الإشاعة وباء قاتل ويجب دعم الصحافة الموثوقة لمواجهة مخاطر التواصل الاجتماعي
عدّد الكاتب والإعلامي ومدير نشر جريدة “العمق”، محمد لغروس، الإكراهات التي تواجه الشباب، حيال الحضور والتواجد المستمر على مستوى التواصل الاجتماعي، ومنها ثنائية الحرية والمسؤولية، مشيرا إلى أنه في جميع الدول والمجتمعات ليست هناك حرية مطلقة، بل يجب أن تكون الحرية مقرونة بالمسؤولية وبالقاعدة القانونية التي تنظم وتؤطر سلوك الناس.
لغروس، الذي كان يتحدث اليوم السبت، ضمن ورشة حول دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في بناء الوعي المجتمعي، خلال فعاليات جامعة الشباب الأحرار بمدينة أكادير، أشار إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي خلقت مساحة هائلة تتيح لكل مواطن، ولأي شخص مهما كانت مكانته، التعبير عن أفكاره ومعتقداته والتفاعل مع الآخرين إيجاباً أو سلباً، محذّرا من أن حرية التعبير كثيراً ما تخرج عن الحدود المسموح بها، وتتجاوز السب والقذف إلى التشهير، وانتهاك الخصوصية، وخدش الحياء العام، والإساءة إلى ثوابت الوطن ومقدسات الأمة.
وأوضح لغروس أنه “يكفي اليوم أن تصبح مسؤولاً عمومياً حتى تصبح عرضة للسب والقذف، ويتم التعدي على حياتك الخاصة”، مضيفاً: “الناس يقولون إنهم أحرار في حياتهم الخاصة، إلا عندنا، حيث هم أحرار في حياة الآخرين الخاصة”. وشدد في المقابل على أن الإشاعة وباء قاتل ويجب دعم الصحافة الموثوقة لمحاصرتها.
ونبه مدير نشر جريدة “العمق”، إلى أن الإشاعة تجد مساحة كبيرة في شبكات التواصل الاجتماعي، وتملك قدرة كبيرة على الانتشار تفوق قدرة التكذيبات والبيانات، مبرزا أنه عندما تنتشر الإشاعة رغم التوضيحات المقدمة، تظل الإشاعة في نظر البعض هي الحقيقة، وهناك إشاعات تحولت إلى حقائق يصعب تكذيبها، مثل ما راج عن واقعة “حلوى البرلمانيين” التي تسببت في عزل بعض الأعوان في السلطة.
وأشار لغروس إلى أن إكراه الإشاعة والأخبار المضللة والمعلومات الكاذبة، التي أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مستنقعاً مفضلاً لها، ليس إكراهاً محلياً أو مقتصراً على بلد دون غيره، بل تحول إلى معضلة عالمية ترهق المؤسسات والحكومات ومختلف الفاعلين. وأضاف أن المفوضية الأوروبية سبق أن راسلت كلاً من تويتر وفيسبوك وغوغل، وحثتهم على اتخاذ إجراءات حاسمة ضد انتشار الأخبار الزائفة.
وأوضح أن شركة غوغل خصصت عام 2018 ميزانية بقيمة 300 مليون دولار لدعم الصحافة الموثوقة، مع ما يتطلبه هذا الأمر من مضاعفة جهود الدولة لدعم هذا النوع من الصحافة، في مواجهة المختصين في الأخبار المضللة أو المؤسسات التي توجد في وضع غير قانوني، لا سيما في ظل رداءة بعض المحتويات على شبكات التواصل الاجتماعي، ملفتا الانتباه إلى أن مؤسس فيسبوك وعد في العام ذاته بالعمل على توفير بيئة صحية للتواصل بين الناس.
وفي نفس السياق، نبه لغروس إلى الاستهلاك المفرط لما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي دون إنتاج، مستشهدا بدراسة تفيد بأن قرابة 90% من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي هم مستهلكون فقط لما يُنشر، معتبراً أن هذا الأمر من ضمن الإكراهات التي تواجه النخبة، لتجنب الوقوع في فخ الاستهلاك دون إنتاج.
وتوقف الكاتب والإعلامي ذاته عند مسؤولية النخب، من شبيبات حزبية وغيرها، أمام هذا الواقع غير المرضي، قائلا إن هناك قاعدة معروفة في معاهد الصحافة والإعلام، وهي أن الجمهور هو الذي يجب أن يخضع لسلطة الإعلام وليس العكس، لأن من أدوار الإعلام التنوير والتثقيف والتحفيز على المشاركة السياسية وفي تدبير الشأن العام، لكن للأسف نجد أنفسنا ننساق وراء الرغبات.
وذكر لغروس في هذا السياق بمضمون الرسالة الملكية الموجهة إلى أسرة الصحافة سنة 2003، حيث أكد أنه لا يمكن للإعلام أن يكسب المصداقية الضرورية أو ينهض بدوره المنوط به ويتبوأ المكانة الجديرة به في الحياة العامة، ما لم تُمارس هذه الحرية في نطاق المسؤولية.
وأشار إلى وصية الملك محمد السادس لأسرة الإعلام سنة 2002، حين قال: “الحرية والمسؤولية هما عماد مهنتكم ومنبع شرفها. فعليكم، رعاكم الله، أن تمارسوها بكل إقدام وحكمة وموضوعية، متحلّين بفضيلتها الأولى المتمثلة في الروية وعمق التبصر”، مسجلا أن الكلمة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أصبحت بمثابة السلاح الذي يُعتدّ به في المعارك، كما أن أعظم المعارك شراسة هي تلك التي تدور من أجل كسب رهان الرأي العام.
وتطرق لغروس أيضاً إلى أن النقد البناء هو سر الاستمرار، لأن أي فاعل سياسي أو مجتمعي لا بد أن تربطه بإطاره التنظيمي علاقة عاطفية تدفعه إلى الترافع عنه وإبراز مكامن قوته وتسويق إنجازاته وما يقدمه من خدمات للمجتمع، معتبرا أن المبالغة في المدح حتى التطبيل والدفاع عن الخطأ إلى حد العزة بالإثم، تتحول إلى سلاح مضاد يفتك بحامله ويهدم عليه بيته، ما يعني الحاجة الملحة إلى النقد البناء دون مبالغة أو كذب أو إشاعة أو أي تناقض بين المواقع.
وخلص لغروس إلى ضرورة التحقق قبل النشر، لأن هناك معادلة بسيطة تؤكد أنه قبل الضغط على زر النشر أو المشاركة، هناك قواعد متعارف عليها في الصحافة تقتضي ضرورة التأكد من صحة الخبر وجديته، وأنه ليس مفبركاً أو إشاعة. وهذا يتطلب اعتماد مصفاة للتحقق، لأن النشر دون التأكد المطلوب قد يتسبب في إحداث كوارث تنتشر كالنار في الهشيم.
وحذر مدير نشر جريدة “العمق” من أن تغطي ضرورة السبق والحضور الآني في شبكات التواصل الاجتماعي على ركائز التحقق قبل النشر والمشاركة، وقبل الإساءة إلى قوم نندم عليها فيما بعد، مؤكدا في السياق ذاته ضرورة الحيطة والحذر واستخدام الوسائل الحديثة في التحقق من المعلومات والاعتماد على المصادر الموثوقة في نشر الأخبار وتقاسمها.
المصدر: العمق المغربي