الإضراب العام يشل مرافق العاصمة الاقتصادية ونقابات تنتشي بنجاح التصعيد ضد الحكومة
في مدينة الدار البيضاء، وفي الساعات الأولى من صباح اليوم الأربعاء، كانت ملامح القرار الذي اتخذته المركزيات الخمس النقابية بخوض إضراب وطني عام واضحة وضوح شمس العاصمة الاقتصادية، خاصة داخل المرافق العمومية التابعة للدولة، حيث حصل شلل شبه كلي في العديد من القطاعات المعنية، انطلاقاً من المؤسسات التعليمية والمستشفيات، مروراً بالجماعات الترابية وصولاً إلى المحاكم وباقي المصالح الحكومية.
وكان اليوم الأربعاء بالنسبة للساكنة البيضاوية هادئاً بفعل غياب ضجيج حركة النقل التي تكون مشتعلة جراء دخول وخروج الموظفين والمستخدمين من أماكن عملهم باعتبارها أوقات ذروة، فيما اجتمع المنخرطون والنقابيون الذين أوقفوا الحركة بالقطاعات العمومية والخصوصية أيضا داخل المقرات المركزية لتنظيماتهم.
وفي الوقت الذي تنتقل فيه الشغيلة إلى مقرات عملها في الأيام العادية، خرجت قيادات الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وسط شوارع البيضاء لرفع نداء الإضراب في جميع المواقع الحيوية، وتوجيه رسائل مشفرة إلى الحكومة مفادها أن “المركزيات النقابية نجحت في شل خدمات مهمة بسبب إصرار الحكومة على تنفيذ مخطط قانون الإضراب”.
وعلى نفس المنوال، اختار أعضاء الاتحاد المغربي للشغل الاجتماع داخل مقرهم المركزي بشارع الجيش الملكي، حيث احتشد مئات المنخرطين تأهباً لبدء نضالهم داخل أسوار المعقل، والاستماع إلى خطاب الأمين العام لأكبر مركزية في المغرب، الميلودي موخاريق.
وفي ميدان المعركة، كانت محاكم الدار البيضاء بمختلف رتبها فارغة من المتقاضين، تأخير الجلسات وتعطيل الإجراءات هو عنوان المحطة الحالية، حيث أُغلقت المكاتب وأُقفلت قاعات الجلسات، فيما كان الاستثناء وفق مصادر بالمحكمة التجارية التي باشرت عملها بشكل عادي.
وبخصوص قطاع التعليم، استجابت الشغيلة التعليمية لدعوة النقابات المركزية بشل جميع المؤسسات التعليمية بمدينة الدار البيضاء، وهو النجاح الذي كان منتظراً على اعتبار أن الأساتذة بمختلف رتبهم يعتبرون رواد هذا الحق الدستوري، إذ غادر التلاميذ المدارس في جميع المستويات سواء الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية.
وفي هذا الصدد، قال عبد القادر العمري، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إنه “تم تنفيذ القرار الذي أصدرته أربع مركزيات نقابية بخصوص خوض إضراب وطني عام احتجاجاً على الحكومة، بسبب مضامين القانون التنظيمي للإضراب الذي تم المصادقة عليه في البرلمان المغربي”، مشيراً إلى أن “مؤشرات النجاح كانت واضحة في العديد من القطاعات”.
وأضاف العمري، في تصريح لجريدة “”، أن “أعضاء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل نزلوا إلى الشارع للتأكيد على نجاح الإضراب الوطني”، مسجلاً أنه “هناك تجاوب كبير من طرف الطبقة العاملة سواء الموظفين أو المستخدمين في العديد من القطاعات الحكومية وغير الحكومية، بداية من المستشفيات ومروراً بالمؤسسات التعليمية ووصولاً إلى المحاكم والجماعات الترابية وباقي المهن”.
وتابع المتحدث عينه أن “هذا الإضراب كان بمثابة استفتاء جماعي للشغيلة في مختلف أرجاء المملكة المغربية، وتبين أن الجميع يرفض مضامين قانون الإضراب التكبيلي الذي يهدف إلى تكميم الأفواه والتضييق على الطبقة العاملة”، مضيفاً أن “الإضراب هو تعبير من طرف المركزيات النقابية وأعضائها على رفضهم القاطع للسياسات العمومية للحكومة الحالية”.
وأشار القيادي النقابي إلى أن “هذا الإضراب الناجح مجرد رد فعل على تجاهل الحكومة لمقترحات المركزيات النقابية، وأيضاً تملصها من مسؤولية خرقها للاتفاق المتعلق بمأسسة الحوار الاجتماعي”، معتبراً أن “الكرة في ملعب الحكومة، وعليها التراجع عن هذا القانون التنظيمي التكبيلي والدخول في سلسلة الحوارات الاجتماعية من أجل التفاوض”.
وزاد: “أغلبية الحكومة البرلمانية لا تنفع بعد اليوم، لأن جميع المركزيات النقابية مجندة للتحديات المقبلة، ومعبأة على مستوى جميع القطاعات وفي جميع المدن المغربية”، مؤكداً أن “نسبة المشاركة كانت مرتفعة جداً، تصل في بعض القطاعات إلى نسبة 100 في المائة”.
من جهته، يرى علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، أن “الإضراب الوطني العام الذي تم تطبيقه اليوم الأربعاء بدعم من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية والحقوقية هو تعبير صادق عن وعي الشغيلة المغربية ومسؤوليتها التاريخية تجاه قضايا الشعب المغربي العادلة، وأن نجاح هذه المحطة هو دليل على رفض الطبقة العاملة لمقتضيات القانون التنظيمي للإضراب”.
وأوضح لطفي، في تصريح لجريدة “”، أن “الحركة النقابية تلجأ إلى خيار الإضراب عندما تستنفد جميع الطرق الممكنة وتغلق في وجهها جميع الأبواب، على اعتبار أن هذا الحق المشروع هو وسيلة للدفاع عن حقوق الشغيلة في مختلف القطاعات”، مردفاً أن “القانون التنظيمي للإضراب هو مشروع تكبيلي تراجعي، سيزيد من معاناة الطبقة العاملة ويعطي الأحقية إلى أرباب العمل”.
ولفت القيادي النقابي إلى أن “هذا الإضراب جاء نتيجة تجاهل الحكومة لمطالب ومقترحات المركزيات النقابية، في حين أن وزير التشغيل اختار الطريق السهل لتمرير القانون التنظيمي للإضراب المثير للجدل، والذي سيزيد من منسوب الاحتقان الاجتماعي بالمغرب”.
وأكد الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل أن “الإضراب هو تعبير راقٍ ومميز من طرف الشغيلة عن رفضها لبعض القوانين، وأنه سلاح دستوري تحتمي به الطبقة العاملة ضد القرارات الخاطئة التي تمس بحقوق المواطنين المغاربة”، مبرزاً أن “القانون التنظيمي للإضراب جاء فقط من أجل تدمير الحركة النقابية بالمغرب وهضم الحقوق والمكتسبات”.
هذا وأعلن الميلودي المخارق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، نجاح الإضراب العام الذي دعت إليه نقابته في مختلف القطاعات المهنية بجميع المدن والجهات المغربية، بما في ذلك أقاليم الصحراء المغربية، مؤكداً أن العمال في العيون وباقي المناطق الجنوبية انخرطوا بشكل كامل في هذا الإضراب.
وأكد مخاريق، الذي كان يتحدث اليوم الأربعاء في مهرجان خطابي أمام حشد من الشغيلة والنقابيين بالدار البيضاء، أن الاتحاد المغربي للشغل حرص على اتخاذ كافة الخطوات الضرورية قبل اللجوء إلى الإضراب، لكنه وجد نفسه مضطراً لخوض هذه المعركة النضالية بعد تجاهل الحكومة لمطالب العمال.
وقالت نقابة الاتحاد المغربي للشغل، إن الموظفين والأجراء في كل جهات وأقاليم ومدن المغرب انخرطوا “بكثافة ووعي وبكل مسؤولية في هذا اليوم الأول من الإضراب الوطني العام لمدة 48 ساعة، حيث توقفت عجلات الإنتاج والحركة في كل مكونات النسيج الاقتصادي”، قائلة إن نسبة المشاركة بلغت 84.9%.
وأوضح أن أسباب الإضراب واضحة ولا تحتاج إلى تفسير إضافي، إذ سبق للاتحاد أن أصدر بلاغات ومناشير تحذر من خطورة الوضع، مشيراً إلى أن الطبقة العاملة لم تعد قادرة على تحمل الارتفاع الحاد للأسعار، الذي طال كافة السلع الأساسية والخدمات، بما في ذلك الصحة والتعليم.
وشدد المخارق على أن الاتحاد المغربي للشغل يتحمل مسؤولياته التاريخية أمام العمال والموظفين، مؤكداً أن الخيار كان بين الاستسلام أو النضال من أجل الكرامة، داعياً الحكومة إلى تصحيح مسارها واتخاذ إجراءات ملموسة للحد من ارتفاع الأسعار، وضبط الأسواق، ومعاقبة المتلاعبين بقوت المواطنين.
المصدر: العمق المغربي