوسط ويعمل في ورشة بناء، يوضح حجم المعاناة قائلا: “جئت إلى مراكش لدعم عائلتي، لكن الكراء يلتهم أكثر من نصف راتبي، ولا يكاد يكفيني لمسكن صغير”. وتتقاطع تجربة حسن مع قصة فاطمة القادمة من الجنوب للعمل في مطعم سياحي، حيث تقول: “الحياة هنا صعبة، وأسعار الكراء مرتفعة جدا، أصبح السكن أكبر تحد يومي”.

أما سعيد، القادم من شمال المغرب، فيروي تجربته المريرة في البحث عن سكن: “حاولت العثور على شقة صغيرة في حي شعبي، لكن الأسعار كانت خيالية. وصلت تكلفة استوديو بمساحة 30 مترا مربعا إلى ما يقارب 4,500 درهم، وهو رقم لا يتناسب مع الخدمات المقدمة. اضطررت في النهاية إلى استئجار شقة بعيدة عن عملي، مما يضيف عبء التنقل اليومي إلى معاناتي”.

أرقام مقلقة.. البيانات تتحدث

تعكس الأرقام والإحصاءات الرسمية حجم الأزمة. فمع تجاوز عدد سكان مراكش 1.5 مليون نسمة في عام 2024 حسب إحصاءات المندوبية السامية للتخطيط، شهدت أسعار الإيجار قفزات غير مسبوقة، حيث تتراوح تكلفة الشقق الصغيرة بين 4,000 و5,000 درهم شهريا، بينما قد تصل أسعار الشقق المفروشة في أحياء راقية مثل أكدال إلى 18,000 درهم.

وتؤكد بيانات حديثة هذا التوجه، حيث بلغ متوسط العائد على الإيجار في المدينة 7.08% خلال الربع الثاني من عام 2025، بينما يبلغ متوسط الإيراد السنوي للعقارات على منصة Airbnb حوالي 16,118 دولارا أمريكيا، مما يسلط الضوء على جاذبية الإيجار السياحي قصير الأجل لأصحاب العقارات.

الإيجار السياحي يضيق الخناق على السكان

يوضح شكيب كربوش، صاحب وكالة عقارية، في تصريح لجريدة “العمق” أن “توجه أصحاب الشقق في الأحياء الراقية نحو تأجير عقاراتهم للسياح قلّص من المعروض الموجه للأسر، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة الطلب وقلة العرض”.

ويضيف عزيز الذهبي، مرشد سياحي، أن مراكش لم تعد المدينة التي تفتح ذراعيها للبسطاء كما كانت في السابق. قائلا: “حاولت مساعدة صديق لي، يعمل مدرسا، في العثور على سكن مناسب، لكن الأسعار كانت صادمة مقارنة بالمساحة والموقع، سواء للإيجار أو الشراء”.

بصيص أمل في وجه الأزمة

وسط هذه الصورة القاتمة، تبرز مواقف إنسانية تبعث على الأمل. فخديجة، التي تعتمد على إيجار منزلها في حي شعبي كمصدر رزقها الوحيد، تقول: “هذا المنزل هو مصدر رزقي الوحيد، وأنا أحرص على تأجيره بأسعار معقولة. رغم الطلب المرتفع، أرفض رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه، لأنني أؤمن أن المساعدة المتبادلة تعزز من تماسك المجتمع”.

وتبقى قصص هؤلاء الوافدين شاهدة على التحديات المركبة التي تواجه سكان مراكش، حيث يظل الحلم بحياة كريمة يصطدم يوميا بواقع الإيجارات المرتفعة وضغوط الحياة في مدينة تتأرجح بين سحرها السياحي ومعاناة سكانها.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.