توحّدت ستة أسئلة لفرق نيابية متعددة في موضوع “السياسة الدوائية الوطنية”، خلال جلسة الأسئلة الشفهية مساء أمس الاثنين، أجاب عنها وزير الصحة والحماية الاجتماعية بأن “الوزارة تقود إصلاحا غير مسبوق لها باعتبارها أحد الأعمدة الجوهرية في مسار تأهيل المنظومة الصحية، في انسجام تام مع التوجيهات الملكية وركائز الورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية”.
هذا الإصلاح يروم، وفق جواب مطول لأمين التهراوي، “ضمان العدالة في الولوج إلى الدواء، وترسيخ السيادة الصحية الوطنية، من خلال مراجعة عميقة وشاملة لنظام تسعير الأدوية، وإعادة هيكلة سلاسل التموين والتوزيع، وتوسيع التصنيع المحلي”، واعتبر أن “القانون الإطار 06.22 المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية يعد لحظة فاصلة في هذا المسار؛ إذ نص صراحة على ضرورة إرساء سياسة دوائية وطنية تضمن الوفرة والجودة والتكلفة الملائمة للأدوية والمستلزمات الطبية”.
وأقر المسؤول الحكومي، في معرض حديثه، بأن “أسعار الأدوية لا تزال تمثل عبئا ثقيلا على كاهل الأسر وعلى منظومة الحماية الاجتماعية”، مستحضرا أن “نفقات تعويض الأدوية ارتفعت بنسبة 31% ما بين سنتي 2022 و2024، ما شكّل ضغطا مباشرا على الميزانيات العمومية، خاصة بعد تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض”.
“خيار سيادي”
“الحكومة جعلت من إصلاح نظام تسعير الأدوية خيارا سياديا ومسؤولا، يتجاوز الطابع التقني نحو بعد اجتماعي واقتصادي عميق، يرمي إلى تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، وتحقيق الإنصاف في الولوج للدواء، وتحفيز الاستثمار الوطني في قطاع استراتيجي”، يورد التهراوي، متابعا أن “الوزارة اشتغلت في إطار مقاربة تشاركية واسعة شملت أكثر من 30 اجتماعا مع الفاعلين المعنيين، من فيدراليات صناعية وهيئات الصيادلة وصناديق التأمين، ليتم التوصل إلى صيغة توافقية لمرسوم جديد سيسمح، عند المصادقة عليه، بخفض ملموس في أسعار الأدوية، وتحقيق نوع من التوازن بين حماية المستهلك وتحفيز التصنيع المحلي”.
وبحسبه، فـ”النموذج الجديد يعتمد على مبادئ مبتكرة، من بينها تقليص آجال مراجعة الأسعار، تنزيل الإصلاح تدريجيا لضمان الاستقرار، الحفاظ على الأدوية منخفضة السعر، وتشجيع الإنتاج المحلي”. وكشف أن “مشروع هذا المرسوم بلغ مرحلته النهائية وسيعرض قريبا على مسطرة المصادقة داخل مجلس حكومي مرتقب”.
وأكد أن “هذا المسار لم يكن سهلا، بل تطلب جهدا تفاوضيا كبيرا لتقريب وجهات النظر، مضيفا أن المقاربة المعتمدة في هذا الإصلاح اختلفت جذريا عن سابقاتها، من حيث شموليتها القانونية والتقنية والاقتصادية والاجتماعية”، مشيدا بـ”انخراط جميع الشركاء في هذا الورش وحرصهم على تغليب المصلحة الوطنية”.
مرصد للأدوية
في سياق متصل، يمثل إحداث الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية بموجب القانون 10.22 “حجر الزاوية في ترسيخ السيادة الدوائية، من خلال إشرافها على تنفيذ الإصلاحات الجديدة، ومواكبتها بورش رقمي طموح يهم رقمنة التراخيص والإجراءات، مع اعتماد الذكاء الاصطناعي في تقييم الأبحاث السريرية، وإطلاق منصة متكاملة للتتبع والدفع والتوقيع الإلكتروني لفائدة كافة الفاعلين في القطاع”.
وبالمناسبة، كشف الوزير أن “الوكالة تستعد لإحداث مرصد وطني للأدوية كآلية استراتيجية لرصد الأسعار وتوقّع الانقطاعات وتحليل دينامية السوق”، بهدف واضح: “دعم القرار العمومي المبني على المعطيات الدقيقة، وضمان شفافية وتوازن السوق الدوائية على الصعيد الوطني”.
ولم يفوت التهراوي فرصة مروره البرلماني دون أن يؤكد “مشروع إحداث منصة لوجستيكية وطنية موحدة لتموين المؤسسات الصحية العمومية بالأدوية والمستلزمات الطبية، تستجيب لحاجيات المجموعات الصحية الترابية، مع تقليص الهدر الناتج عن الانقطاعات أو انتهاء صلاحية الأدوية، الذي يمثّل خسائر سنوية مرتفعة ضمن ميزانية قدرها 3,6 مليارات درهم. وسيتم تفعيل هذا النظام بشكل تدريجي خلال 18 شهرا”.
ولـ”تعزيز السيادة اللقاحية”، أعلن التهراوي انطلاق مشروع “ماربيو” بمدينة بنسليمان لتغطية 100% من حاجيات برنامج التلقيح الوطني بحلول 2027، مشيرا إلى “توقيع عقود تموين مع الشركة تتعلق بثلاثة لقاحات رئيسية تشمل المكورات الرئوية والسحايا واللقاح السداسي، مع تخصيص أكثر من مليار درهم لتأمين 5,4 ملايين جرعة خلال سنتي 2025 و2026”.
وشدد على متابعته المباشرة لهذا الملف، معلنا “إحداث لجنة علمية خاصة لتحيين الجدول التلقيحي الوطني والمصادقة على اللقاحات الأولى المصنّعة محليا”، موضحا أن “الشركة شرعت فعليا في عملية الإنتاج، ومن المرتقب أن تزوّد المنظومة الصحية بأول دفعات اللقاحات قبل نهاية 2025”.
وذكر أن هذا “الورش العميق لا يعالج فقط اختلالات ظرفية، بل يؤسس لنموذج وطني دوائي ولقاحي جديد، يرتكز على السيادة والشفافية والتصنيع المحلي والتوزيع العادل، ضمن رؤية استراتيجية تضع صحة المواطن وكرامته في صلب الأولويات”.
المستشفى العمومي
أشار وزير الصحة والحماية الاجتماعية إلى أن الوزارة “تواصل تنفيذ سياسة استثمارية طموحة، تستهدف تطوير وتأهيل المؤسسات الاستشفائية في القطاع العمومي”، لغايات واضحة: “تعزيز العرض الصحي، وتوسيع التغطية المجالية، والارتقاء بجودة الخدمات المقدمة للمواطنات والمواطنين”.
مجيبا عن أسئلة وحّدها موضوع “تأهيل وتطوير المؤسسات الاستشفائية العمومية” خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب، مساء اليوم الاثنين، أكد المسؤول الحكومي أن الوزارة تعتمد على رؤية وطنية شاملة تروم إرساء عرض استشفائي منصف ومتكامل في أفق سنة 2030، تشمل تشييد خمسة مراكز استشفائية جامعية جديدة بكل من أكادير، العيون، الراشيدية، كلميم وبني ملال، إلى جانب “إعادة بناء مستشفى ابن سينا بالرباط بطاقة استيعابية إجمالية تقدر بـ 3807 أسرّة”.
وأكد التهراوي، في تفاعله من المنصة مع أسئلة فرق من المعارضة والأغلبية، أن “برنامج إعادة التأهيل لا يقتصر فقط على المراكز الجديدة، بل يشمل أيضا تحديث وتأهيل المراكز الجامعية الحالية المتواجدة بخمس مدن كبرى هي: فاس، الدار البيضاء، الرباط، مراكش ووجدة، مفيدا بأنه “سيتم تجديد بنياتها وتزويدها بأحدث التجهيزات الطبية”.
وأعلن الوزير عن “إطلاق برنامج وطني ضخم لإعادة تأهيل 83 مستشفى بسعة تصل إلى 8700 سرير، منها 1729 سريرا مبرمجا لدخول الخدمة سنة 2025، و2056 سريرا إضافيا في أفق سنة 2028”.
ومن المقرر، حسب المتحدث، أن تستكمل مصالح وزارته تأهيل مراكز الرعاية الصحية للقرب بالعالم القروي، وقال مؤكدا إن “العمل يتواصل لأجل تنزيل البرنامج الوطني لتأهيل 1400 مركز صحي، حيث تم إلى غاية اليوم (21 يوليوز) تأهيل 949 مركزا، فيما تتواصل أشغال تأهيل البقية على أن تستكمل قبل متم سنة 2025”.
وأوضح أن “71 في المائة من البنية التحتية الصحية الوطنية تتمركز بالعالم القروي، بما يشمل 2186 مؤسسة، منها 433 مركزا صحيا من المستوى الثاني مزودة بوحدات للتوليد أو مستعجلات القرب”.
“تجربة المريض”
في شق “تحسين جودة الخدمات الصحية”، أورد الوزير أنه “لا يتم التركيز فقط على البناء والتأهيل، بل على تحسين تجربة المريض داخل المؤسسات الاستشفائية، من خلال تعزيز خدمات الاستقبال، وتحديث منظومة النظافة والسلامة، وتوفير محطات رقمية لتوجيه المرضى، وتوحيد نظام المواعيد الطبية”.
واستحضر في هذا الصدد ما تم إطلاقه من “مشاريع رائدة في مجال الرقمنة، خاصة في جهة طنجةتطوانالحسيمة”. وقال موضحا بلغة الأرقام: “تم ربط 20 مستشفى بنظام معلوماتي موحد، وتطوير منصتين رقميتيْن: واحدة موجهة للمواطنين لحجز المواعيد، وأخرى مهنية لتنسيق عمل الأطر الطبية”.
المصدر: هسبريس